يبدو أن الإعلام الأجنبي مصرّ على توجيه أصابع الاتهام حول ما يعتبرها "حالة حرب" في تركيا؛ فبعض التقارير والمقالات المنشورة في وسائل إعلام عالمية تشير إلى أن تركيا تخضع إلى حالة من الحرب في الداخل، وحرب أخرى على الحدود في سوريا.
لا بد من القول بأن تسمية ما يحدث في جنوب شرق تركيا على أنه حرب، هو مجرد خيار سياسي. فالمشهد نفسه قد يسمى "حرباً على الأرهاب"، لو كان في دولة أخرى. أضف إلى ذلك أن تركيا ليست في حالة حرب مع أي دولة، بما في ذلك سوريا أو روسيا. نحن نعلم جيداً أن هناك رابطاً بين ما يحدث في سوريا وما يحدث في جنوب شرق تركيا. ولكن المثير للانتباه في الأمر هو أن الإعلام الدولي يحاول عدم الإشارة إلى هذا الرابط، والادعاء بأن الأمر يعبر عن "حربين منفصلتين".
من الواضح أنه تم استغلال تنظيم حزب العمال الكردستاني بي كا كا والتنظيمات المرتبطة به من أجل إبعاد تركيا عن المعادلة السورية. وبصيغة أخرى يمكن القول إن تنظيم بي كا كا وروسيا قاما بكل ما يمكنهما القيام به من أجل إضعاف موقف تركيا على طاولة المفاوضات. الصحيح أن تركيا لم تحسن استغلال كل الفرص في تلك المرحلة، إلا أن بعض اللاعبين قد حرصوا حقيقة على منعها من استخدام الفرص. فلنتذكر عملية التسوية مع الأكراد التي لم تكن أهدافها محصورة على تحقيق السلم والديمقراطية داخل الأراضي التركية فحسب، بل كانت أهدافها تتضمن أيضاً الأكراد في سوريا والعراق، وكان هدفها الأساسي خلق علاقات ودية وصديقة بين تركيا والأكراد في عموم المنطقة. ولكن، وبينما كانت السلطات التركية تحاول تطبيق هذا المشروع، كانت أطراف أخرى تفضل جمع وتخزين السلاح في المدن التركية.
وفي المسألة السورية، يبدو من السهل إلقاء اللوم على اللاعبين المختلفين في المنطقة، أو على قيادات الشرق الأوسط. إلقاء اللوم بحد ذاته جزء من اللعبة السياسية. على سبيل المثال، عندما ترى إعلام أو حكومة بلد ما، صابًّا كل اهتمامه على شخص أو حزب ما، فهذا يعني أن حكومة البلد لديها مشكلة مع ذلك الشخص أو الحزب. وإن كان الشخص أو الحزب قد أتيا إلى الحكم عن طريق غير ديمقراطي، فإننا نجدها تعمل ما في وسعها للإطاحة به. أما إن كان جاء إلى الحكم بالسبل الديمقراطية، فالأمر ليس بهذه السهولة. وفي هذه الحالة، ستحاول القوى الغربية إرسال رسالة مفادها أنها غير راضية عن أداء الشخص أو الحزب وأنه بالتالي لا يجب توقع الكثير منها تجاههم.
إن كمية النقد التي توجه إلى تركيا في الإعلام الأجنبي تؤكد على أن البعض غير سعيد بالسياسات التركية الحالية. ليس من منطلق حبهم للأكراد أو تضامنهم معهم؛ فلو كانت المسألة مسألة مشاعر إنسانية، فالعالم مليء بالمعاناة والمآسي الأليمة. لكن المسألة تكمن في استعدادهم لاستغلال الأكراد من أجل إعاقة تركيا في بعض المسائل. لذلك ربما يحاولون جرّ تركيا إلى الحرب في سوريا. ولوهلة يتبادر إلى الذهن احتمال أن تكون هجمات داعش وحزب الاتحاد القومي وإسقاط المقاتلة الروسية وتدفق اللاجئين مجرد فقاعات اختبار. لقد دعيت تركيا إلى خوض الحرب السورية، في غير مرة، لكنها قاومت.
البعض توقع أن تدخل تركيا إلى الحرب في سوريا لخلق توازن ضد روسيا، والبعض الآخر استخدم تنظيم بي كا كا من أجل إلهاء أنقرة عما يحدث في سوريا. وبكل الأحوال، فإن تركيا قد قررت، حتى الآن، ألا تتدخل بشكل مباشر أو عسكري على المسرح السوري. وإن فضلت روسيا والولايات المتحدة أن تبقى تركيا خارج حلبة الصراع في سوريا، فإن أطراف أخرى قد تبدو منزعجة من ذلك. وقد يظنون أيضاً أن روسيا خدعت الولايات المتحدة بهذا الصدد. هل بإمكانكم تخمين هذه الأطراف؟ فقط ألقوا نظرة على الإعلام الغربي لتعرفوا.