عفيفه جالة.. أول ممثلة مسرحية تركية مسلمة

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 19.04.2019 17:20
آخر تحديث في 19.04.2019 17:23
عفيفه جالة.. أول ممثلة مسرحية تركية مسلمة

بعد أن تركت بصمتها على التاريخ كأول ممثلة مسلمة على المسرح التركي، طرق اسم عفيفة جالة أبواب الشهرة بسرعة، لكن اسمها عاد وهوى بحدة بسبب تعاطيها المخدرات، التي قضت عليها وهي في سن صغيرة إذ كانت تبلغ من العمر 39 عاماً فقط.

منذ فترة طويلة تم تحديد "بادية موحد" كأول ممثلة مسرحية تركية من قبل المؤرخين المسرحيين. ومع ذلك، هذا صحيح فقط في عهد الجمهورية. وبسبب العادة القديمة السيئة لمؤرخي الثقافة الشعبية الكمالية، هم يرجعون تاريخ كل شيء إلى عام 1923.

في الواقع، أصبحت "موحد" ممثلة مسرحية بين عشية وضحاها. عندما تساءل أتاتورك عن سبب عدم ظهور النساء المسلمات على خشبة المسرح، قاموا بإعداد "موحد" في ساعات، وشاركت في مسرحية "القانون الجنائي" في الليلة التالية. ولأن الزعيم قال إنه ينبغي أن تكون هناك ممثلة مسرحية مسلمة، وجدت "بادية موحد".

وقبل قصة إظهار الممثلة المسرحية التركية "موحد" في عصر الجمهورية، بدأت القصة الحقيقية للممثلات في تركيا قبل سنوات من إعلان الجمهورية التركية. ففي 10 تشرين الثاني 1918، قبل "دار البادية" وهو المعهد الوطني للموسيقى، عدداً قليلاً من الفتيات التركيّات، في قسمه المسرحي، وهنّ "بهيرة" و"ممدوحة" و"بيضا" و"رفيقة" و"عفيفة"، التي أصبحت لاحقاً أول بطلة وضحية لمرحلة عمل الإناث في التمثيل المسرحي في تركيا.

سمح لمجموعة الفتيات المسلمات بتلقي دروس في المسرح، على الرغم من أنه تم تذكيرهنّ بأنه يمكنهن الأداء والتمثيل في مناسبات خاصة للنساء فقط.

كانت تلك سنوات صعبة في تركيا بسبب الحروب التي لا تنتهي. لذلك غادرت "إيليزا بنميشيان"، الممثلة المسرحية الشهيرة من أصل أرمني تركيا متوجهة إلى باريس، فخلقت بذلك فرصة وتحدي لعفيفة. وقد طُلب منها أن تحل بدل "إليزا" لتلعب دور "أمل" في مسرحية "الترقيع" التي أعدّها "حسين سوات"، وذلك في مسرح "أبولون" في قاضي كوي، إسطنبول عام 1919.

وقد مثّلت بالفعل وأحسنت أداء الدور لبضعة أيام، مما تسبب في رد فعل عنيف من قبل شرطة إسطنبول إذ لم يكن قانونياً أن تظهر امرأة مسلمة على خشبة المسرح لتمثّل أمام الغرباء من الذكور.

فجاءت الشرطة للقبض على عفيفة، لكن ممثلة أخرى، يُقال إنها من أصل أرمني، ساعدتها على الخروج. كانت غارقة في تصفيق الجمهور. كان هذا خيار حياتها. كأنما ولدت لتمثّل على المسرح. في سنواتها الأخيرة، كانت تقول: "المسرح هو من صنعني، وأنا موجودة طالما هناك مسرحاً، وإلّا فأنا لست موجودة"

نشأة عفيفة جالة:

ولدت بطلتنا في عام 1902 في قاضي كوي، اسطنبول، لعائلة من الطبقة المتوسطة. كانت واحدة من أحفاد الطبيب سعيد باشا. كان اسم والدها "هدايت" واسم والدتها "مدحية".

كانت عفيفة طالبة في مدرسة الفنون الجميلة للبنات، عندما تم قبولها في قسم المسرح في المعهد الموسيقي، إلى جانب عدد قليل من الفتيات المسلمات اللائي يعشن في إسطنبول.

