تركيا بين العقوبات الأمريكية والإشادة الروسية بمواقف الرئاسة

إسطنبول
نشر في 22.12.2020 13:38

حسمت الولايات المتحدة أمرها أخيراً واتخذت قرارها بشأن العقوبات على تركيا بسبب شرائها نظام الدفاع الجوي الروسي إس-400. وفرض الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب بضغط من الكونغرس عقوبات على مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية رغم أن البلاد عضو في حلف الناتو. ومع أن العقوبات بحد ذاتها ليست شديدة، إلا أن احتمال اتخاذ خطوات إضافية ما زال قائماً. لكن الأكثر أهمية هو وجود فرصة الآن أمام الإدارة الأمريكية القادمة لإعادة التعامل مع تركيا.

إن فرض العقوبات الذي لا يتوافق مع طبيعة تحالف أعضاء الناتو أكثر أهمية من محتواها. ولا يوجد سبب يدعو للقلق بشأن اتخاذ واشنطن إجراءات إضافية إلى أن تتخذ إدارة بايدن القادمة قراراً بشأن سياستها تجاه تركيا. كما أنه من غير المرجح أن يتغير موقف الولايات المتحدة من جماعة غولن الإرهابية، شأنها شأن القضايا الأخرى، بما في ذلك سوريا وتنظيم ي ب ك/بي كا كا وقضية شرق المتوسط التي من المتوقع أن تهيمن على وقت الإدارة الجديدة وطاقتها.

ومع ذلك يبقى السؤال الرئيسي الملحّ الذي لن تتم الإجابة عليه قبل عدة أشهر، هو كيف سيتعامل جو بايدن مع تركيا والرئيس رجب طيب أردوغان، وهو يراجع سياسة واشنطن العالمية. من المؤكد أن الرئيس القادم يجب أن يأخذ بالاعتبار أن تركيا اليوم لم تعد كما كانت عليه خلال فترة ولاية باراك أوباما الثانية. ومن المؤكد أن إدراكه لهذا الأمر سيكون حاسماً في إحداث تأثير إيجابي على العلاقات الثنائية بين البلدين. فأنقرة باتت تتمتع حالياً بنفوذ أكبر بكثير عبر مجموعة من المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية.

وهناك تطوران أخيران يشهدان على هذه الحقيقة، وهما إشادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأردوغان في المؤتمر الصحفي الذي عقده في نهاية العام، وزيارة رئيس الوزراء العراقي الأخيرة إلى تركيا.

إن وصف الزعيم الروسي لنظيره التركي بأنه "رجل يلتزم بكلمته ويفعل كل ما بيده من أجل بلاده" لم يكن من قبيل الصدفة أبداً. وغني عن القول أن بوتين يفهم تماماً النوايا الحقيقية وراء العقوبات الأمريكية وأنها تهدف لوقف انتشار الأسلحة الروسية في السوق العالمية. لذلك لا تريد موسكو أن تتراجع تركيا عن قرارها بشراء نظام إس-400. وأنقرة بدورها، ستفي بوعودها لكنها ستحاول أيضاً إيجاد طريقة توفق بها بين صفقة الشراء من روسيا والاتجاه الإيجابي لعلاقاتها مع واشنطن.

إن علاقة تركيا الديناميكية مع روسيا وهي مزيج من المنافسة والتعاون، ليست نموذجاً قابلاً للتطبيق مع التحالف الغربي. وبغض النظر عما يعتقده البعض، لا يوجد محور روسي - صيني - إيراني. وإذا ما تحركت إدارة بايدن لاستهداف موسكو، فستوضع العلاقات الثنائية بين تركيا وروسيا على المحك، ومن هنا يأتي اهتمام بوتين بالعمل مع أردوغان.

فالزعيم الروسي لم يعترض على نفوذ تركيا المتزايد في القوقاز حين قدمت أنقرة مساهمات حقيقية في النصر العسكري لأذربيجان في إقليم "قره باغ"، ولم يتذمر كذلك من علاقات تركيا العميقة مع أوكرانيا.

وأنا شخصياً لا يسعني هنا إلا أن أتساءل، لماذا لا يقدّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نهج بوتين الواقعي في العمل مع تركيا. وهل ستكون أفعال بايدن أكثر واقعية من كلماته وهل هو على استعداد للاستفادة من التعامل مع أردوغان.

في وقت سابق من هذا الأسبوع، عقد الرئيس التركي اجتماعاً شخصياً هاماً مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي يمثل الحكومة المركزية في البلاد، إلى جانب اجتماعه مع الجهات الفاعلة الكردية في شمال العراق، بهدف تبني سياسة جديدة تركز على تنظيم بي كا كا الإرهابي الذي يشكل تهديداً خطيراً للشعب العراقي بما يتسبب به من عنف ونزاعات.

وقد اجتمعت أنقرة وبغداد على طاولة المفاوضات لمناقشة توثيق التعاون في المنطقة. ولم تقتصر الأجندة الثنائية على مكافحة الإرهاب فحسب، بل إن الزيارات المتكررة على نحو متزايد تهدف إلى تعزيز الاستقرار في العراق، وإظهار حقيقة أن البلاد تعيد البناء والتعافي.

وفي الوقت نفسه، تدرك الحكومة العراقية أهمية نفوذ أنقرة في استقرار البلاد في حال دخول الولايات المتحدة وإيران فترة جديدة من المنافسة.

لقد أصبحت القوى الإقليمية والدول المجاورة تقدر أهمية التعاون مع أنقرة في السنوات الأخيرة على عكس أولئك الذين يزعمون أن تركيا معزولة وتفتقر إلى الحلفاء متجاهلين كل هذه الحقائق.

كذلك خرجت أذربيجان منتصرة من حرب استمرت 44 يوماً مع أرمينيا بفضل تعاونها مع تركيا، التي نفذّت أيضاً عمليات ناجحة في سوريا وليبيا، بينما كانت تحمي قطر من الحصار. واليوم نجد أن العراق صار يفهم هذا الواقع الجديد أيضاً.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.