هل طمأن محمد بن سلمان الولايات المتحدة بالتطبيع مع إسرائيل؟

إسطنبول
نشر في 11.09.2020 12:25
آخر تحديث في 11.09.2020 12:29

بعد صفقة التطبيع بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل التي تمت بوساطة أمريكية الشهر الماضي، تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر الهاتف هذا الأسبوع مع ملك المملكة العربية السعودية سلمان بن عبد العزيز.

وقال متحدث باسم البيت الأبيض إن ترامب أبلغ الملك سلمان ترحيبه بفتح المجال الجوي السعودي أمام الرحلات الجوية بين إسرائيل والإمارات، حيث سمحت الرياض لأول رحلة مباشرة تقوم بها طائرة تجارية إسرائيلية، وهي رحلة العال رقم 971، بالمرور عبر المجال الجوي السعودي وكان على متنها جاريد كوشنر، صهر ترامب الذي يقود سياسته في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى مسؤولين آخرين من أبو ظبي وتل أبيب.

وبعد أيام قليلة، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها بطلب رسمي من الإمارات، قررت السماح أيضاً لجميع الرحلات الجوية بين الإمارات وإسرائيل بالتحليق فوق أراضيها.

وصرح كوشنر خلال زيارته لأبو ظبي، أنه متأكد 100% من أن الدول العربية الأخرى سوف تحذو حذو الإمارات في إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل. وسارع بالسفر إلى البحرين والمملكة العربية السعودية وقطر للبدء في الضغط على الدول العربية الأخرى.

لكن الملك سليمان وفقاً لوكالة الأنباء السعودية التي تديرها الدولة، أخبر ترامب خلال المكالمة الهاتفية، أن المملكة العربية السعودية لن تواصل التطبيع مع إسرائيل حتى يتحقق السلام بين إسرائيل وفلسطين. بالرغم من أن الخبراء راحوا يتنبؤون بعد إعلان التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، بأن الاتفاقية الأخيرة ستكون بداية لاتجاه جديد يمكن أن يؤدي في النهاية إلى التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي بأسره، كما هي وجهة نظر كوشنر. وفي حين أشاد بعض القادة الإقليميين بخطوة التطبيع الإماراتية، استنكرها آخرون وأبدى البعض الآخر اهتماماً بها.

في الواقع، لطالما رعى العديد من قادة الخليج علاقات سرية مع إسرائيل في مجالات التعاون العسكري والتجارة وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتكنولوجيا والأمن السيبراني وغيرها. وكثيراً ما سافر رجال الأعمال الإسرائيليون جواً إلى دول الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة باستخدام جوازات سفرٍ أجنبية. وربما اعتقد البعض أن الإعلان عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات هو تطور مفاجئ وتحول رئيسي في سياسة هذه الدولة الخليجية. لكن الحقيقة أن تطبيع العلاقات بشكل رسمي أظهر للعلن السر المكشوف الذي كان ينتظر الإعلان عنه فقط.

وإلى الآن، تسعى معظم الدول العربية إلى إبقاء تواصلها مع إسرائيل بعيداً عن أعين الجماهير، لأن التطبيع مع إسرائيل يعتبر خيانةً للقضية الفلسطينية في الشارع العربي. ومع ذلك، ظهرت في العامين الماضيين وخاصة في وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية، العديد من التقارير حول علاقات متنامية تدور من وراء الكواليس بين إسرائيل ودول الخليج. وربما تم تسريب عدة اجتماعات بين مسؤولين إسرائيليين وعرب أو رجال أعمال لوسائل الإعلام، لتعويد الجمهور العربي على فكرة التطبيع مع تل أبيب. ولعل السعودية واحدة من دول الخليج التي أقامت علاقات سرية مع إسرائيل.

فبالرغم من أن الملك سلمان أخبر ترامب أن الرياض لا تفكر في تطبيع العلاقات مع إسرائيل في الوقت الحالي، وأبدى دعمه للفلسطينيين، لكننا اليوم وبعد تلك التقارير الإخبارية، نعلم أن المملكة شأنها شأن دولة الإمارات المتحدة لديها علاقات سرية مع إسرائيل منذ عامين. وهذه العلاقات هي بحد ذاتها جزء من تحول سياسي قاده ولي عهد المملكة، محمد بن سلمان.

