النوايا الروسية والنظرة التركية

نشر في 08.12.2015 00:00
آخر تحديث في 08.12.2015 16:41

لقد أفشل الدعم الشعبي لموقف القيادة التركية في أنقرة، الأهداف الاستراتيجية الروسية التي طمحت موسكو للتوصل اليها من خلال فرض عقوبات على تركيا بعد اسقاط الطائرة الروسية التي اخترقت المجال الجوي التركي.

إن من الطبيعي ان تقوم دولة بإعلان فرض عقوبات لإلحاق الضرر بالنخبة الحاكمة في دولة أخرى دون استهداف المدنيين فيها. هذا ما فعلته القوى الغربية عندما فرضت العقوبات على إيران وروسيا.

هذه الدعاوى السياسية لا تعني شيئا على المستوى العملي في الغالب. ففرض العقوبات على دولة ما، يستهدف إضعاف علاقاتها التجارية والاستثمارية. وهو ما يؤثر أيضا على العلاقات الأكاديمية والسياحية أيضا. إن أطراف هذه العلاقات لا يمثلون في الواقع الحكومات، بل رجال الأعمال والطلاب والسياح والأكاديميين.

هذا ما تقصده تركيا بقولها أن قرار روسيا بفرض العقوبات عليها، ينعكس سلبا على العلاقات بين شعبي البلدين، بينما تتظاهر روسيا بأن هذه العقوبات لن تؤثر على رجل الشارع العادي. من المستحيل أن يبقى أثر العقوبات منحصرا على حكومة البلد، فالشعب بأكمله مضطر لمواجهة التأثيرات.

هذه الحقيقة تجعل تصريحات فلاديمير بوتين، التي يشير فيها الى احترامه للشعب التركي وعدم رغبته في إيذائه، مفرغة من مضمونها. فبشكل أو بآخر، يعاني الشعب التركي من هذه العقوبات، ما يجعله لا يأبه بتصريحات بوتين عن مدى حبه له.

على من سيقع اللوم عندما يجد رجال الاعمال أنفسهم غير قادرين على تطوير أعمالهم في روسيا، ويواجه المسافرون العاديون مشاكل في المطارات، أو يحرم الأكاديميون من استكمال بحوثهم في روسيا؟ الى من سيشير الشعب بأصابع الاتهام، إذا قررت روسيا قطع امداد الغاز الطبيعي، ليتجمد الناس بردا في بيوتهم؟

يأمل صناع القرار الروس أن يصب الشعب التركي جام غضبه على حكومته، ويتمنى لو أن حادثة المقاتلة الروسية لم يقع أبدا. صناع القرار قد يتوقعون أيضا أن يضغط رجال الأعمال على الحكومة التركية مما يضطرها لقبول أي شيء تطالب به روسيا.

لا أعلم حقيقة ما يمكن أن يجري في دول أخرى من العالم، لكن الشعب التركي قد طور ردة فعل مختلفة تماما إزاء هذه القضية. فغالبية الشعب تدرك الأسباب الحقيقية للغضب الروسي. فهم يدركون أن موسكو تحاول أن تعزز مكانتها في الصراع الاستراتيجي العالمي الدائر، وتحارب في الوقت ذاته الولايات المتحدة وحلف الناتو من خلال تركيا. إضافة لذلك، فللأتراك ذاكرة جيدة حول جوانب العلاقات التاريخية بين روسيا وتركيا.

الرئيس فلاديمير بوتين، أكد مؤخرا على ان روسيا ليس لديها أي عداء تجاه العالم الاسلامي، ألا أنه من الصعب جدا على المواطن التركي العادي، أن يستحضر أي موقف قدمت فيه روسيا يد العون الى المسلمين في أي بقعة من بقاع الأرض. وليس من الممكن التظاهر بأن روسيا ليس لديها أي مواقف ضد الأتراك، في الوقت الذي تقصف فيه طائراتها قرى التركمان في سوريا.

الخلاصة، ان الأتراك ليسوا غاضبين على حكومتهم، بل على روسيا. العديدون صرحوا باستعدادهم لتحمل تبعات العقوبات الروسية، في سبيل عدم تراجع مواقف أنقرة. ولطالما وقف الشعب الإيراني مع حكومته لسنوات طويلة في وجه العقوبات الأمريكية، ولا نتوقع من الشعب التركي أقل من ذلك. وكما كانت العقوبات الغربية سببا اضطر ايران لتطوير علاقات قوية مع روسيا، فإن تركيا اليوم تتقارب مع العديد من دول العالم، كنتيجة للعقوبات الروسية.

لا بد أن الروس يستحضرون أسماء بعض الداعمين لهم في تركيا، إلا أن هؤلاء ليس لهم تأثير حقيقي على الرأي العام التركي. ولا ننسى أن مشاعر القومية التركية دائما ما كانت تتنامى كلما شعر الأتراك أنهم في مواجهة مع إحدى القوى العظمى.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.