"آفت شانار" احترفت التصوير بعد الخمسين.. قصة نجاح لا تعترف بالعمر

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 26.11.2021 16:31
آخر تحديث في 26.11.2021 16:53
آفت شانار احترفت التصوير بعد الخمسين.. قصة نجاح لا تعترف بالعمر

"العمر بالنسبة لي مجرد رقم، أبداً لم يكن في حسباني خلال كل المحطات التي مررت بها.. دائما كنت أفكر فقط فيما أريد أن أتعلم"، هكذا بدأت حديثها معنا المصورة الفوتوغرافية التركية "آفت شانير"، والتي أصبحت واحدة من مشاهير موقع التواصل الاجتماعي "انستجرام"، بسبب صورها المحترفة وقصتها الملهمة.

بدأت "شانار" حياتها الجديدة بعد أن تجاوزت الخمسين بفضل دعم أبنائها الأربعة، واكتشفت موهبتها عن طريق الصدفة، رغم أنها كانت ملازمة لها طوال حياتها، لكن بسبب الظروف القاسية التي مرت بها من فقدان الأبن والزوج، لم تلتفت لها، بل كانت مثل أي أم تسعى إلى أن تبقى قوية لكي تعبر بأطفالها إلى بر الأمان.

حلم الطفولة ومستقبل مختلف

ولدت "آفت شانار" بمدينة ريزا التركية عام 1959، لعائلة متوسطة تقدس التعليم، ومنذ نعومة أظافرها لفتت ماكينة التصوير اهتمامها، حيث كانت لها أهمية خاصة عند والدها، الذي كان يوثق كل شيء بها مثل تجمع العائلة، ومراحل تعليم أطفاله المختلفة.

وتقول شانار: "الكاميرا دائماً كانت موجودة في حياتي، لها مكانة في ذكرياتي، وكان يقول لي الجميع أنني أصور بشكل جيد، لكن في زماننا لم تكن هناك سيدات عاملات في هذا المجال، لذلك لم أفكر فيها يوماً كعمل، بل موهبة وضعيفة".

وتابعت: "التصوير كان حلم الطفولة، وكانت الكاميرات تقتنيها طبقات معينة بالمجتمع لأنها كانت غالية الثمن، إضافة كونها شيء قيم للغاية، حيث كانت تعتمد على فيلم التصوير وليست ديجيتال مثل كاميرات اليوم".

واستطردت: " عندما كنت في المرحلة الإعدادية، كنت أعلم أنني سأصبح معلمة رياضيات بسبب حبي الشديد للشرح، حيث كنت أنظم مجموعات لزملائي بالمدرسة وأشرح لهم كل الدروس".

مرت السنوات، وانتهت "شانار" من التعليم الثانوي بمدرسة المعلمات، وبالفعل التحقت بجامعة طرابزون لتتخصص في الرياضيات، وتنتهي من مراحلها التعليمية المختلفة وتحقق ما خططت له في أن تصبح معلمة.

الحياة العائلية لم تخل من الكاميرا والآلام

تروي "شانار" أنها تزوجت على الطريقة التقليدية عام 1984، وانتقلت إلى إسطنبول مع زوجها المهندس، وكانت لديهما كاميرا في بيتهما لتوثيق الذكريات، خاصة مع ابنها البكر الذي فقدته في حادث أليم في عمر 11 شهر فقط، ما أضطرهم إلى مغادرة تركيا بالكامل في محاولة لنسيان فقدان الولد.

وبدأ الزوجان حياة جديدة بالمملكة العربية السعودية أثمر عنها 4 أطفال.

وتقول شانار: "لم يكن لدينا الكثير من الأنشطة لممارستها في ذلك الوقت بالسعودية، لكن مع الكاميرا كنت أوثق كل مراحل وخطوات أطفالنا، ونزهاتنا للبحر، إضافة إلى تجمعات الأصدقاء بالغربة".

وتابعت: "عندما كانت كبرى بناتي في عمر الـ 12 عاماً وأصغرهم 3 أشهر، حدث مالم يكن في الحسبان، فقدت زوجي، وكنت شابة في الثلاثينات من عمري، عدت إلى إسطنبول، وكان كل همي هو تأمين تعليم أطفالي بشكل جيد، ومساعدتهم على تجاوز الألم".

إسطنبول بين المسؤوليات

تتذكر آفت أبلة (كما تحب أن يناديها الناس) بأنها كانت تخاف دائما، وتعتمد على والدها كثيراً، ومن ثم زوجها، لكن بعد الأزمات التي مرت بها، أصبحت امرأة جديدة بشخصية قوية.