غادرت المنزل لأن والدها كان ضد التمثيل في المسرح. بعد بضعة أشهر من التدريب، أصبحت ممثلة متدربة. لعبت دورها الأول باسم مستعار "جالة" عام 1920. على الرغم من غارات الشرطة، واصلت التمثيل أمام جمهور من الذكور في مسارح إسطنبول. وكانت زميلاتها يقمن أحياناً بإخفائها عن أعين الشرطة.

حياة فراشة:

انتهت أيام عفيفة السعيدة على مسرح "دار البادية"، وهو المسرح الرسمي في اسطنبول، بشكل سريع. فقد اضطرت إدارة دار البداية إلى إيقافها عن العمل. لذلك، بعد أن تم إطلاقها رسمياً في عام 1921، بدأت عفيفة في العمل في المسارح الخاصة في جميع أنحاء تركيا.

لكنها ونظراً لإقصائها من العمل المسرحي بناءاً على أمر من وزارة الداخلية، شعرت عفيفة بألم شديد، وقام أحد الصيادلة بتخفيف معاناتها عن طريق حقن المورفين، والتي أصبحت مدمنةً عليها بعد فترة وجيزة.

يعتقد أن المورفين قد دمر حياة عفيفة جالة من جميع جوانبها. لأنها وبالرغم من إعلان الجمهورية والسماح للنساء بالعمل على خشبة المسرح، إلا أن عفيفة لم تكن تتمتع بصحة جيدة بما يكفي للعمل بطريقة مهنية ومستمرة.

وأخيراً، تركت عفيفة حياتها المهنية كممثلة. في عام 1928، قابلت "صلاح الدين بينار"، ملحن الموسيقى الكلاسيكية التركية البارز، في حفل موسيقي حيث عزف "بينار" عزفاً منفرداً. تزوجا بعد فترة وجيزة، ولقاؤهما انعكس في واحد من أشهر أعمال الملحن الموسيقية وهو "تتبّعتك بشغف ذات أمسية ربيعية".

بعد أن قضى ست سنوات مع سيدة رائعة ولكنها غير سعيدة، إذ أنها كانت لا تزال مدمنة للمخدرات حتى ذلك الوقت، استسلم صلاح الدين بينار وانفصل الاثنان، مما انعكس أيضاً في واحدة من أشهر أغنيات بينار: "كيف وقعت في حب هذه السيدة التي بلا رحمة؟"

تم قبول عفيفة في مستشفى "منتال بكر كوي" إلى تم نقلها إلى مستشفى "باليكلي روم" قبل وقت قصير من وفاتها في 24 يوليو 1941.

عفيفة في طي النسيان:

تم نسيان عفيفة تماماً إلى أن عرض المسرح الحكومي في أنقرة، مسرحية التحديات التي كتبتها "نزيهة أراز" في ذكرى عفيفة، عام 1987. كنت في الحفل عندما عُرضت "عفيفة جالة" في مسرح أنقرة الحكومي. ضمّت المسرحية 30 ممثلاً وممثلة قاموا بأداء أدوارعفيفة، والأسرة، والأصدقاء، والمسؤولين، الذين ساعدوها أو منعوها من التمثيل على المسرح. كان العرض قوياً جداً. وتم عرض المسرحية في إسطنبول أيضاً.

استخدم "شاهين كايغون"، المصور المشهور، نص "أراز" لصنع فيلم بعنوان "عفيفة جالة"، قامت "مجدة آر" بأداء بدور عفيفة فيه. كذلك لعبت "مجدة آر" دور عفيفة مرة أخرى في فيلم يحمل اسم "القفل" بعد 20 عاماً من قصّة "شاهين كايغون".

يحتفظ بنك "يبي كريدي" بـالجوائز المسرحية لعفيفة جالة، منذ عام 1997. وكتب "عثمان بالجغيل" رواية وثائقية عن حياة عفيفة في عام 2018.

أعتقد أن أسطورة "عفيفة جالة"، تدين بالكثير لمسرحية "نزيهة آراز". خاصةً تسمية المسرح "عفيفة جالة" الاسم الذي لم تستخدمه هي أبداً، ولكنه استخدم لتسمية أول بطلة تركية - وضحية - على المسرح.