إعلان الأدميرالات وتاريخ الانقلابات العسكرية في تركيا

إسطنبول
نشر في 09.04.2021 12:15

لا يمكن اعتبار الإعلان الأخير الذي وقعه حوالي 104 من الأدميرالات المتقاعدين والذي ظهر على موقع إلكتروني معروف بآرائه العسكرية الصارمة، مجرد رسالة في علم الاجتماع التركي.

ففي 3 أبريل/نيسان الجاري، أصدرت مجموعة من الأدميرالات المتقاعدين إعلاناً مثيراً للجدل عبروا فيه عن القلق والخلافات حول بعض الأحداث التي جرت خلال الأيام الماضية.

وقبل تحليل الحادثة أود أن أذكِّر القراء الأعزاء، بأن تركيا لديها تاريخ طويل من الانقلابات العسكرية فضلاً عن محاولات انقلابية قام بها ضباط متقاعدون في الماضي انتهت بعقوبة الإعدام.

لذلك، عندما يجتمع 104 من كبار أعضاء الجيش لإصدار بيان مثل هذا، فالشعب التركي بأكمله سيذكر الماضي الأليم ولن يعتبر ما حدث نوعاً من حرية التعبير بل ينظر إليه على أنه تهديد للحكومة المنتخبة.

وأشار الجنرالات المتقاعدون في بيانهم إلى أهمية اتفاقية "مونترو" التي تم توقيعها بعد الحرب العالمية الأولى لتأمين السلام في مضيقي البوسفور والدردنيل. وهي اتفاقية حيوية ولا توجد أجندة للتراجع عنها أو تغييرها.

لكن خطط بناء مشروع قناة إسطنبول المائية الجديدة التي تربط البحر الأسود وبحر مرمرة، أثارت مخاوف الجنرالات بشأن المعاهدة.

والحقيقة أن المشروع ليس مرتبطاً بالاتفاقية بتاتاً، ولكنه يهدف إلى توفير بديل جديد للسفن التي تريد العبور من وإلى البحر الأسود. وسيمكّن هذا المشروع عدداً أكبر من السفن من العبور البحري الآمن ضمن إطار منظم للتعريفات الجمركية وحركة المرور البحرية.

من ناحية أخرى، النقاش حول مستقبل اتفاقية "مونترو" التي تتحكم بحركة المرور في مضيقي البوسفور والدردنيل غير مطروح أصلاً، ومع ذلك، يريد الأدميرالات من الحكومة التخلي عن خطط بناء قناة جديدة.

بالطبع يمكن للجميع التعبير عن رأيه في مجتمع ديمقراطي حر، لكن الإعلان الذي يوقعه عدد كبير من أفراد الجيش ليس مجرد تعبير عن وجهات النظر، بل يُنظر إليه على أنه تهديد للسلطات المدنية.

وفيما يتعلق بشائعات "مناهضة العلمانية"، وردت في إعلان الأدميرالات أيضاً إشارة إلى صور أدميرال بملابس دينية أثناء أداء الصلاة. وهم يزعمون في إعلانهم أن هذه الصورة دليل على اتجاه مناهض للعلمانية في الجيش التركي.

ومع ذلك، قامت وزارة الدفاع بالتحقيق في هذه الصورة بمجرد ظهورها بينما عارضها الرئيس رجب طيب أردوغان بشدة. ولقد استُخدمت هذه الشائعات حول انتشار "مناهضة العلمانية" على مدى عقود طويلة كحجة لإضفاء الشرعية على الانقلابات والتدخلات العسكرية في الماضي.

وتم خلال التسعينيات إغلاق حزب "الرفاه" الذي كان رئيس الوزراء "نجم الدين أربكان" يتزعمه عدة مرات بناءً على نفس الادعاءات. إلى جانب محاكمة لإغلاق حزب العدالة والتنمية الحاكم في عام 2007 بناءً على نفس المزاعم. ولطالما استخدم نظام الوصاية العسكرية نفس الحجة في تركيا لقمع المحافظين المنتخبين.

يمسك حزب العدالة والتنمية بزمام السلطة في تركيا منذ أكثر من 20 عاماً، ولو صحّت هذه الشائعات لكنا وجدنا تراجعاً في العلمانية منذ فترة طويلة، لكن على العكس تماماً، إذ يؤكد العديد من الأكاديميين أن المجتمع التركي أصبح خلال سنوات حزب العدالة والتنمية، أكثر علمانية.

والواقع أن هذه الحجة كانت لسوء الحظ، أداةً تُستخدم ضد الحكومات التي لم يتم "الموافقة عليها" من جهات الوصاية العسكرية. وهذا بالذات هو السبب في أن الإعلان أثار مخاوف كبيرة.

فتركيا قطعت خلال سنوات حزب العدالة والتنمية شوطاً كبيراً على كافة الأصعدة. وأصبح اليوم عصر الوصاية العسكرية جزءاً من الماضي الذي ولى إلى غير رجعة. ولذلك فإن الإعلان المرتبط بالجيش والذي ينص على عبارات مثل "الأمة التركية المحترمة" و"نحن قلقون بشأن..." لا يمكن أن يُنظر إليه على أنه إعلان حيادي لأنه لم يكن كذلك في الماضي أبداً.

وختاماً فإن الأدميرالات المتقاعدون أحرار في التعبير عن آرائهم على كافة قنوات التلفزيون، أو حتى كتابة آرائهم في أي مكان في وسائل الإعلام. كما أن آراءهم تحظى في الواقع بتقدير كبير في السياسة الحالية. منها على سبيل المثال رؤيتهم حول "عقيدة الوطن الأزرق" التي تُؤيدها الحكومة بشدة، وكذلك اعتياد بعض الأدميرالات الذين وقعوا الإعلان على الظهور في القنوات التلفزيونية الموالية للحكومة. لذلك لا يوجد ما يعيقهم عن التعبير عن آرائهم بمنتهى الحرية.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.