قراءات في نظرة الغرب السريالية حول أردوغان والعثمانية الجديدة

إسطنبول
نشر في 16.02.2021 12:20
آخر تحديث في 16.02.2021 12:22

يواجه الرئيس رجب طيب أردوغان منذ عقد تقريباً اتهامات بأنه يسعى لإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية. وغالباً ما يشير المناهضون لأردوغان إلى مفهوم "العثمانية الجديدة" عند مناقشة تركيا المعاصرة أو في تحليلاتهم للسياسة الخارجية للبلاد.

ويمكن إرجاع مصطلح "العثمانية الجديدة" إلى عام 1985 حين كان "ديفيد باركارد" مراسلًا لصحيفة الغارديان ثم الفاينانشيال تايمز في السبعينيات والثمانينيات في تركيا. وصاغ هذا المصطلح في ورقة "تشاثام هاوس" لفحص العلاقات بين تركيا والغرب.

ومن المثير للاهتمام أن "العثمانية الجديدة" استخدمت لأول مرة للإشارة إلى الإصلاحات الاقتصادية والمبادرات المتقدمة تقنياً والسياسة الخارجية النشطة للرئيس الراحل تورغوت أوزال الذي أصبح رئيساً للوزراء في انتخابات عام 1983 التي أجريت بعد 3 سنوات من الانقلاب العسكري عام 1980 يوم أعدم المجلس العسكري 50 شخصاً واعتقل حوالي 500.000 آخرين.

وكما كان الحال في عهد أوزال، خضعت تركيا في عهد أردوغان لإصلاحات اقتصادية واجتماعية حاسمة. وتقدمت الخدمات العامة وإصلاحات الرعاية الصحية ومشاريع البنية التحتية الكبيرة تقدماً مذهلاً غيَّر وجه البلاد فأنشأت الجسور والمطارات ومحطات الطاقة وتم تمويل مشاريع التكنولوجيا المتقدمة ونشطت الكثير من التطورات الرئيسية الأخرى.

وفي الأسبوع الماضي، كشف أردوغان عن برنامج فضائي مدته 10 سنوات يستلزم إنجاز مهمات في القمر، وإرسال رواد فضاء أتراك إلى الفضاء وتطوير أنظمة أقمار صناعية جديدة.

لكن أردوغان كقائد حازم تمكن من تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي منذ انتخابه رئيساً للوزراء في عام 2002 ، وإذابة الجمود السياسي الذي ابتلي به المجتمع التركي في التسعينيات، لطالما تعرض للهجوم من الكماليين داخل البلاد بسبب جهوده لتحسين العلاقات مع العالم الغربي.

وكان حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان حاضراً بقوة في العديد من نظريات المؤامرة، بما في ذلك اتهامه بأنه جزء من "مشروع الحزام الأخضر" الذي أُشيع أن الولايات المتحدة نفذته في السبعينيات في عهد الرئيس جيمي كارتر لدعم التطرف الديني في مواجهة الشيوعية الإلحادية.

أردوغان والشرق الأوسط الجديد

حافظ الكماليون في تركيا على ادعائهم بأن أردوغان اختير لقيادة مشروع "الشرق الأوسط الكبير" بناءً على المصطلح السياسي الذي يحمل نفس الاسم والذي قدمته مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي في ورقة عام 2004.

وسواء كان المناهضون لأردوغان من اليساريين المفترضين أو من القوميين المتطرفين أو حتى الكماليين، فإن موقفهم المعادي للغرب يمثل نقطة فخر مشتركة بينهم، ما يدعم مزاعمهم بأن المشروع المعني الذي يخطط لإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو بناء أمريكي له نوايا جائرة كونه يرمي إلى تحقيق "شرق أوسط جديد" من خلال "فوضى بناءة" بحسب تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس.

ويعتبر حزب العدالة والتنمية داخل البلاد حزب "محافظ" على نطاق واسع لكنه متهم في الخارج بأنه حزب "استبدادي".