قررت "شانار" العمل من أجل تربية أبنائها وعادت إلى التدريس مرة أخرى لتأمن قوت يومها، وركزت كل جهدها لتربية أطفالها، حتى تخرجوا جميعا من أفضل جامعات الهندسة في تركيا.

اكتشاف موهبة التصوير بسبب سارق

وتتذكر شانار أنه في أحد الأيام دخل سارق إلى منزلهم، وسرق كل شيء الكتروني بالمنزل، وعندما استيقظ الجميع كانت صدمة.

وتقول: "لم أحزن على شيء إلا الكاميرا، فقدت كل شيء في حياتي، لكنني لم أتحمل فقدان ماكينة توثيق ذكرياتنا، ظللت أبكي لأيام، كل شيء في هذه الفترة كان صعب، افترقت عن ابنتي الوسطى، حيث إنها ذهبت للدراسة بالخارج، تغيرت شخصيتي وأصبحت لا يتحملها أحد، ولكن بفضل أبنائي تجاوزت الأزمة النفسية".

وكانت نصيحة ابنتها الكبرى "مروة" هي طريقها الجديد، حيث أحضرت لها اللوح الالكتروني (التابلت)، وطالبتها بممارسة هوايتها في التصوير، لكن التغير الحقيقي كان بعد تخرج ابنها "علي" من الجامعة، ومع أول راتب له ذهب وأحضر كاميرا ديجيتال كهدية لها.

وتقول: "سألته كيف سأستخدمها، أخبرني أنني أستطيع أن التحق بالدروس من نفس المكان الذي اخذها منه، وبالفعل ذهبت لمدة 3 أيام لكنني لم أفهم شيء، لم أفقد الأمل بحثت كثيرا وظهر أمامي مركز "اسمك الحكومي" وبدأت بدراسة التصوير".

وأردفت: "انتهيت من الدروس التي استمر لمدة عام وقررت أن احترف التصوير بمختلف مجالاته، ظللت أدرس لمدة 3 أعوام متواصلة، كنت أشارك كل صوري على "انستجرام"، وفي يوم دُعيت إلى الحديث عن تجربتي في أكاديمية متخصصة بالفن الكلاسيكي، وخرجت من هناك وقد وقعت معهم عقداً لتعليم التصوير الفوتوغرافي".

وأضافت: "بدأ الناس تعرفني في هذا المجال بشكل جيد، عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وتحول التصوير الفوتوغرافي من هواية إلى مهنة، صورت العديد من المشروعات الهندسية وحفلات الزفاف والطعام والمناظر الطبيعية، وأصبح التصوير عمل الأساسي الذي أكسب منه المال، ورغم كل ذلك ما زلت أتعلم".

وتؤكد شانار أن التصوير ليست مجرد صورة، بل يجب على المصور أن يكون على علم بالعلوم المختلفة وتاريخ المكان الذي يصوره حتى يستطيع أن يخرج صورة تتحدث عن نفسها لا تحتاج إلى شرح ومؤثرة.

وأبدت استغرابها من اعتقاد بعض السيدات أن حياتهم تنتهي بعد الانجاب أو بعد عمر معين، مضيفة: "الحياة مستمرة، إذا كنت تعتقدين أنك كبرت بالعمر، فأنت مخطئة لأنه مهما كبرنا فالشباب يكون بداخلنا، حياتي الجديدة ساعدتني على ممارسة الرياضة، والتعرف مع أشخاص جدد، والأهم من ذلك هو حب الحياة".

وقالت ابنتها "بتول": أنا فخورة بأمي الآن لأنها قبل أن تبدأ مجال التصوير كانت تخاف علينا من العالم الخارجي، فهي كانت دائما بالمنزل، لكن عندما تعلمت التصوير، وبدأت تخرج في جولات تعلمت أن هناك الجيد والسيء، كما أنها امرأة قوية، فهي مرت بأزمات كبرى واستطاعت تجاوزها".

بينما ترى ابنتها الأخرى "سفدا" أن والدتها ناجحة ونشيطة، واستطاعت أن تحقق نجاح في مجال مليء بالشباب ولا يوجد لكبار السن مكان فيه، مشيرة إلى أنها تعطيهم الطاقة الإيجابية، وبفضل عملها الجديد أصبحن يتجولن في كل مكان وفي كل فصول السنة.