وزعمت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية، أن محمد بن سلمان بدأ علاقات الرياض السرية مع تل أبيب في عام 2018 من خلال شراء أدوات تجسس إلكتروني من شركة أمن إلكتروني إسرائيلية هي مجموعة "NSO" ومقرها تل أبيب، التي اتهمت بإبرام صفقة بملايين الدولارات مع المملكة العربية السعودية ومساعدة الرياض في تعقب المعارضين، بما في ذلك الكاتب الصحفي جمال خاشقجي الذي قُتل بوحشية داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

لكن وفقاً لمصدر تمكنتُ من الوصول إليه، وهو عبارة عن وثيقة سرية للغاية مؤرخة في 19 ديسمبر 2017، تم تسريبها من وزارة الخارجية المصرية، فإن المحادثات المباشرة والسرية الأخيرة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل تعود إلى عام 2015 عندما بدأت القاهرة والرياض مفاوضات حول اتفاقية ترسيم الحدود في البحر الأحمر، وتشمل جزيرتي تيران وصنافير، حيث تم التنازل عنهما رسمياً من الحكومة المصرية للسعودية كجزء من الصفقة المعنية. ووافق البرلمان المصري على الاتفاقية وصادق عليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 24 يونيو 2017.

وتربط جزيرتي تيران وصنافير اللتان تبعدان عن بعضهما مسافة 2.5 كيلومتر فقط، البحر الأحمر بخليج العقبة الذي يتمتع بأهمية استراتيجية في المنطقة، إذ يقع عند مدخل مضيق تيران. وهو ممر بحري هام بالنسبة إلى موانئ البحر الأحمر الرئيسية مثل ميناء العقبة في الأردن وميناء إيلات في إسرائيل.

وتكشف الوثيقة السرية التي رأيتها بنفسي عن مشاركة الولايات المتحدة في المحادثات بين الرياض والقاهرة منذ بدء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، التي تم توقيعها في 8 أبريل 2018 وأثارت موجة غضب كبيرة في مصر نتيجة استحواذ السعودية بموجبها على جزيرتي تيران وصنافير.

كما تكشف الوثيقة أيضاً عن عدة تفاصيل أخرى تتعلق بالصعود السريع لمحمد بن سلمان خلال تلك السنوات. فقد أعطى ولي العهد السعودي، من أجل تأمين وصوله إلى عرش بلاده، تأكيدات لإدارة ترامب حول زيادة العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة والتعاون الإقليمي مع إسرائيل الذي يشمل التطبيع الكامل مع إسرائيل وكذلك التعاون على تأسيس مدينة نيوم.

ونيوم هي مدينة ضخمة تم التخطيط لإنشائها على الساحل الغربي للمملكة العربية السعودية وتبلغ تكلفتها 500 مليار دولار. وتمثل هذه المدينة حجر الزاوية في رؤية محمد بن سلمان لعام 2030. ومن المقرر بحسب المراقبين، أن توظف المدينة الجديدة الخبرات الإسرائيلية في مجالات عديدة منها التصنيع والتكنولوجيا الحيوية والأمن السيبراني.

ووفقاً للوثيقة التي تهدف إلى إبلاغ وزير الخارجية المصري، وعد محمد بن سلمان أيضاً بالتحدث مع إسرائيل بشأن جزيرتي تيران وصنافير، وهما منفذ إسرائيل الوحيد من خليج العقبة إلى البحر الأحمر.

ولا يزال ترامب، الذي دعم محمد بن سلمان في أعقاب الغضب العالمي بعد مقتل خاشقجي، مع أنه كاد يقضي على صورة "الأمير السعودي الساحر" في الغرب، يمارس نفوذاً وضغوطات كبيرة لدفع المملكة للاعتراف رسمياً بإسرائيل. وبالرغم من مقاومة الرياض الحالية تحويل علاقاتها المخفية المستمرة مع إسرائيل إلى علاقات رسمية مباشرة، كونها في مكانة عربية وإسلامية أهم من الإمارات العربية المتحدة، لكنها لا يمكن أن تحافظ على سرية هذه العلاقات وراء أبواب مغلقة، وستضطر في نهاية المطاف إلى إعلان تطبيع كامل مع إسرائيل.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.