هل يمكن الحديث عن تحالف تركي سعودي؟

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 10.01.2017 00:00
آخر تحديث في 11.01.2017 00:17
هل يمكن الحديث عن تحالف تركي سعودي؟

بالرغم من كل إيجابيات تطور العلاقات بين أنقرة والرياض، لا يزال الوقت مبكراً للحديث عن تحالف. والأمل أن يحقق البلدان، قريباً، ذلك الأمر الذي من شأنه أن يأتي بالفائدة على الشرق الأوسط وعلى العالم الإسلامي.


بالعودة إلى عام 1929، كانت العلاقات التركية السعودية باردة عموماً، باستثناء الفترة التي حكم فيها البلاد تورغوت أوزال. ولكن، مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، طرأت على السياسة الخارجية التركية تغيرات جوهرية، إذ أصبحت أكثر استقلالية وأنهت مرحلة أُهملت فيها منطقة الشرق الأوسط وكأنها ليست على الخريطة. وبدل سياسة خارجية خاضعة للغرب ولامبالاة متعمدة ومتبادلة بين الكثير من البلاد التي كانت تحت مظلة الإمبراطورية العثمانية، أحلَّ حزب العدالة والتنمية سياسة ملتزمة وتفاعلية. وقد رحبت المملكة السعودية بذلك التغيير في السياسة الخارجية التركية وبدأت علاقاتها الثنائية مع تركيا تزدهر اقتصادياً وسياحياً وبخاصة في مجال الاستثمار.

إنما طرأ على صورة العلاقات الوردية بين البلدين أمر معاكس مع بداية الربيع العربي. إذ رأت تركيا فيه فرصة لتعزيز موقفها كبلد قائد في المنطقة، فدعمت الحراك الديمقراطي العربي بقوة. أما العربية السعودية، فرأت في الربيع العربي تهديداً قد يعني نهاية حالة الركود العربي المستقر منذ عقود. وقد بلغ الخلاف التركي السعودي ذروته مباشرة بعد الانقلاب العسكري في مصر في تموز/يوليو 2013، الذي أطاح الرئيس الوحيد المنتخب ديمقراطياً، محمد مرسي. وقد زودت السعودية الانقلابيين بالدعم المادي والاقتصادي والسياسي، في حين رفضت تركيا إطاحة الرئيس الشرعي وانتقدت الدول التي دعمت الانقلاب العسكري. لكن اتضح أن البرودة في العلاقات لن تستمر. إذ اعتلى زعيم جديد سدة الحكم في السعودية، متمثلاً بالملك سلمان، بداية عام 2015، حيث قام الملك الجديد بإعادة ترتيب أولويات المملكة السعودية في السياسة الخارجية ورؤيتها للتهديدات الأمنية معيداً المملكة إلى ساحة العمل الدولي بقوة وزخم. ووجدت السعودية نفسها محاطة بخصومها في إيران والعراق وسوريا ولبنان وحتى اليمن. ولم يكن ذلك، بالنسبة إلى السعودية، مجرد خسارة لنفوذ الدولة السعودية على الأرض لصالح منافس جار، بل كان يمثل تهديداً وجودياً لمصالح السعودية في الخليج العربي وما وراءه. عادة، وفي مثل هذه الظروف، كان بوسع السعودية الاعتماد على دعم حليفتها التقليدية: أمريكا. لكن هذه المرة كان الأمر مختلفاً. فبعد فشلها في أفغانستان وفي العراق، واكتشاف حقول النفط السطحي (الأمر الذي قلل من اعتمادها على نفط الخليج العربي)، والتفات الإدارة الأمريكية إلى آسيا... كل ذلك قد جعل الولايات المتحدة تفكر مرتين قبل أن تقف إلى جانب السعودية. وعوضاً عن ذلك، بدأت أمريكا تبحث عن اتفاقات جديدة في المنطقة لضمان مصالحها، وكان لإيران نصيب في تلك الاتفاقيات. وأدركت السعودية أنه ليس بوسعها بعد الآن الاعتماد على الولايات المتحدة؛ واكتشفت، في تلك الأثناء، أن تركيا قد تكون حليفاً جيداً.

