أهمية الأدوار النسائية في المسلسلات التركية

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 05.01.2022 17:02
مشهد من مسلسل بارباروس Sabah مشهد من مسلسل بارباروس (Sabah)

مع كل حلقة جديدة من الدراما التركية "بارباروس: سيف البحر المتوسط" تجتاح المشاهدين حالات من الدهشة والإعجاب لا مثيل لها، وخصوصاً سحر الشخصيات النسائية وأداؤها المتميز والفريد. يلقي هذا المقال نظرة فاحصة على أهمية الأدوار النسائية في المسلسلات التركية عموماً ومسلسل بارباروس على وجه الخصوص.

يروي مسلسل بارباروس سيف البحر المتوسط تفاصيل قصة الأخوين بارباروس، اللذين كان لهما الفضل في سيطرة البحرية العثمانية وسيادتها على البحر المتوسط وبسط هيمنتها عليه وما تلا ذلك من ازدهار التجارة والملاحة البحرية فيه. ويحتل مسلسل الأخوين بربروس مكانةً بارزةً بين المسلسلات التركية الناجحة التي غزت قلوب المشاهدين بجودة المحتوى وحسن أداء الممثلين وبراعة الإخراج والتصوير. ومن أهم العناصر التي تمنح لهذا العمل التلفزيوني تفوقه المتميز هو العنصر النسائي فيه، إذ أن الشخصيات النسائية البطلة تبرز بمواقفها بقدر ما تفعل بسيوفها على عكس بعض الأعمال الدرامية التي تصور النساء بمظهر الخاضع الضعيف كحريم السلطان.

بدأ عرض مسلسل بارباروس لأول مرة على قناة TRT1 أول شبكة تلفزيونية وطنية تركية، في أوائل سبتمبر/أيلول من العام الفائت. وتستند محاور السيناريو والحبكة الدرامية فيه إلى القصة الحقيقية للأخوة البحارة العثمانيين بارباروس وهم أوروتش رئيس وخزر وإسحاق وإلياس، وقد تم نسج القصة بحنكة على خلفية قاتمة ومحافظة من القرن الخامس عشر لمجتمع يهيمن عليه الذكور بشكل حاسم. لكن وبالرغم من هذه الحقيقة، فقد تم التأكيد على قوة إصرار الشخصيات النسائية في المسلسل، وتم التعامل مع السيناريو بمهارة مع الحفاظ على التوازن الأمثل بين الحقائق والتفكير الخيالي للكاتب الذي يتمتع بقدر ضئيل من الحرية في دراما الفترة التاريخية.

وبرزت في القصة إحدى الشخصيات النسائية وهي إيزابيل صاحبة فندق صغير، وهي ثائرة ضد والدها وتسعى لمساعدة صديقها البحار أوروج الذي يمثل أملها الوحيد لإعادة شقيقها المسجون. وهي بسبب تقربها من أوروج تواجه ديسبينا حبيبته التي تصبح زوجته فيما بعد، وتحتدم الغيرة والملامة بينهما. لكن إيزابيل تقف قوية وسط كل المحن ولا تتردد في سحب السكين للرد على المهاجم أو حتى العودة إلى والدها الشرير وتحمل إيذائه من أجل حماية الأبرياء.

شخصية أخرى، لعبت دورها ميليس باباداغ، وهي زينب الرقيقة طيبة القلب التي تعتني بدار أيتام. وتبدو زينب ماهرة أيضاً باستخدام السيف، وتتمتع بالرغم من رقتها بالجرأة على محاربة جنود الملك، وتقوم برحلة محفوفة بالمخاطر لشراء الأدوية التي من شأنها أن تنقذ حياة طفل مريض. وفي سياق الأحداث، يتم القبض عليها عن غير قصد وسرعان ما تجد نفسها خارجة عن القانون. وبدا أحد مشاهدها مثيراً للإعجاب، حيث كانت إجابتها بالنفي القاطع على السؤال المبتذل الذي طرحه بطل الرواية "تثقين بي، أليس كذلك؟".

