المنمنمات العثمانية.. إبداع تركي مصغر على أزهار الأوركيد

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 03.06.2020 13:04
الأناضول (الأناضول)

التعرف على أحد الفنون العثمانية المشهورة مثل الرسم المصغر أو ما يسمى بـ"المنمنمات" صار ممكناً عبر الإنترنت بعد أن نشرت الفنانة "نيفين يابجي" فيديوهات عملية تظهر كيفية صنع لوحات فنية فريدة على أزهار الأوركيد.

اعتاد معظم الناس أن يشتكوا من ضيق الوقت وتزاحم الأعمال قبل وباء كورونا واليوم نجد الغالبية العظمى تشتكي من الملل وقلة الإنجاز بسبب طول البقاء في المنزل وقضاء ساعات طويلة في السرير. لكننا يمكن أن نجعل أوقاتنا المنزلية أكثر قيمة عن طريق ممارسة هواياتنا وصقل مهاراتنا بأنشطة مختلفة تساعدنا على الخروج من هذه الفترة العصيبة بحالة نفسية وبدنية صحية كي نحقق نجاحاتنا المأمولة في مرحلة ما بعد الوباء.

ويعد العثور على هواية ممتعة طريقة مثلى للحفاظ على الانشغال ومستويات الطاقة الإيجابية داخل المنزل. ومن أكثر الهوايات شيوعاً هواية الرسم والحرف اليدوية، التي ينبثق فن المنمنمات التركية الكلاسيكية منها.

ولعل كلمة "منمنمات" اشتُقت من الكلمة اللاتينية "miniare"، التي تشير إلى لوحة باللون الأحمر، ثم تغير المدلول تدريجياً ليصل إلى ما هو عليه اليوم من لوحات صغيرة مصنوعة بغاية الدقة والإتقان. والمنمنمات لوحات بدون ضوء أو ظل ويمكن أن تُظهر موضوعات تاريخية أو أدبية أو علمية. أما الأتراك العثمانيون فقد استخدموها بشكل تقليدي كوسيلة لتسجيل التاريخ وتوثيقه، بالإضافة إلى رصد العادات والتقاليد المختلفة في الملبس والمأكل وجوانب الحياة المتنوعة.

ويُعتقد أن منمنمات الأتراك ظهرت بين 745 و 840 في عهد الأويغور، الذين حكموا جزءاً من آسيا الوسطى. وأصبحت المنمنمات التي ابتكرها الأويغور الأتراك في منطقة "توربان" في منتصف القرن الثامن مصدر الفن التركي المصغر. وبعد تفكك دولة الأويغور، استمر السلاجقة الأتراك في هذا الفن ليبدعوا المنمنمات الإسلامية الأولى. وما لبث هذا الفن أن انتشر إلى باقي البلاد والحضارات بسبب علاقات الأتراك مع بلاد فارس وسلاجقة إيران. وخلال الحقبة العثمانية، أدى تأثير إيران والسلاجقة إلى استمرار فن المنمنمات حتى القرن الثامن عشر، وبرز العديد من الفنانين المهرة في هذا المجال.

واليوم، تهدي "نيفين يابجي" الفنانة التركية المبدعة محبي هذا الفن التاريخي، عدداً من مقاطع الفيديو الغنية عبر الإنترنت حول كيفية رسم المنمنمات على قطع الفاكهة أو أوراق الورد المجففة، وتقوم بمشاركتها مع العامة على وسائل التواصل الاجتماعي. وهي بذلك تمنح الناس فرصة عظيمة لتطوير هواية مميزة بينما يستمر الحجر الصحي في إبقائنا في المنازل لساعات طويلة.

والفنانة "نيفين يابجي" البالغة من العمر 26 سنة، طالبة دراسات عليا في كلية الإلهيات في جامعة مرمرة. وهي متعلقة بفن المنمنمات الذي أحبته ومارسته في فترات مختلفة على مدى 4 أعوام، وخصوصاً من خلال المنمنمات الفسيفسائية التي تظهر الجغرافيا التركية الإسلامية. وتواصل الفنانة "يابجي" في الوقت الحالي، تطوير مهاراتها الفنية في أكاديمية "كوجوك جكمجة" التقليدية للفنون، وهي تجرب في لوحاتها المصغرة أحياناً مواد أخرى غير الورق، بينما تستمر في دراستها.

في مقابلة للفنانة "يابجي" مع وكالة أناضول، صرحت أن الفن المصغر هو هواية يمكن لأي شخص ممارستها وهو فن مثالي لتطبيقه في المنزل. وأوضحت أنه كان في العهد العثماني يُعتبر فن القصور، وكان تعليمه يتم في ورش عمل مصغرة وقالت: "إن المنمنمات فن يعرض حياة السلاطين العثمانيين والحروب التي خاضوها والعروض والاحتفالات التي حضروها. في الواقع، يمكن أن نجد أعمالاً ذات مواضيع أوسع من حياة السلاطين مثل مواضيع تتعلق بالطب والكيمياء والجغرافيا. ويمكن اليوم لأي شخص دراسة هذا الفن بسهولة من خلال دورات متخصصة. أعتقد أن كل ما يتعلق بالإطار المصغر يمثل في الواقع العالم الداخلي للإنسان".

وأضافت "يابجي" مشددةً على أن المنمنمات تروي رحلة البشرية: "لقد قادني فن المنمنمات إلى اكتشاف نفسي والتعرف عليها، وقياس صبري وخيالي ومدى محبتي لموهبتي. عندما أصنع قطعي الفنية أشعر برابط وجداني بيني وبين لوحاتي".

وأوضحت أنها في فترة الحجر المنزلي سعت إلى مشاركة ما تعلمته مع الجمهور عبر الإنترنت، وأنها أنشأت أعمالاً جديدة من خلال رسم المنمنمات على بتلات زهور الأوركيد المجففة، لأنها تؤمن أن المرء يجب أن يكون شجاعاً في إظهار موهبته الفنية ويجرب أشياء مختلفة.

"قد يكون رسم المنمنمات على الزهور صعباً في البداية، ولكن يمكن التدرب على الرسم على أوراق صغيرة. و يمكن طبع الرسومات بقلم رصاص من صفحات الكتب على أوراق الزهر المجفف ليصبح العمل أكثر سهولة. وهذا يتيح فرصة تجربة وتعلم فن المنمنمات لأي شخص بطريقة عملية عندما يكون في المنزل".

وأشارت "يابجي" إلى أنها تلقت تعليقات إيجابية للغاية من متابعيها فيما يتعلق بمقاطع الفيديو: "تلقيت ردود فعل جيدة جداً. وقام الكثيرون بنشر فيديو مصغرات زهور الأوركيد على وسائل التواصل الاجتماعي. وبعد نشر الفيديو على تويتر، كتب العازف المشهور سادات أنار أول تعليق ليحصد الفيديو فيما بعد أكثر من 8000 إعجاب".

وختمت "يابجي" حديثها بدعوة من يرغب في الاستفادة من وقته خلال الفترة الحالية، بمشاهدة مقاطع الفيديو لتعلم كيفية صنع المنمنمات وتجربتها على الأوراق أو الزهور. كما أوصت الفنانة أيضاً برش مادة الورنيش على المنمنمات المرسومة على الأوراق واستخدامها كعلامات توقف بين صفحات الكتب.