كيف نكافح الجدل الذي سيلي جائحة كورونا حول الأنظمة السياسية

إسطنبول
نشر في 28.04.2020 15:50

لا يزال تأثير وباء كوفيد-19 على السياسة العالمية يثير جدلاً حادّاً. ومع أن الجميع يتفقون على أن تأثيره سيكون كبيراً، لكن قلّة فقط يتوقعون أن تكون هذه التأثيرات إيجابية. بل إن معظم الخبراء يعتقدون أن الوباء سيسرع تعميق المنافسات والصراعات القائمة.

لقد أصبح مقبولاً على نطاق واسع الآن أن الفيروس المستجد تسبب في أزمة اقتصادية عالمية. ومع ذلك، لا يزال تأثيره الفعلي غير واضح. ويتوقع بعض المراقبين أن تكون الأزمة القادمة أسوأ من الانهيار المالي عام 2008. بينما تتوقع آراء أخرى أن يتضاءل تأثير الكساد الاقتصادي بالمقارنة مع العواصف الأكثر حدة.

ويبرز حالياً السؤال الشعبي الملح حول من الذي استجاب بفعالية أكبر لوباء كوفيد-19، أهي الأنظمة الاستبدادية أم الديمقراطية؟ لقد أدى فشل الولايات المتحدة وكذلك الدول الأوروبية باستثناء ألمانيا في إدارة الأزمة، إلى تشويه سمعة الديمقراطيات. لكن أداء الدول الاستبدادية لا يخضع لأي مقياس ولا يتصف بالمصداقية أيضاً. فانتصار الصين الذي أعلنته بنفسها يعتبر مريباً في أحسن الأحوال. بينما ترتفع أعداد الإصابات الجديدة بشكل كبير في روسيا، حيث لا يزال تفشي المرض بعيداً عن الاحتواء.

إن مفتاح الاستجابة الناجحة للأزمات لا يتعلق بنوع النظام السياسي للدولة، بل يكمن في خبرتها وقوتها في استخدام قدراتها بفعالية. ولذلك تساوت الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية على حد سواء بنجاحها النسبي في مكافحة فيروس كورونا.

لقد أثار الوباء أسئلة حول مصداقية المنظمات الدولية والوطنية والتحالفات العالمية. ولا يكاد يمر يوم دون تحذير عضو أو أكثر من أعضاء الاتحاد الأوروبي من المخاطر التي تواجه مستقبل الاتحاد. وفي الوقت نفسه، تشعر بعض المجموعات بالقلق من أن الإجراءات الإحترازية ضد فيروس كورونا، تنتهك الحقوق الديمقراطية والحريات الشخصية للناس. كما يرى بعض الخبراء أن انخفاض أسعار النفط ، يمكن أن يسبب موجة جديدة من الثورات في العالم العربي.

ومع تقدّم البشرية في سعيها لاحتواء تفشي الفيروس، سيتحول انتباه الشعوب بالكامل إلى الأزمة الاقتصادية الناتجة وتأثيراتها. وسنشهد بمرور الوقت نقاشات وجدل حول العلاقة بين الأمن والحقوق والحريات، والذي سيترجم إلى واقعٍ سياسي جديد للعلاقة بين أصحاب السلطة ومعارضيهم.

وسيكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أول زعيم عالمي يخضع لهذا الاختبار في نوفمبر 2020. ومن المفارقات العجيبة أن أحداً لا يتوقع حدوث نقاش عام حول أوجه القصور في النظام الرئاسي الأمريكي أو النظام البرلماني البريطاني ومع ذلك، فإن المعارضة السياسية في تركيا تريد بشدة فتح قضية النظام الرئاسي أمام النقاش، في الدولة التي لمس الجميع كيف تعاملت مع الأزمة بشكل أفضل من الدول الغربية، بل إنها قدمت المساعدة لتلك الدول.

لماذا تثير المعارضة هذه القضية على خلفية استجابة ناجحة للأزمة؟

يكمن السبب وراء ذلك في أن المعارضة التركية ما زالت عاجزةً عن تحمل النظام الرئاسي الذي أُقر في البلاد قبل عدة سنوات. ويريد رئيس حزب الشعب الجمهوري "كمال قليجدار أوغلو" توحيد جميع أحزاب المعارضة حول تعهد بإعادة النظام البرلماني. وغني عن القول إن معارضة النظام الرئاسي تعني معارضة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي أشرف على إنشاء النظام الجديد. وهكذا راح حزب المعارضة الرئيسي يسعى إلى إيجاد حل وسط بين أحزاب المعارضة غير المتوافقة أيديولوجياً، وبدأت تنبثق محاولات "قليجدار أوغلو" لربط كل شيء بمسألة النظم السياسية.

في الوقت الحالي، يمتنع رئيس حزب الشعب الجمهوري عن استخدام لهجة حادة. وبدلاً من ذلك، يدعو إلى "العودة إلى النظام البرلماني" كما فعل في الذكرى المئوية لتأسيس البرلمان التركي. ولو فشلت الاستجابة التركية للأزمة، ولو لم يكن "قليجدار أوغلو" قلقاً بشأن تهمة استغلال الصحة العامة، لكان من المتوقع أن يستخدم لهجة أقوى. لكن قادة الفروع ورؤساء البلديات ووسائل الإعلام في حزبه يعوضون عن امتناع رئيس حزب الشعب الجمهوري بالبيانات القاسية اللهجة.

ومن المتوقع مع انتهاء الوباء وبدء المشاكل الاقتصادية، أن تستخدم قيادة حزب الشعب الجمهوري ومؤيديه لغة أقوى. فقادة المعارضة بالرغم من فشلهم في فرض انتخابات مبكرة خلال الوباء، يعتقدون أن بإمكانهم الاستفادة من الأزمة الاقتصادية لإجبار الحكومة على إجراء تصويت قبل عام 2023. ولن يفوتوا فرصة استغلال الذكرى المئوية للبرلمان التركي، بل سيستمرون في الدعوة إلى العودة إلى النظام البرلماني.

ومن الواضح أن المعارضة في دعوتها إلى العودة إلى النظام البرلماني تعمل ضمن حقوقها الديمقراطية. لكن المشكلة هي أنهم يستغلون القيم والرموز المشتركة للشعب التركي لخوض حرب كلامية تغذيها الأكاذيب. إنهم يسعون من وراء خطابهم المتشدد لاتهام أصحاب السلطة بالإهمال والتقصير.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.