سجاد "هيركه" التركي.. عراقة وجمالية تزداد مع الأيام

ديلي صباح ووكالات
إسطنبول
نشر في 09.01.2019 00:00
آخر تحديث في 09.01.2019 12:38
سجاد هيركه التركي.. عراقة وجمالية تزداد مع الأيام

لا يزال مصنع "هيركه" (أو هركة Hereke) للسجاد والحرير، في تركيا، التابع لمجلس الأمة التركي (البرلمان)، مستمراً في إنتاج السجاد والمفروشات الحريرية للقصور الوطنية المختلفة منذ 176 عاماً، إضافة إلى كونه "متحفاً" لحرفة نسج السجاد.

تأسس مصنع "هيركه" للحياكة عام 1843، في عهد السلطان عبد المجيد بغرض إعادة إحياء فن الحياكة والنسيج، وقد شكل أحد أهم عناصر حياة القصور في القرن الأخير من العهد العثماني.

وكان بداية ينتج أقمشة المفروشات والستائر للقصور فقط، أما حياكة السجاد فلم تبدأ في المصنع إلا عام 1891، تحت إشراف كبار الحرفيين الذين تم إحضارهم من ولايات"سيفاس" و"مانيسا" ومدينة "لاديك"، تحت رعاية من السلطان عبد الحميد الثاني.

وكان هؤلاء الحرفيين في مرحلة البدايات ينسجون وفق تصاميم تعطى لهم من القصر. ثم أخذت هذه التصاميم بالتطور تدريجيا إلى أن ظهر الطراز الخاص الأصلي الذي أطلق عليه اسم "هيركه". وهكذا، أضيفت وحدات حياكة السجاد إلى مصنع "هيركيه" للنسيج، الذي كان في الأصل معدّاً لإنتاج أقمشة المفروشات والستائر فقط، مما وضع الأساس لصناعة سجاد هيركيه الشهير على مستوى العالم.

تم استخدام أكثر المنتجات تميزا في المصنع لتزيين القصور الوطنية خصوصاً الأجنحة التي يرتادها الضيوف، وذلك لعرض مهارة الصناعة العثمانية، وكذلك في القصور الأوروبية كهدايا لأعضاء البعثات الأجنبية. وقد أصبح المصنع علامة تجارية ذات شهرة عالمية بعد نصف قرن من إنشائه وحاز على جوائز في المعارض الدولية في كل من باريس ولندن وفيينا وليون وبروكسل وتورينو. كما قام مصنع "هيركه" بحياكة أكبر سجادة في تركيا. ولا تزال السجادة العملاقة والتي تبلغ مساحتها 468 مترًا مربعًا، تتربع في القاعة الاحتفالية في قصر يلدز منذ 120 عامًا، وهي واحدة من أكبر السجاجيد في العالم.

كذلك، هناك سجادة "هيركه" تبلغ مساحتها 124 مترًا مربعًا، تزين أرضية قاعة "معايدة" Muayede للاحتفالات في قصر "دولما بهجة"، حيث كانت تقام الاحتفالات الرسمية خلال الفترة العثمانية، وهي تجتذب الآلاف من السياح المحليين والأجانب حتى اليوم.

تم دمج المصنع، الذي كان يعمل تحت سقف "بنك سومبرام" خلال الفترة الجمهورية، مع رئاسة القصور الوطنية بموجب قانون الخصخصة في عام 1995. وفي الوقت الحالي، يواصل المصنع الإنتاج "كمصنع له طابع متحف" ويستضيف دراسات مشتركة بالتعاون مع الباحثين من القصور الوطنية.

عدد العقد يحدد الجودة ويُتيح إظهار الأنماط المنحنية:

في مقابلة مع وكالة الأناضول، قالت "أمينة غونايدن" من مصنع "هيركه" للسجاد والحرير إن المنتجات التي ينتجها المصنع مشهورة عالمياً. مؤكدة أن سجاد "هيركيه" قد اكتسب طابعه المميز الخاص به في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وإن الجودة العالية للمنتجات قد جعلت من "هيركه" علامة تجارية.

وقال "غونايدين": "إن سجاد هيركيه المنسوج من الصوف يحتوي على 360،000 عقدة لكل متر مربع، وهذه العقد تحسّن الجودة وتسمح بتصنيع أنماط منحنية لأنها عقد صغيرة، مما يتيح المجال لإنتاج سجاد ذو أنماط دقيقة للغاية. وهذا هو السبب في شهرة سجاد "هيركيه" الكلاسيكي الذي يعد أجود أنواع السجاد في العالم . يحتوي السجاد الحريري في عصرنا الحالي من مليون إلى 2.250.000 عقدة؛ ومع ذلك، تبقى نوعية سجاد "هيركه" الصوفي هي الأفضل.

جمالية تتزايد مع الاستخدام:

واصلت "غونايدين" حديثها، مؤكدا أن سجاد "هيركيه" له خصائصه المميزة: "يعرف سجاد هيركه أنه دائم الشباب. فقوامه دقيق وجودته مكتسبة من ضمان المتانة. وقد ساهمت التصاميم الفريدة أيضًا لسجاد هيركه في ازدهار شهرته ليصبح علامة تجارية عالمية. وكلما تقدم عمرها، تصبح سجادات هيركيه أكثر جمالًا، وتصبح ألوانها أكثر إشراقًا وأكثر بهاءً لجودة خيوطها. بما أن العقد المفتوحة تستخدم في السجاد الإيراني، فإنها تحل نفسها بعد وقت معين ولا تدوم طويلاً. إلا أن استخدام العقدة التركية المسماة غوردس، في سجاد هيركه يضمن متانة العقدة، وهذا ما نسميه الرباط المزدوج".

ومع ملاحظة أن العامل يستطيع نسج متر مربع واحد من السجاد في ثلاثة أشهر، أشارت "غونايدين" إلى أن سجاد "هيركه" يتطلب عملاً شاقًا، مع وجود 360.000 عقدة لكل متر مربع.

وأضاف "غونايدين" أن الزوار القادمين من مختلف البلدان يشبّهون أصوات الحياكة في المصنع إلى الموسيقى.

"أستطيع نسج 22 سم في اليوم":

حسن كهرمان، وهو حائك مخمل في المصنع، قال إنهم يبدعون حريراً مخملياً منقوشاً عن طريق حياكة خاصة، مضيفًا أنهم يستخدمون نظام الجاكار والدوبي الميكانيكي في النسيج. ومشيرا إلى أن الأقمشة المخملية كانت تستخدم لتزيين غرف السلاطين، قال كهرمان: "من المعروف أن ما بين ثلاثة إلى أربعة أشخاص في العالم يقومون بهذا العمل. هذه مهمة صعبة تتطلب التركيز الشديد. إذا لم تلحظ الخطأ واستمريت في العمل، فسوف يهدر قسم من النسيج. وليس هذا فحسب بل يمكن أن يستمر الخطأ ويتكرر حتى يشكل التواء. أنا لا يمكنني نسج أكثر من 22 سم في اليوم. هذا عمل شاق".