هل هناك أي إستراتيجية في تقرير إستراتيجية ترامب؟

اسطنبول
نشر في 26.12.2017 00:00
آخر تحديث في 26.12.2017 19:29

حين تنتهي فترة رئاسة ترامب، سيكون بوسع خلفائه إلقاء اللوم عليه حول كل ما عمل على تعطيله في السياسة الخارجية الأمريكية. وعندئذ فقط، ستتمكن الولايات المتحدة من استعادة مكانتها كقائد للقيم العالمية والتعاون الدولي.

تعد وثيقة إستراتيجية الأمن القومي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمثابة أداة ثمينة لفهم تصوراته للولايات المتحدة والعالم. وقد عرض الرئيس ترامب من خلال هذه الوثيقة وجهة نظر كانت بمجملها قومية، نشرت الأسبوع الماضي. ونظرا إلى اللهجة الشعبوية التي تعتريها، فإن الوثيقة تعطي انطباعا للكثير من الأشياء الهامة التي لا تمس معتقدات ترامب في الواقع بصلة. بعبارة أخرى، نص الوثيقة لا يفسر حقا كيف سيجعل ترامب الولايات المتحدة أكثر أمنا وقوة.

تقول الوثيقة فقط إن الولايات المتحدة هي أعظم دولة في العالم، وإذا ما تم تكرار هذه العبارة باستمرار فسوف تتحول إلى حقيقة ثابتة.

وثيقة إستراتيجية تصر على أن اللاعبين الفرديين على الساحة الدولية يشكلون تهديدات، وتشدد على أهمية السيطرة على التدفقات الدولية المالية. وهي لا تتحدث كثيرا عن الأفكار أو الأيديولوجيات التي يمكن أن تهدد غلبة الولايات المتحدة. على الرغم من ذكر القيم الأمريكية بضع مرات، فإن الوثيقة الإستراتيجية لا تفسر ما هي تلك القيم بالضبط.

يمكننا تخمين أن القيم الأمريكية تتعلق بالتعددية والديمقراطية الليبرالية وحماية حقوق الإنسان والأقليات، لكن وثيقة ترامب لا تذكر تلك القيم الأساسية التي يجب على الولايات المتحدة أن تعتز بها دائما. تبدو إدارة ترامب بدلا من ذلك تعتز بصورة مثالية للأميركيين البيض والأثرياء، أولئك الذين يعيشون في منازل الضواحي، ويملكون سيارات خاصة بهم ولهم طفل وكلب. القيمة الأمريكية الثانية لترامب هي المال.

إذ يعتقد ترامب أن الدولار هو قوته، وبمجرد أن يدفع لديه الحق في أن يقول أو يفعل أي شيء يحلو له. فهو يصور الحياة على أنها معاملة بسيطة، وتصوره حول الشؤون العالمية لا يختلف كثيرا عن ذلك. ويعتقد أنه إذا كانت الولايات المتحدة تقدم أموالا إلى هيئة دولية أو دولة ما فإنها يجب أن تحصل على شيء ملموس فى المقابل كما لو كان المشهد السياسي الدولي متجراً كبيراً.

يحب ترامب أن يكرر من الذي سيحمي بلاده من إيران وكوريا الشمالية. وعلاوة على ذلك، فهو يعتبر الإرهاب الديني المتطرف تهديدا خطيرا. ربما يمكن أن تساعد الصين الولايات المتحدة في التعامل مع التهديد الكوري الشمالي وروسيا مع إيران. بيد أن الولايات المتحدة لا تستطيع طلب المساعدة من هاتين القوتين الرئيسيتين لأن الصين وروسيا تعتبران أكبر منافسي أمريكا فى العالم. في الواقع، مع العلم أن إيران وكوريا الشمالية موجودتان في القائمة السوداء، ومن خلال القول صراحة إن التعاون مع روسيا والصين أمر غير محتمل، فإن ترامب يدفع ببساطة إيران وكوريا الشمالية أكثر نحو روسيا والصين.

كيف سيساعد ذلك الولايات المتحدة؟ من غير الواضح كيف ستصبح أمريكا كبيرة مرة أخرى في عالم تتبنى فيه الولايات المتحدة سياسات عدائية ضد كل بلد تقريبا في العالم، باستثناء المملكة العربية السعودية وإسرائيل. مثل هذا الجو لن يخلق علاقات تجارية أقوى، لكن الولايات المتحدة تحتاج إلى مزيد من التجارة الدولية إذا كانت ترغب في تمويل مشاريع البنية التحتية.

يبدو أن ترامب لديه تصور مختلف تماما للعولمة. عولمته هي حول إسقاط الوجود العسكري الأمريكي في جميع أنحاء العالم، وذلك باستخدام عدد من البلدان باعتبارها البؤر الاستيطانية ودائما كسب المزيد من المال من أي شخص آخر دون الاهتمام باحتياجات اللاعبين الآخرين. وهو يحلم بأمريكا القومية المهيمنة. المشكلة أنه لا يلهم الثقة بين حلفاء الولايات المتحدة التقليديين وكل ما يفعله، في الواقع، يخدم مصالح روسيا والصين.

كنت أفضل الكتابة عن أي شيء آخر غير ترامب في آخر عمود لي في هذا العام. دعونا نأمل من 2018 أن يجلب إلينا أفضل الأمنيات. ومع ذلك، فإن إستراتيجية ترامب للأمن القومي تعني أن الولايات المتحدة سوف تستمر في فقدان هيبتها وقوتها طالما بقي ترامب في البيت الأبيض.

وحين تنتهي فترة رئاسته، سيكون بوسع خلفائه إلقاء اللوم عليه حول كل ما عمل على تعطيله في السياسة الخارجية الأمريكية. وعندئذ فقط، ستتمكن الولايات المتحدة من استعادة مكانتها كقائد للقيم العالمية والتعاون الدولي.

أتمنى لكم كل الخير في العام القادم.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.