كفاح اللبنانيات لاستعادة حقهن بمنح الجنسية إلى أولادهن.. معاناة وأمل

وكالة الأنباء الفرنسية
إسطنبول
نشر في 12.11.2019 12:28
آخر تحديث في 12.11.2019 14:18
أمهات لبنانيات يشاركن في الاحتجاجات مطالبات بحقهن بمنح الجنسية الى أولادهن الفرنسية أمهات لبنانيات يشاركن في الاحتجاجات مطالبات بحقهن بمنح الجنسية الى أولادهن (الفرنسية)

منذ بدء الحركة الاحتجاجية في لبنان، في 17 تشرين الأول/أكتوبر، شكل مطلب اللبنانيات في حقهن بمنح الجنسية الى أولادهن، مطلبا أساسيا للمتظاهرين، فالمواطن اللبناني، بحسب القانون، هو فقط من يولد من أب لبناني.

السيدة دانا تشارك يومياً منذ ثلاثة أسابيع، في التظاهرات غير المسبوقة ضد الطبقة السياسية في لبنان، مسقط رأس والدتها المحرومة بسبب زواجها من أجنبي من منح الجنسية لأولادها. علماً أن دانا (22 عاماً) مولودة من أب سوري.

وتقول الشابة بينما تضع العلم اللبناني على كتفيها "أنا مولودة في بيروت، والدي سوري الجنسية وانفصل عن والدتي قبل أن أولد. ترعرت وكبرت هنا مع أمي".

وتوضح دانا التي تواظب يومياً على التوجه إلى ساحة رياض الصلح، مركز التظاهر الرئيسي في بيروت، "أعتبر نفسي لبنانية لكنهم لا يريدون الاعتراف بهويتي"، في إشارة إلى المسؤولين الذين تصفهم بـ"ذكوريين" و"عنصريين".

وتضيف الشابة "هذا الأمر أثر كثيراً على نفسيتي وعلى بناء هويتي الشخصية".

على غرار دانا، انضم عمر أيضاً إلى التحركات، يقوده الأمل بتحقيق "التغيير" في بلد لا تزال الطبقة الحاكمة هي نفسها منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990).

ويقول عمر (17 عاماً) "نزلت إلى الشارع ضد الفساد المستشري في الدولة".

ويروي الشاب المولود أيضاً من أم لبنانية وأب سوري، "ذهبت مرة واحدة في حياتي إلى سوريا حين كنت طفلاً".

ورغم أنه أمضى حياته في لبنان، يقوم عمر سنوياً بتجديد إقامته.

ويضيف الشاب رافعاً العلم اللبناني، بانفعال "يعاملوننا في الأمن العام كأننا أجانب. يجعلوننا نشعر بالذل".

حق طبيعي:

فيما دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية العام الماضي لبنان إلى تعديل قانون الجنسية "البالي" الذي يعود للعام 1925، معتبرة أنه "يميز ضد النساء المتزوجات من أجانب وأطفالهن وأزواجهن عبر حرمان هؤلاء من الجنسية".

ويُعد لبنان، وفق المنظمة، "متأخراً" عن العديد من الدول العربية التي تمنح المرأة هذا الحق كتونس والجزائر ومصر والمغرب واليمن.

ويرفض عدد كبير من السياسيين واللبنانيين منذ عقود تعديل قانون الجنسية بحجة رفض توطين اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا الى لبنان منذ العام 1948، والعائلات المتحدرة منهم. وتناقص عددهم بسبب القيود المفروضة عليهم والظروف البائسة التي يعيشونها، ويبلغ عددهم اليوم 174 ألفاً على الأقل، وفق تقديرات رسمية.

وأضيف إلى خطاب "المخاوف" من توطين الفلسطينيين خلال السنوات الأخيرة، مخاوف مماثلة من توطين السوريين الذين لجأوا الى لبنان منذ بدء النزاع في بلادهم في 2011 ويتجاوز عددهم المليون.

ويقول رافضو منح الأم حق إعطاء الجنسية لأولادها إن تجنيس سوريين وفلسطينيين (وهم من المسلمين السنة بمعظمهم) من شأنه أن يزعزع "التوازن الطائفي" في بلد صغير متعدد الطوائف ويقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية.

ويقول سامر (33 عاماً) المولود لأب فلسطيني وأم لبنانية خلال مشاركته في تظاهرة في بيروت "لا نطالب بتوطين الفلسطينيين وإنما بإعطاء الجنسية للمولودين من أم لبنانية فقط. هذا حق طبيعي".

ويضيف الوالد لثلاثة أطفال "نحتاج إلى الجنسية للعمل ولتسجيل أطفالنا في المدارس والاستفادة من الضمان الاجتماعي".

في العام 2018، اقترح وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة جبران باسيل مشروع قانون يخول المرأة اللبنانية حق منح الجنسية لأطفالها، إذا كانت متزوجة من أجنبي على ألا يكون سورياً أو فلسطينياً.

وتعلق رندة قباني، منسقة حملة "جنسيتي كرامتي" التي تم إطلاقها عام 2011، بالقول "هذه عنصرية".

وتوجد في سجلات الحملة طلبات لنحو عشرة آلاف عائلة يريد أفرادها الحصول على الجنسية اللبنانية، ستون في المئة منهم سوريون، وعشرة في المئة مصريون وسبعة في المئة فلسطينيون، فضلاً عن أردنيين وعراقيين وأميركيين وأوروبيين.

وتوضح قباني أن "نحو ثمانين في المئة منهم مسلمون مقابل عشرين في المئة من الطوائف المسيحية".

مسؤولون جدد:

وعادت المطالب بإعطاء الأم حق منح الجنسية إلى الواجهة خلال التظاهرات الشعبية التي شارك فيها مئات آلاف اللبنانيين.

وتقول قباني "قبل الحراك، كانت الأمهات يشعرن بالخجل لدى الكلام عن الموضوع. اليوم يطالبن بصوت عالٍ بأن يحصلن على هذا الحق".

وحمل متظاهرون خلال الأسابيع الماضية لافتات كثيرة حول هذا الموضوع بينها "ما فيي إحمل جنسية إمي، بس فيي دافع عن ثورتها".

وتشارك سحر أيوب، وهي أم لفتيين في الـ14 و16 من العمر يحملان الجنسية السورية، في الحراك الشعبي منذ انطلاقته في بيروت.

وتقول "سأبقى سنوات في الشارع حتى يصل صوتي وأحصل على حقي المكتسب لي ولأولادي ولكل إمرأة لبنانية".

ونظمت حملة "جنسيتي كرامتي" مسيرة الأحد شارك فيها المئات، انطلقت من أمام وزارة الداخلية إلى ساحة التظاهر في وسط بيروت.

ونصبت الحملة خيمة خاصة لها في ساحة رياض الصلح، إلى جانب خيم مماثلة ترفع كل منها راية مطلب حقوقي مختلف.

داخل الخيمة، تنظم دانا حلقات حوارية لتشرح لمتظاهرين آخرين أهمية الحملة ولدعوتهم إلى المساعدة على رفع الصوت للمطالبة بحق المرأة في منح الجنسية لأولادها.

ورغم الجهود المبذولة، تدرك دانا أن المسيرة ما زالت طويلة، ولا تتوقع أي تقدم من دون تغيير جذري في السلطة.

وتقول "حين يصل إلى السلطة مسؤولون جدد جديرون بها، لا أتخيل أن أحداً سيمنع عن المرأة اللبنانية حق منح جنسيتها لأولادها".