من سيكسب ما بعد الصراع على القدس؟

اسطنبول
نشر في 12.12.2017 00:00
آخر تحديث في 12.12.2017 21:44

في الواقع، اسم ترامب مهدد بالأفول في التاريخ باعتباره الرئيس الذي سمح للروس أن يصبحوا أقوى من أي وقت مضى في شرق المتوسط من خلال سوريا وفلسطين.

الوعود التي تقدمها الشخصيات السياسية أثناء الحملات الانتخابية هي في الغالب أعمال متعلقة بالناخبين في تلك الفترة. وعلاوة على ذلك، فإن تحقيق هذه الوعود أو عدمه لا يكون في كثير من الأحيان سوى مشكلة البلد المعني. لكن عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة، فإن العالم بأسره يشعر بالقلق إزاء تلك الوعود، لأن الولايات المتحدة هي فوق كل شيء قوة عظمى، وجميع أعمالها لها تداعيات عالمية.

وقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقد أصر خلال خطابه على أنه ومن خلال هذا الإجراء ينفذ وعد حملته الانتخابية. هذا صحيح؛ كمرشح. لكنه لم يعد مرشحا فهو الآن الرئيس، وكرئيس يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فهذا يعني أن الولايات المتحدة تنتهك بشكل صارخ قرارات مجلس الأمن الدولي والقانون الدولي. بعبارة أخرى، ترامب يقول إن الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية مقبول. عندما تنتهك دول مثل أفغانستان أو السودان القانون الدولي، يمكن وصفها بسهولة بالدول المارقة، ولكن بطبيعة الحال، عندما تكون القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية الأولى في العالم، لا أحد يجرؤ على استدعائها رسميا. إدارة ترامب تدرك تماما هذا، وهذا يفسر لماذا هو متهور جدا.

ولا يهم ترامب أن إعلانه سيضع أولئك الذين يريدون السلام في الشرق الأوسط في موقف صعب جدا. وكان يدرك بالتأكيد أن قراره بشأن القدس سيغضب قطاعات كبيرة في العالمين العربي والإسلامي. هذا أمر غريب تماما، كما وعد ترامب خلال الحملة بأنه سيكافح التطرف في العالم الإسلامي، لكن قراره الآن يساعد فقط هؤلاء المتطرفين.

ربما يريد ترامب استمرار الصراعات القائمة، بعد كل شيء. وربما كان قراره مدعوما أيضا بأنه يريد خلق حالة إلهاء لأنه في موقف صعب محليا، كما أنه يريد مساعدة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يواجه أيضا صعوبات كثيرة في الداخل. ولكن قبل كل شيء، يبدو أن ترامب ونتنياهو يريدان منع حماس وفتح من التوافق، والفلسطينيين والإسرائيليين من استئناف المحادثات، واستمرار غضب المسلمين في العالم ضد الولايات المتحدة، ويريدان منع داعش أو تنظيم القاعدة من فقدان دوافعهما لتنفيذ المزيد من الهجمات.

ما الفرق الذي سيحدث إذا لم يعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل؟ ما الذي ستفقده الولايات المتحدة أو إسرائيل إذا لم يتبع ترامب إلا خط أسلافه؟ لا شيء. وسيستمر الوضع الراهن، وسيظل الأمل في التوصل إلى تسوية سلمية، مهما كان بعيد المنال، سليما. في الواقع، لقد قرر ترامب ونتنياهو قتل هذا الأمل.

لماذا يثير ترامب نزاعا مسلحا آخر في المنطقة؟ هل بسبب صلاته بالمجتمع العسكري الصناعي ولوبي النفط؟ من المعروف أن المزيد من الصراعات يعني المزيد من مبيعات الأسلحة. لذلك ربما هناك سبب اقتصادي قصير الأجل لتبرير قراره. علاوة على ذلك، إذا اندلع النزاع المسلح، فإن ذلك لن يعرض الجنود الأمريكيين للخطر؛ لأن الفلسطينيين هم الذين سيموتون. ولعل هذا هو السبب الذي جعل ترامب يتصور أن هذا القرار لن يضر مباشرة بالشعب الأمريكي. ولكن، ماذا عن العواقب على المدى الطويل؟

إن شعوب الشرق الأوسط الذين لم يعجبهم هذا الاعتراف سيزدادون رفضا للولايات المتحدة وتقربا من روسيا أو الصين. روسيا مستعدة بالفعل لزيادة نفوذها العسكري والمالي والدبلوماسي في الشرق الأوسط، لذلك سوف تستفيد منه. وربما تخطط روسيا حتى للعب دور الوساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. في الواقع، ترامب مهدد بالأفول في التاريخ باعتباره الرئيس الذي سمح للروس أن يصبحوا أقوى من أي وقت مضى في شرق المتوسط من خلال سوريا وفلسطين.

ومن الواضح أن الولايات المتحدة لن تكسب شيئا من هذا القرار، لكن الثمن الذي ستدفعه هذه الإدارة الأمريكية بسبب هذه الخطوة الخاطئة يستحق أن ينظر إليه.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.