كما يقدم المسلسل أيضاً العديد من الشخصيات النسائية القوية الأخرى مثل إستر التي أُطلق عليها لاحقًا اسم أسماء، وهي عازفة تتمتع بدقة الملاحظة الشديدة وتحمل مفتاح لغز غامض تدور حوله القصة بأكملها. وديسبينا زوجة أوروج وهي أيضاً ابنة تاجر يوناني تخالف الأعراف وتتزوج بحارها المسلم المحبوب. وهناك شخصية أخرى تسمى آسيا التي تعمل قابلة سرية يمكنها قراءة العقول والتلاعب بها وفقاً لإرادتها.

وإلى جانب القتال بالسيف بين الرجال، جاء السيناريو أيضاً على ذكر رائدات الأعمال مثل هيما خاتون، وهي عمة الأخوين بارباروس وامرأة حديدية حازمة ذات سلوك متماسك وأنيق، تعلن عن إنشاء متجرها الخاص بها وإدارته بنفسها. ونراها تطالب ورأسها مرفوعة بتوقيع ترخيصها من الأمير قره باي القوي وزوجته فيروز. وهذا بحد ذاته يترك صدى واسع لدى رائدات الأعمال الحاليات اللائي يواجهن تحديات كل يوم في عالم الشركات الذي يركز على الذكور.

ولا يزال المسلسل في موسمه الأول وقد بثت منه 15 حلقة حتى الآن. لكن السمة الثابتة في كل دراما تركية أنها لا تفشل أبداً في إدهاش المشاهدين بجمال التمثيل الطبيعي والمقنع حتى لأكثر الشخصيات بساطة. وبفضل الممثلين الموهوبين، والسيناريو المصمم بإحكام، يشعر المرء كما لو أن الكاميرا تلتقط المحادثات الطبيعية التي تجري في الحياة الواقعية بين الشخصيات. حتى من دون أي حوار، يتم تصوير العديد من المشاهد بالتواصل الذي يحدث فقط من خلال نظرة أو إيماءة. كذلك الشخصيات النسائية في مسلسل بربروس حيث أبدع مدير التصوير إرسان شابان وخصوصاً في إحدى الحلقات حين أظهر عملية إنقاذ تحت الماء بشكل جميل تمكن من خلاله من إثارة محبي المغامرة ونال إعجابهم دون منازع، كما تألقت الموسيقى التصويرية للعمل وهي تفوح برائحة قوية من الزمان والمكان اللذين تتكشف فيهما القصة.

وكما هو معروف فإن نجاح دراما الفترة، يعتمد على المخرج الفني ومصمم الأزياء بقدر ما يعتمد على الجوانب الأخرى. وقد نجح المخرج الفني للعمل التلفزيوني إيرول تاشتان، في إعادة إنشاء هالة تلك الفترة، حتى في أصغر التفاصيل في المشاهد التي صُوّرت في أماكن مثل ميناء أو قرية أو منزل شخص عادي. وأدى البحث الدقيق إلى جانب الذوق الرفيع إلى ابتكار أزياء مميزة تليق بالشخصيات المصورة، سواء أزياء البحارة الساحرة بالمعنى التاريخي، أو أزياء الشخصيات النسائية التي عملت على خلق الشعور بالأصالة في المسلسل. ولا تزال كل هذه العوامل تساهم في منح مُشاهدي "بارباروس: سيف البحر المتوسط" إحساساً بإعادة إحياء التاريخ لدرجة أن المشاهد يشعر بأنه ينتقل عن بعد ويسافر عبر الزمان والمكان، لمشاهدة حياة الناس في حقبة ماضية تتكشف أمام عيونه.

أخيراً، هناك عنصر ناجح آخر في المسلسل لا بد من ذكره، وهو مشاهد تصوير مدن الإسكندرية وكاليمنوس وميديلي في القرون الوسطى، والتي صنعت معالمها خصيصاً لهذا المسلسل وتم تصويرها بواسطة الطائرات المسيرة، وتجتاح المشاهد قلب المتفرج فتأسره ويجد نفسه يتمايل إعجاباً وطرباً على أنغام الموسيقى المصاحبة.

بقلم: RAJAGOPALAN HEMAMALINI