حلف الناتو في مواجهة السياسات الخارجية الأمريكية الأحادية

إسطنبول
نشر في 12.06.2019 12:19

لطالما شككت حكومات الولايات المتحدة المتعاقبة بمساهمة حلف الناتو خلال العقدين الأخيرين. ورغم أن الولايات المتحدة كانت رائدة في توسيع التحالف، إلا أنها تفضل في الغالب التصرف من جانب واحد فيما يتعلق بسياستها الأمنية، مما يخلق مشاكل لحلف الناتو. فغياب القيادة الأمريكية وعدم اهتمام السياسيين الأمريكيين، من أهم مشكلات الحلف إلى جانب صنع القرار والميزانية والتنسيق.

بالنسبة للعديد من السياسيين الأمريكيين، لا يعمل حلف الناتو اليوم كمنصة متعددة الأطراف، ولا كمنظمة أمنية جماعية. فالسياسات الخارجية الأمريكية الأحادية الجانب باتت تدمر المنطق الجماعي للحلف، منذ أن آثرت الحكومة الأمريكية عدم مناقشة الاستراتيجيات الأمنية في البرامج متعددة الأطراف.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يصف الاستراتيجية الجديدة بـ"أمريكا أولاً"، إن لم يكن "أمريكا فقط"، يمثل عرَضاً من أعراض هذا التفكير الجديد في السياسة الخارجية.

بالنسبة للعديد من السياسيين الأمريكيين بمن فيهم أعضاء الإدارة الأمريكية، بدأ الناتو يفقد مبرراته واستراتيجيته. لقد فقدوا ثقتهم في حلف الناتو ويعتبرونه عبئاً، لأنهم يعتقدون أنه لم يعد يخدم مصالح الولايات المتحدة بعد الآن.

على سبيل المثال، وصف الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، في فترة ما بعد الشيوعية، دول وسط وشرق أوروبا بأنها "أوروبا الجديدة"، ودول أوروبا الغربية على أنها "أوروبا القديمة".

وقد أولوا أهمية أكبر لـ"أوروبا الجديدة"، أي الأعضاء الجدد في الناتو الموجودين في الجزء الأوسط والشرقي من أوروبا. أي أن الأعضاء القدامى في التحالف، بمن فيهم أعضاء أوروبا الغربية وتركيا، فقدوا أهميتهم في الحسابات الإستراتيجية الأمريكية. وبالمثل، وصف كل من الرئيس باراك أوباما ودونالد ترامب أعضاء الناتو الأوروبيين بـ"الراكبين المجانيين" كناية عن كونهم يستفيدون من الموارد أو المنافع العامة أو الخدمات دون دفع المقابل. وتساءلوا عن جدوى عضويتهم. علاوة على ذلك، أعلن الرئيس ترامب أن حلف الناتو "عفا عليه الزمن" خلال اجتماع قمة الناتو عام 2018.

هناك عدة أسباب لهذا المنظور الأمريكي الجديد للناتو. أولاً، تغير معنى حلف الناتو بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية. صار هناك العديد من الأنواع الجديدة من التحديات والظواهر الأمنية مثل الإرهاب الدولي وتدفق الهجرة والنزاع على موارد الطاقة والتهديدات الإلكترونية والتهديدات المختلطة (hybrid threats)، والتهديدات القاسية/الناعمة، والتهديدات الإقليمية / العالمية، والتهديدات التشغيلية / التكتيكية / الاستراتيجية.

مع ذلك، هناك نقص في فهم تصور التهديد المشترك. بسبب تعقيد التهديدات، تغيرت أيضا تعريفات وتصورات التهديدات والأعداء والخصوم.

