التقاليد التركية والعثمانية في رمضان وعيد الفطر

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 12.05.2021 16:57
آخر تحديث في 12.05.2021 19:39
التقاليد التركية والعثمانية في رمضان وعيد الفطر

مع اقتراب رحيل شهر رمضان المبارك ودنو أيام عيد الفطر السعيد الذي يحل ضيفاً محبوباً لثلاثة أيام من 13 إلى 15 مايو/أيار يلقي هذا المقال الضوء على بعض الجوانب الهامة من تقاليد العيد العثمانية والتركية، والذي يشار له في تركيا بتسمية يمكن قراءتها بمعنيين مختلفين هما "عيد الامتنان" أو "عيد السكر".

ولعل تسمية "عيد السكر" في تركيا ترجع إلى الكميات الغزيرة من السكر والحلويات التي يتم تناولها بعد أن قضى غالبية الأتراك الشهر الفضيل في تناول الطعام في ساعات محدودة. ولكن في الواقع، يُعتقد أن اسم العيد جاء نتيجة خطأ لفظي. لأن الإشارة إلى هذا العيد اختلطت بين كلمتي "الشكر" و"السكر" نظراً لقرب التهجئة واستعمال نفس الحروف في الأبجدية العثمانية وفقاً لخبير الحقبة العثمانية "مراد بردقجي". وبحسب رأي الأكاديمي الراحل "غونغور أوراس" يرجع سبب الإشارة إلى عيد الفطر باسم "عيد السكر" في تركيا إلى التقاليد العثمانية في تقديم صواني البقلاوة للجنود في اليوم الخامس عشر من الصوم، والتي كانوا يسيرون بها في جميع أنحاء المدينة لإمتاع المتفرجين وهم يشقون طريقهم إلى الثكنات حيث يقيمون هناك مدافعين عن ثغور الأمة. كما أن الإشارة باسم "عيد السكر" قد ترجع إلى أن من أكثر العادات السائدة في هذا العيد، تقديم مصروف الجيب "العيدية" للأطفال الذين ينفقونها على شراء السكاكر والحلوى.

وفي الواقع هناك العديد من التقاليد المرتبطة بعيد الفطر والتي بدأت في زمن الإمبراطورية العثمانية، ولا يزال بعضها مستمراً إلى يومنا هذا بينما اندثر بعضها ولم يعد لها وجود يذكر. ومع ذلك فإن الاحتفال بعيد الفطر في هذا العام سيتم بطريقة غير تقليدية نظراً لتصادف العيد مع أشد حالات الإغلاق التي مرت بها البلاد منذ بداية الوباء.

تقاليد رمضان وعيد الفطر في العصر العثماني

على مر التاريخ، كان شهر رمضان يمثل وقتاً مباركاً لمشاركة طعام الإفطار مع الأهل والأقرباء وزيارة الجيران والعائلة والتنزه للاستمتاع بجميع وسائل الترفيه في الهواء الطلق، مثل العروض المسرحية وعروض دمى الظل والتي يشار إليها باسم "حجيوات" و "قره غوز". لكن موسم هذا العام لسوء الحظ ذو فعاليات محدودة للجميع وخصوصاً لأطفال تركيا لأنهم محتجزون في الإغلاق والحظر بسبب ضرورة الحد من انتشار الوباء.

كذلك فإن الفقراء والمساكين لم يتمكنوا هذا الموسم من الاستفادة من تقليد وجبات "الإفطار" المشتركة والجماعية، والتي تعد جزءاً لا يتجزأ من التقاليد المرتبطة بشهر رمضان المبارك وهي تعود إلى عهد الإمبراطورية العثمانية حيث لم يكن المضيف في العهد العثماني يقدم وجبات الإفطار الجماعية فحسب بل كان يوزع أيضاً أكياساً صغيرةً من العملات الفضية أو الذهبية على الضيوف المعوزين يشار إليها باسم "diş kirası" والتي تُترجم على أنها ثمن "تأجير الأسنان". إضافة إلى تقليد عثماني خيري آخر لا يزال يمارس حتى يومنا الحالي يتمثل في زيارة الأثرياء للأسواق المحلية وسداد ديون الغرباء، دون أن يعرف الغريب الذي تم سداد ديونه بصاحب الفضل الذي قدم له هذا المعروف الكبير.

وكان العثمانيون هم الذين ابتكروا عادة إطلاق قذيفة المدفع في عام 1821 من قلعة الأناضول لإعلان بداية وقت الإفطار، كما كانوا أول من أرسل المسحرين إلى الحارات والأزقة بطبلاتهم الصغيرة لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور. وكان الجيران في الحقبة العثمانية يطرقون الأبواب لتوزيع الخبز المقلي اللذيذ المشار إليه باسم "بيشي" والشربات العثمانية اللذيذة والصحية التي يقال أن استهلاكها يتضاعف عدة مرات خلال شهر رمضان.

وكانت الاحتفالات تجري في العهد العثماني خلال شهر رمضان وعيد الفطر في أجواء شبيهة بالكرنفال واستعراضات البقلاوة التي كان الإنكشاريون وهم أفراد وحدة النخبة الرئيسية في الجيش العثماني يقومون بها ضمن عروض الشوارع التي كان الآلاف من الناس يصطفون على جانبي الطريق لمشاهدتها.

وقبل عصر الوباء كانت باحات أكبر مساجد إسطنبول مثل مسجد السلطان أحمد وآيا صوفيا وأيوب سلطان تستضيف المعارض والبازارات الرمضانية حيث تنتشر الأكشاك التي تبيع كل ما يخطر في البال مما يمكن للمرء أن يتخيله. وكانت هناك عروض فوانيس زيتية ملونة تقام أيضاً بعد صلاة العشاء حيث يتم تعليق الفوانيس المزخرفة بين المآذن وفناء المساجد. وكان الأطفال يتنقلون من باب إلى باب بمصباح زيت ملون ليطلبوا "العيدية".

وكان السلطان ذاته في العهد العثماني، يبدأ الاحتفالات بشهر رمضان وعيد الفطر بتقبيل يد والدته وتوزيع "العيدية" على الأطفال في أكياس صغيرة مزخرفة. ويعد تقبيل يد أحد كبار السن ثم لمس يده بجبهتك تقليداً آخر في هذا العيد، قد يتعين التخلي عنه هذا العام، وكذلك تقليد القيام بزيارات لكبار أفراد الأسرة. ومع ذلك، فإن عادات الحقبة العثمانية بأصالتها وعمق تغلغلها في وجدان الشعب التركي ما زالت حاضرة بقوة ولو أنها قد تأخذ أشكالاً متكيفة مع قواعد السلامة العامة إلا أن الأتراك يشعرون دائماً بالفرح والامتنان وحس المشاركة في مواسم مثل رمضان وعيد الفطر السعيد.