والأمر سيان لتركيا التي خاب ظنها جداً بالولايات المتحدة وبحلفائها في الغرب، الذين تبين في المحصلة أنه لا يمكن الاعتماد عليهم. فقد رفض هؤلاء الحلفاء طلب أنقرة إنشاء منطقة آمنة محظورة على الطيران في شمال سوريا، وتزويد المعارضة السورية بما تحتاج إليه من سلاح لقلب نظام حكم الأسد. وما زاد الطين بلة، هو الدعم الأمريكي الصريح لمنظمة بي ي د الإرهابية التي ليست سوى امتداد لتنظيم البي كا كا الذي يشن حملة إرهابية دموية ضد الدولة التركية والشعب التركي. وليس سراً القول إن تركيا قد وجدت نفسها وحيدة ومعزولة خلال السنوات القليلة الماضية. فجاء تقاربها مع المملكة السعودية ليكسر عزلتها ويعزز مكانتها في القضايا الإقليمية. وقد شكلت كل من خيبة الأمل من الولايات المتحدة والأزمة السورية وتنامي النفوذ الإيراني في المنطقة حجر الأساس في التقارب التركي السعودي. فتركيا التي باتت تزعجها سياسات إيران الطائفية في المنطقة، لا تستطيع احتواءها وحدها. فأنقرة تستورد كميات كبيرة من طاقتها من إيران (20% من غازها و30% من بترولها)، وبات الأمر أهم بعدما حاولت أنقرة تنويع مصادرها من الطاقة بعيداً عن روسيا. كما أن التجارة الثنائية مع إيران، التي وصلت عام 2015 إلى 9.77 مليارات دولار، لها دور كبير. ومع توقيع إيران للاتفاق النووي مع دول خمسة+واحد، أصبح هدف زيادة الميزان التجاري بين البلدين إلى 30 مليارا أمراً ممكن التحقيق. لكن العوامل التي ترسم العلاقات التركية الإيرانية أكثر تعقيداً من مجرد أمن الطاقة والتجارة، بل هي تمتد لتشمل أموراً تتعلق بالجغرافيا السياسية والتاريخ والثقافة. لهذا السبب، نجحت كل من تركيا وإيران في تجنب أي صراع مباشر منذ عام 1823.

جاء التقارب التركي السعودي بارقة أمل وفسحة لالتقاط الأنفاس للشعبين، ورأت فيها شعوب المنطقة تحقيقاً لأحلامها في تعاضد الدول الإسلامية وتوحدها لحل مشاكل المنطقة وحماية مصالحها ضد المخططات الأجنبية وخططها. لكن، بالرغم من كل إيجابيات تطور العلاقات بين أنقرة والرياض، لا يزال الوقت مبكراً للحديث عن تحالف. فبناء تحالف يحتاج إلى وقت طويل وجهود جبارة وتنازلات من الطرفين. والأهم من ذلك أن بناء التحالف يتطلب رؤية موحدة وقيماً مشتركة. من هذا المنظور، لا تزال ثمة خلافات جوهرية بين البلدين؛ منها وقوف السعودية ضد الإخوان المسلمين وتصنيفها لهم كمنظمة إرهابية، وهو تصنيف مضر بالعلاقات الثنائية وغير منتج.

لهذه الأسباب، نرى أن بوسعنا الكلام، بالأحرى، عن تعاون إستراتيجي بين تركيا والمملكة العربية السعودية حول بعض القضايا، حيث تتلاقى مصالح البلدين. في هذه الأثناء، على تركيا والسعودية تطوير وتعميق تعاونهما الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري. والأمل أن يصل البلدان، قريباً، إلى مستوى التحالف. ومن شأن ذلك التحالف أن يأتي بالفائدة على الشرق الأوسط وعلى العالم الإسلامي.