في النهاية، أدّى عدم وجود إجماع حول تعريف التهديدات، إلى شكوك مهمة حول التهديدات والتحديات التي تواجه التحالف والدول الأعضاء. وكمثال واضح، تعتبر الولايات المتحدة تنظيم ي ب ك/ب ي د الارهابي حليفها الرئيسي في حربها ضد الإرهاب، في حين تعتبر تركيا التي هي عضو آخر في حلف الناتو، أن التنظيم نفسه يشكل تهديداً رئيسياً لأمنها القومي وسلامة أراضيها. على الرغم من أن جميع الأطراف تعلم أن ي ب ك/ب ي د الإرهابي، هو الفرع السوري لـ"بي كا كا"، وهي منظمة إرهابية فاقدة للشرعية ليس من قبل تركيا فقط، ولكن أيضاً من قِبل الحكومة الأمريكية.

ثانياً، تغير التصور الأمني ​​وتوقعات وأولويات أعضاء الناتو في فترة ما بعد الحرب الباردة. رغم أن جميع الأعضاء ما زالوا يؤمنون بضرورة التحالف إلى حد ما، إنما لا يوجد تصور مشترك للتهديد، وبالتالي لا توجد جهود تعاون بين أعضاء التحالف.

السياسات الأمنية للدول الأعضاء تتناقض مع بعضها البعض. على سبيل المثال، في الوقت الذي ترى تركيا أن التهديدات الحقيقية هي تلك الآتية بشكل رئيسي من الشرق الأوسط الغارق في الفوضى، ومؤخراً من شرق البحر المتوسط، لا يزال العديد من أعضاء الناتو ينظرون إلى روسيا على أنها التهديد الأقرب والأكثر خطورةً.

باتباع سياسة خارجية وأمنية أحادية الجانب، لا تريد الحكومة الأمريكية الاعتماد على المؤسسات الدولية، بما في ذلك الناتو.

علاوة على ذلك، قاتلت الولايات المتحدة النظام الذي أنشأته بعد الحرب العالمية الثانية. وفي الوقت الذي قررت فيه حكومة الولايات المتحدة عدم تحمل مسؤولياتها كقوة مهيمنة عالمية، قام الناتو بتحويل نفسه من تحالف عبر المحيط الأطلسي إلى تحالف عسكري عالمي.

بدأ التحالف عمليات عسكرية خارج المنطقة في أعقاب الحرب الباردة، واستخدم آلية "مسؤولية الحماية" في المناطق الخارجية مثل كوسوفو وليبيا. بينما تعهدت الولايات المتحدة من جانب واحد، بمسؤولية حماية حلفائها من التهديد السوفييتي، إلا أنها مترددة اليوم في لعب الدور نفسه. بمعنى آخر، الحكومة الأمريكية لديها مقاربة متناقضة تجاه الناتو.

فمن ناحية، هي تعتبر أن التحالف قد عفا عليه الزمن وغير ذي صلة بالتحديات الجديدة. وهي لا تبدي حساسية تجاه المخاوف الأمنية للدول الأعضاء. لكنها من ناحية أخرى، تدعو الدول الأعضاء إلى المساهمة أكثر في التحالف.

أخيراً وليس آخراً، لا تتقارب المنظورات الأمنية الأمريكية ومنظورات حلف الناتو الجديدة، في تعريف التهديدات والتحديات الأمنية. هناك تناغم أقل بين الدول الأعضاء في تعريف التهديدات واستخدام الأدوات. ومع ذلك، لا يريد أي عضو في حلف الناتو أن يخسر قوة الردع لدى الحلف في حين تشهد توازن القوى تغييرات على المستوى العالمي. لذلك، من الضروري الحفاظ على قوة الردع للتحالف من خلال زيادة التوافق بين الدول الأعضاء، لأن الناتو ليس فقط تحالفاً عسكرياً فحسب، بل هو أيضاً منظمة سياسية تستند إلى مبادئ محددة.

بطبيعة الحال، من المتوقع أن يحترم العضو الأقوى والأكثر أهمية، أي الولايات المتحدة، هذه المبادئ. وهذا يتطلب من الولايات المتحدة أن تتخلى عن سياستها الأمنية أحادية الجانب، وأن تعمل على منصة متعددة الأطراف، وتحديداً منصة حلف الناتو.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.