لكن تفسير حزب العدالة والتنمية لمصطلح "المحافظ" يرتبط بالقضايا الثقافية والتقليدية بعيداً عن التشدد أو التعصب، بما في ذلك احترام دين المجتمع وتمجيد تاريخ الأتراك الذين بدأت رحلة استقرارهم في الأناضول مع أوائل القرن الحادي عشر.

ويصف حزب العدالة والتنمية نفسه بأنه "حزب ديمقراطي محافظ اجتماعياً" وإليه يعود الفضل في تنفيذ معظم الإصلاحات في تاريخ تركيا من خلال سياساته التقدمية غير التقليدية والواسعة الأفق إضافةً إلى مبادراته الثورية.

أما الآيديولوجية الكمالية لحزب الشعب الجمهوري فقد جاءت على لسان رئيسه كمال قليجدار أوغلو الذي يصف حزبه بأنه "حزب اجتماعي ديمقراطي حديث" قائلاً لجمهوره: "الحزب المحافظ الحقيقي هو حزب الشعب الجمهوري لأنه يقاوم التغيير".

فما هي الكمالية وماذا أنجزت لتركيا؟

الكمالية هي في الواقع شكل من أشكال القومية المحافظة التي تؤيد وتؤمن بالمبادئ الراسخة للدولة التركية، مثل التطبيق الصارم للعلمانية التي اختيرت لتنظيم سياسات الدولة تجاه الدين.

وتقوم مبادئ الكمالية على فصل الدولة التركية الجديدة عن سابقتها العثمانية، ولذلك تم قطع كل رابط قد يربط الجمهورية التركية بتراثها العثماني منذ عام 1919.

بالإضافة إلى ذلك، مُنعت النساء المحجبات من العمل في القطاع العام والخاص وبعض الأماكن العامة في بلد أكثر من 90% من سكانه مسلمون.

ولم يُسمح للنساء والفتيات المحجبات بدخول الجامعات. وتسلمت القوات المسلحة مهمة المراقبة اليقظة للعلمانية السياسية في تركيا، والتي كانت حجر الزاوية بين المبادئ التأسيسية للبلاد. وهذا ما قاد بدوره إلى تدخل الجيش في السياسة التركية في عدد من المناسبات.

وإذا كانت العلمانية إحدى الركيزتين الرئيسيتين للكمالية، فإن القومية هي الركيزة الأخرى. فقد أسقطت الكمالية اعتراف "النظام القومي" للإمبراطورية العثمانية بالجماعات العرقية والأقليات المختلفة كجزء من البلاد، وتجاهلت استيطان العديد من الديانات الأخرى ومتعددي الأعراق في الإمبراطورية العثمانية بالرغم من أن الإسلام كان الدين الرسمي فيها.

وبذلك سعى الكماليون وراء أمة قائمة على الجوهر التركي مما جعل جميع الأقليات في البلاد تشعر بتأثير السياسات القومية، وخاصة الأكراد الذين عانوا من حظر استخدام اللغة الكردية واللباس التقليدي والفولكلور والأسماء الخاصة بهم. كما سُلبوا هويتهم بعد أن صنفتهم المؤسسة التركية في ذلك الوقت على أنهم "أتراك الجبل".

إنجازات حزب العدالة والتنمية:

شن حزب العدالة والتنمية معركة ضد القيود المفروضة على الحرية الدينية والعرقية في المجتمع التركي. ولم يكن من السهل على الحزب أن يتصدى للمؤسسة التركية القديمة التي عارضت إصلاحاته، بما في ذلك كسر المحظورات المتأصلة مثل رفع الحظر عن اللغة الكردية والحجاب.

وقد واجه حزب العدالة والتنمية في عام 2008 محاولة محكمة قضائية استصدار حكم بإغلاقه ومنع أعضائه من ممارسة السياسة. ولم يتم تمرير الطلب بفارق صوت واحد.

