مقابلة مع الامتنان ذاته

جري سالم الجري @jerisaljeri_
نشر في 05.02.2018 00:00
آخر تحديث في 05.02.2018 19:40

سكت الامتنان برهة من الزمن، فخفت أنني أزعجت الامتنان نفسه، ولكنه أجاب بصوت حماسي: بحضوري ينقشع الحزن على الماضي والقلق من المستقبل

ذهبت إلى المستشفى، وإذ بكائن بشوش الملامح واقف في الممر يبتسم بوجهي. فبادرت بالسؤال:《هل أعرفك؟》فأجاب: 《انا الامتنان.》. شعرت بالإحراج، فكيف لي أن لا أكون أعرف الامتنان ذاته؟ ولكني سألته 《لماذا أراك هنا؟》فأجاب الامتنان《ستراني عند المرضى وبين المعزين وفي المحكمة، لأني أنا فطرة الإنسان التي تتجلى بكل وضوح حين الشدائد. ففي حين الصعاب، تنفني الكماليات السخيفة ويمتن الإنسان لمجرد نعمة غياب الألم، أو لامتلاكه دقيقة من عمره.》. فتعمدت أن أسأله سؤالا مستفزا《ما فائدة خلقتك؟》.

سكت الامتنان برهة من الزمن، فخفت أنني أزعجت الامتنان نفسه، ولكنه أجاب بصوت حماسي《بحضوري ينقشع الحزن على الماضي والقلق من المستقبل، أنا أعطيكم كل مكونات السعادة، لذلك أنتم مكلفون في استحضاري بكل ركعة بكل صلاة من حيث تكراركم للحمد، وأنتم مكلفون بتذكير أنفسكم بالنعم، وبشكر كل من نفعكم من خلقه.》. فرددت انا على الامتنان 《صدقت، فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ》. ولكن هل نحتاج إلى التكلف والتصنع لاستحضارك؟

قال الامتنان《أكرر لك، أنا فطرتكم، ولكن تعقيدات مجتمعكم عسرت تجلي الفطرة، فلو التفت رجل إلى أنثى لتعاطف معها وتزوجها، ولكنكم عقدتم معايير الشكل التي يتوقع المجتمع منك أن تلتزم بها، فكيف لك أن تعجب بسمينة ولو كانت مملوحة الخلق و سليمة الأخلاق؟ وكيف لها أن تقبل بفقير ولو كان شهما وحكيما؟ قس على ذلك الإلزامات السخيفة بين الأصدقاء مثل الإلزام أن يكون على مثل الطائفة أو مثل القدرة الشرائية. وحتى لما تريدون الشعور بالإنجاز في الحياة، فكفى بها حياة سعيدة أن تكون ممنونا عليها لرازقك. أنا يا إنسان سبيلك للأمان والاطمئنان والإيمان، فأترك نفسك بدون تعقيدات المجتمع لتدركني، ألا يكفي أنني بحد ذاتي عبادة تكون سببا لفردوس تخلد فيه أبدا؟》.