الحرب نفسها إنما بشكل مختلف

إسطنبول
نشر في 13.11.2018 00:00
آخر تحديث في 13.11.2018 16:56

جرى الاحتفال بالذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى في جميع أنحاء العالم، لكن الاحتفال الذي أقيم في باريس كان الحدث الأبرز، حيث حضر أكثر من 70 من رؤساء الدول والحكومات. من الضروري بالطبع إحياء هذه الذكرى الهامة باعتبارها الحرب الأكثر دموية في تاريخ الإنسانية حتى ذلك الوقت، كما أنه ثمة جوانب عدة لها يتعين علينا أن لا ننساها.

إن الذكرى المئوية كانت لتكون احتفالاً ذا معنى أكبر لو أمكن القول إن العام 1918 قد سجل نهاية جميع الصراعات المسلحة حول العالم، ولكننا نعلم أنه هذا ليس هو ما حدث، فقد اندلعت العديد من الحروب منذ ذلك الحين، بما فيها الحرب العالمية الثانية، وبمشاركة نفس اللاعبين تقريباً.

وبالإضافة إلى أن العالم شهد العديد من الحروب منذ نهاية الحرب العظمى، فإن النزاعات المسلحة لا زالت تخرب العديد من البلدان اليوم. والحقيقة أن الظروف الراهنة ليست بعيدة تماماً عما كانت عليه ظروف الحرب العالمية الأولى.

لنتخيل شخصاً ما أرسل من الشرق الأوسط إلى الفضاء خلال الحرب الكبرى، ثم عاد اليوم. هل سيصدق أنه خلال 100 عام من غيابه شهد العالم حرباً أخرى، وروسيا أصبحت الاتحاد السوفييتي، ثم عادت روسيا مجدداً، والنظام ثنائي القطب تأسس ثم اختفى، وانقسمت ألمانيا إلى دولتين، وكذلك اليمن وفيتنام، ثم عادت للاتحاد، وولدت دول جديدة ثم اشتبكت مع بعضها؟

من المحتمل أنه لن يصدق وهو يلاحظ أن الوضع الجيوبوليتيكي اليوم هو تقريباً نفس الظروف الدولية التي وجدت في مطلع القرن العشرين، ولربما ظن أن الحرب العالمية الأولى ما زالت قائمة.

معظم النزاعات المسلحة اليوم تحدث في المناطق التي فقدت استقرارها بسبب الحرب العالمية الأولى. وكانت الحرب العالمية الثانية محاولة لإنهاء ما بدؤوه عام 1914، ولكنها زادت المشاكل تعقيداً. لقد شهد العالم 149 حرباً بين عامي 1945 و1992، حاصدة أرواح 23 مليون، بينهم 3 ملايين جندي، وهذه الحصيلة أكبر من حصيلة من فقدوا حياتهم خلال الحرب الكبرى. كيف يمكننا إذن أن نقول بأن الحروب العالمية انتهت في 1918 أو 1945؟

وفي خضم هجمات الحادي عشر من سبتمبر، قامت الولايات المتحدة باحتلال أفغانستان والعراق، والملايين ماتوا في هذين البلدين، لكنا لم ندخلهم في حسبة ضحايا الحرب الكبرى. وبالنظر إلى الحالة الراهنة للشرق الأوسط، من له أن يقول إن الحرب انتهت منذ 100 عام؟

الكل يعلم لماذا اندلعت الحرب عام 1914، فهل تختلف ظروف اليوم عن ظروف تلك السنوات؟ إن النضال من أجل المصالح الوطنية يتواصل باعتباره سباقاً بين الدول على السيطرة والتحكم بالموارد الطبيعية. والقتال الإستراتيجي يتواصل بين الدول العظمى والصغرى على مصادر الطاقة، وخطوط النقل، والمضائق والممرات، والجزر والمياه الجوفية، والمنافذ والجبال.

ثمة العديد من الأراضي الواقعة تحت الاحتلال أو الجاري ضمها، ولا زالت هناك العديد من الحروب الأهلية المستمرة، والجرائم ضد الإنسانية والتغييرات الدموية. والخرائط تواصل التغير في أفريقيا والشرق الأوسط والبلقان والقوقاز.

لعل السبب الوحيد الذي يبرر الاحتفال بنهاية الحرب العالمية الأولى هو أن القوى العظمى لم تعد تتقاتل ضد بعضها البعض بشكل مباشر، وبعبارة أخرى هم يحتفلون ببراعتهم في إيجاد طرق للقيام بالحرب بأسلوب مختلف، عبر لاعبين من طرف ثالث يتقاتلوا نيابة عنهم. وحقيقة أن القوى العظمى اكشتفت أن حروب الوكالة أقل كلفة بالنسبة لهم – لأن شعوباً أخرى غير شعوبهم هي من يموت في سبيل مصالحهم – ربما تستحق طرق كؤوس الشراب.

لقد حاول الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، استخدام احتفالات إحياء الذكرى، التي جرت في باريس، كأداة دبلوماسية، والعديد من القادة حضروا لأنهم رأوا فيها فرصة لمناقشة شؤون العالم. فلنأمل أن لا تسفر مناقشاتهم عن ولادة "تحالف ثلاثي" جديد.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.