وسُجن أردوغان لمدة أربعة أشهر عندما كان رئيس بلدية إسطنبول بدعوى أنه يحرض على الكراهية الدينية بعد أن ألقى قصيدة شعرية. لكنه أصبح أكثر شعبية في المجتمع التركي بعد إطلاق سراحه.

وبعد أن نجا من سلسلة من المحاولات التي قام بها حراس تركيا القدامى للإطاحة به على مدار ما يقرب من عقدين من الزمن، ارتقى أردوغان من زعيم محلي إلى زعيم وطني قبل أن يصبح شخصية شهيرة على الساحة الدولية.

ورغم أن أردوغان زعيم مسلم ولا يُخفي هويته الدينية، إلا أنه في الواقع يفضل العلمانية بدليل أنه عندما زار مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، دعا المصريين إلى تبني دستور علماني.

وقال: "لا تخافوا من العلمانية. آمل أن تكون هناك دولة علمانية في مصر".

وغاية ما يريده أردوغان هو إعادة بناء الروابط التاريخية بين الجمهورية التركية وسلفها الإمبراطورية العثمانية، والعودة إلى ماضي البلاد في عصر الإمبراطورية السلجوقية. وهدف أردوغان واضح وبسيط، إنه تاريخ الأتراك. وفي الوقت نفسه نجد أن غالبية المجتمع التركي حريص على احتضان ماضيه وإعادة الترابط معه خاصة بعد أن تم تشويهه في الكتب المدرسية لفصل الناس عن جذورهم.

وعندما بدأت احتجاجات الربيع العربي في عام 2011، كانت سياسات أردوغان تجاه دول مثل سوريا ومصر وليبيا تهدف في الغالب إلى حماية مصالح تركيا ولكنه دعا أيضاً إلى ضمان حقوق الناس ضد الانقلابيين والديكتاتوريين، وهذا يتعارض في جوهره مع سياسة الولايات المتحدة. ومن هنا بدأت اتهامات أردوغان بامتلاك أطماع "عثمانية جديدة".

بالإضافة إلى ذلك، واصل أردوغان محاربة التنظيمات الإرهابية مثل بي كا كا وداعش والقضاء على جماعة غولن الإرهابية. كما نجا من محاولة الانقلاب الدموية التي نفذتها الجماعة الإرهابية عام 2016.

لقد أظهرت الدوائر التي تريد رحيل أردوغان صورته باستمرار على أنه زعيم استبدادي يطمح في أن يصبح "السلطان الجديد". أما سياساته التي تحمي مصالح تركيا ومقاومته للضغوط الخارجية ولا سيما من حلفاء تركيا في الناتو، فقد ضمنت مكانه في العناوين الرئيسية للأحداث كما أن اتهاماته بأنه زعيم "قومي متطرف" برؤى "عثمانية جديدة" تخلق حالة من عدم الاستقرار الإقليمي.

أردوغان ومفهوم معاداة الغرب:

صحيح أن النزعة القومية ازدادت حدتها في تركيا مقارنة بالعقد الماضي، وتحديداً بين مؤيدي حزب العدالة والتنمية، وصحيح أن معاداة الغرب زادت بسبب حلفاء تركيا الغربيين الذين عزلوا البلاد وهمشوها في الأوقات الصعبة. إلا أن أردوغان لا يزال يعلن بوضوح وقوة أن تركيا جزء من أوروبا، مع تشديده على أن بلاده لن تتسامح مع "الهجمات".

ومع اعتياد أردوغان اليوم على اتهامه باتباع ما يسمى بـ "العثمانية الجديدة" في سياسته الخارجية، فإن هذه التهمة جعلته أكثر شعبية في نظر الجمهور التركي المتصالح مع جذوره، فضلاً عن ارتباط العديد من الأشخاص في البلاد بكل من أردوغان والعثمانيين.

ويمكن أن يُعزى الاهتمام المتزايد الذي يولى "للعصر العثماني" إلى حملات الدعاية والإعلام حيث تسلط الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والكتب والمقالات في الوقت الراهن الضوء حول تاريخ الإمبراطورية العثمانية أكثر من أي وقت مضى.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.