مجلس الأمن الدولي يفقد مصداقيته في سوريا

اسطنبول
نشر في 28.02.2018 00:00
آخر تحديث في 28.02.2018 14:47

بلغ عدد القتلى المدنيين 530 شخصا في الأسبوع الماضي، بينهم أكثر من 130 طفلا، مع تصاعد العنف في الغوطة الشرقية مما يمثل تحديا مباشرا لسلطة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

في كلمته أمام مجلس حقوق الإنسان فى جنيف بسويسرا يوم الhثنين الماضي، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى التنفيذ الفوري لقرار وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما فى سوريا. وأكد غوتيريس مجددا على مأساوية الأوضاع في معقل المعارضة الأخير بالقرب من العاصمة قائلا "إن الغوطة الشرقية لا تستطيع الانتظار، حان الوقت لوقف هذا الجحيم على الأرض".

وأضاف "إنني أذكر جميع الأطراف بضرورة التزامها المطلق بالقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان وحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية في جميع الأوقات، كما أن الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب لا تلغي هذه الالتزامات".

وكان من المفترض أن يصوت مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي على مشروع قرار يطالب بهدنة مدتها 30 يوما في سوريا للسماح بتقديم المساعدات والخدمات الطبية وإخلاء الجرحى. غير أن أعضاء مجلس الأمن لم يتمكنوا من الاقتراب من التصويت. وكان المجلس قد صوت أخيرا بالإجماع على وقف إطلاق النار يوم السبت بعد أيام من المناقشات المكثفة والصعبة. إن صياغة مشروع قرار في مجلس الأمن والتصويت عليه يشكلان دائما تحديا ولكن تنفيذ القرارات هو التحدي الأكبر بالطبع.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغى لافروف إن الهدنة لن تبدأ إلا عندما تتفق جميع الأطراف على كيفية تنفيذها. ودعا القرار إلى وقف إطلاق النار "دون تأخير" إلا أنه لم يحدد إطارا زمنيا محددا بعد اعتراضات روسيا. كما لم يوضح كيف سيتم وضع وقف إطلاق النار موضع التنفيذ، وكيف سيتم إجلاء المصابين بسلام، وكيفية حماية العاملين فى مجال الإغاثة. وذكرت التقارير فى وقت متأخر من يوم الاثنين أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أمر بهدنة إنسانية يومية في الغوطة الشرقية أمس.

وقد يشير ذلك إلى أن روسيا لم تعط الضوء الأخضر لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوما حتى الآن. وفي الوقت نفسه، حافظ النظام السوري على موقفه بتصريحه أنهم يحاربون "الإرهاب" وأنهم سيستمرون بغض النظر، ولا يزال النظام ينكر استهداف المدنيين في حين أن إيران المؤيد لرأس النظام السوري بشار الأسد، أبدت احتراما للقرار إلا أنها أصرت على أن وقف إطلاق النار لم يطبق في بعض ضواحي دمشق التي تضم الغوطة الشرقية. وكان من المفترض أن تكون الغوطة الشرقية إحدى مناطق التصعيد في سوريا التي وافقت روسيا وتركيا وإيران على إقامتها خلال الجولة السادسة من المحادثات في العاصمة الكازاخستانية أستانا.

ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة الأخيرة، فإن حوالي 393 ألف مدني محاصرين في الغوطة الشرقية التي تقع تحت حصار النظام ويحتاج حوالي 272,500 شخص إلى مساعدات إنسانية. حوالي ثلث ضواحي دمشق مشردون داخليا، بمن فيهم الأشخاص الذين فروا من مركز دمشق. ومع ذلك، فإن هذه الأرقام غير مؤكدة حيث شهدنا أن الأعداد كانت أعلى بكثير في المناطق الأخرى المحاصرة من النظام سابقا. وكشفت التقارير أن ما لا يقل عن 20 مدنيا لقوا مصرعهم في هجمات جوية ومدفعية للنظام يوم الأحد وتجددت عمليات القصف فى مناطق مثل دوما والبلدة الرئيسية فى الغوطة الشرقية وحرستا يوم الأحد مما يعني أن قرار مجلس الأمن الدولي لم يتغير أي شيء على الأرض حتى الآن. كما وردت تقارير تدعي أن أعراض غاز الكلور القاتلة شوهدت على جثث ضحايا من المدنيين، أحدهم طفل سوري يبلغ من العمر 3 سنوات.

وبلغ عدد القتلى المدنيين 530 شخصا في الأسبوع الماضي، من بينهم أكثر من 130 طفلا. وهذا هو السبب في أن تصاعد العنف في الغوطة الشرقية يمثل تحديا مباشرا لسلطة مجلس الأمن. بيد أنه إذا لم يتم تنفيذ القرار الذي تم تبنيه فإن ذلك سيظهر مرة أخرى عدم كفاءة أجهزة الأمم المتحدة.

المأساة في ريف دمشق هي أحدث مثال على عنف النظام ضد الشعب السوري. نسي العالم عدة مناطق مرت بنفس هذا الجحيم. فالعنف في الغوطة الشرقية ليس جديدا. وقد حاصر جيش النظام السوري المعارضين المناهضين لنظام الأسد في ريف دمشق منذ ربيع 2013. وأكد فريق من مفتشي الأسلحة الكيماوية بالأمم المتحدة أن غاز السارين استخدم في هجوم على الغوطة الشرقية صباح يوم 21 أغسطس 2013 حيث قتل حوالي 1.300 مدني. وقال الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون أمام مجلس الأمن إنه يعتقد أن الهجوم يشكل جريمة حرب. وتحدث تقرير للأمم المتحدة عن الأمر بأنه "أهم حادث استخدام مؤكد للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين منذ أن استخدمهم صدام حسين في حلبجة عام 1988". كما كشفت تقارير الأمم المتحدة ونتائجها التالية أن نظام الأسد أجرى الهجوم، وكان مسؤولا عن قتل العشرات.

لكن مجلس الأمن لم يفعل شيئا بعد ذلك. تخطّى نظام الأسد "الخطوط الحمراء" للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ولكن الولايات المتحدة لم تفعل شيئا كذلك. وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هالى اليوم إنه يتعين على الأمم المتحدة إنهاء الهجمات الوحشية في الغوطة الشرقية متهمة روسيا مرارا وتكرارا. لكن هذا يذكرنا كيف توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مع روسيا لتدمير الأسلحة الكيميائية في سوريا في سبتمبر 2013.

المواد الكيميائية داخل سوريا بعيدة كل البعد عن التدمير؛ في الواقع، تشير تقارير جديدة إلى أن نظام الأسد يعمل على إنتاج أسلحة كيميائية جديدة. ويظل الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي يلقون اللوم على بعضهم البعض فيما يتعلق بالأزمة الإنسانية في سوريا، إنما يبدو أنهم لن يتخلوا عن "الحرب الباردة الجديدة" التي تجري على الأرض السورية التي مزقتها الحرب. إن القرارات التي لم تنفذ، والمشاريع التي لم يتم اعتمادها خلال الحرب الأهلية التي دامت سبع سنوات جعلت مجلس الأمن الدولي أقل موثوقية في نظر العالم، ويبدو أن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن سيواصلون فقدان مصداقيتهم حتى انتهاء هذه الحرب الدموية.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.