أولويات الحكومة التركية الجديدة

نشر في 10.11.2015 00:00
آخر تحديث في 10.11.2015 12:32

يستعد حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة التركية الجديدة الرابعة والستين بعد الانتصار الانتخابي الكبير الذي حققه في انتخابات الأول من نوفمبر، وكان الحزب حقق أول انتصار انتخابي له في انتخابات الثالث من نوفمبر تشرين الثاني من عام 2002 قبل ثلاثة عشر عاماً بقيادة رجب طيب أردوغان مؤسس الحزب. وشكل أول حكومة له برئاسة عبد الله جول في 18 نوفمبر. ومن المنتظر أن يشكل أحمد داود أوغلو الحكومة الجديدة في نفس التاريخ أي الثامن عشر من شهر نوفمبر الحالي.

طوال ثلاثة عشر عاما حققت حكومات العدالة والتنمية إصلاحات وإنجازات كبيرة وكثيرة غيرت وجهة البلاد ونقلتها إلى الأمام. هذه المسيرة توقفت بعد خسارة حزب العدالة والتنمية غالبيته المطلقة إثر انتخابات السابع من يونيو حزيران عام 2015، ومنذ تلك الفترة تدار البلاد من قبل حكومة مؤقتة. والآن تشهد تركيا انطلاقة جديدة وتنتظر الجيل الجديد من حزم الإصلاحات السياسية والاقتصادية لتحقيق أهدافها المئوية في عام 2023، حيث تخطط لأن تدخل في قائمة أكبر الاقتصادات العشرة في العالم وتعزيز ثقلها الإقليمي والدولي.

الأولويات في الفترة الجديدة للحكومة برئاسة أحمد داود أوغلو ستكون كالتالي:

مواصلة التنمية الاقتصادية وتسريع وتيرتها:

يستعد الحزب لإطلاق حزم اقتصادية جديدة لتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية لتفعيل ثورة ونقلة في نوعية وتنوع الإنتاج، والتحول إلى الإنتاج التكنولوجي، لأنها السبيل الوحيد أمام مواصلة التنمية الاقتصادية، إضافة إلى رفع حجم الصادرات. كما تم وضع خطط لتنمية قطاعات الخدمات مثل إنشاء مراكز صحية ومستشفيات لتعزيز هذا القطاع على المستوى الداخلي، وجذب القادمين من خارج البلاد لتشجيع السياحة العلاجية . كما أن حكومات العدالة والتنمية اهتمت وتهتم خاصة بتطوير وتنمية الصناعة العسكرية إذ من المخطط أن تصل البلاد إلى الاكتفاء الذاتي في هذا المجال لتصبح من أكبر البلدان المصدّرة لهذه الصناعة خلال السنوات القليلة المقبلة.

إن تعزيز الرفاهية لتشمل شرائح المجتمع كافة، ومكافحة الفقر، ودعم الطبقات الوسطى الاقتصادية من أولويات الحكومة أيضاً. وكذلك رفع الحد الأدنى من الأجور حوالي ثلاثين في المئة، ورفع أجور المتقاعدين والموظفين الحكوميين ورواتب العاطلين من العمل، كل هذا سوف يخدم مشروع تشميل الرفاهية إلى الجميع وتحقيق العدالة الاجتماعية.

إذاً ستكون أولوية الحكومة الجديدة الأولى هي تسريع وتيرة الاقتصاد وتحقيق نمو اقتصادي بالنسبة الأعلى.

مكافحة الإرهاب واستكمال المصالحة الداخلية:

تركيا تعاني منذ أربعة عقود الإرهاب الانفصالي الذي يقوده تنظيم العمال الكردستاني (بي كا كا الإرهابي)، كلف هذا الإرهاب البلاد خسائر بشرية ومادية كبيرة، ولقد سعت حكومة العدالة والتنمية إلى حل هذا المشكلة بطرق سلمية وأطلقت منذ نحو ثلاث سنوات عملية السلام الداخلي. أهم أساس من أسس هذه العملية وقف إطلاق النار، وانسحاب عناصر تنظيم العمال الكردستاني من الأراضي التركية، والتخلي عن العمل المسلح. بالمقابل أطلقت الحكومة إصلاحات سياسية وثقافية ألغت جميع القيود على الأكراد، ومكّنتهم من مباشرة جميع حقوقهم. كما ألغت جميع السياسات التي كانت تنكر الهوية الكردية.

ولكن بالمقابل لم يسحب التنظيم الإرهابي عناصره من داخل البلاد كما وعد، واستغل هذه الفترة لتعزيز قدراته التدريبية والقتالية وتخزين السلاح في داخل القرى والمدن في جنوب شرق البلاد، وعاد من جديد إلى نهجه الإرهابي، بذريعة قيام تنظيم داعش بعمليات إرهابية داخل البلاد ضد أنصاره. والتقدم الذي حققه فرع تنظيم بي كاكا في شمال سورية أغرى التنظيم باستغلال الأوضاع في العراق وسورية ليعود إلى العمل المسلح في تركيا من جديد.

حكومات العدالة والتنمية تحرص على التفريق بين مشكلات المواطنين الأكراد وبين الإرهاب الذي يقوم به تنظيم العمال الكردستاني. وبعد الإصلاحات الديمقراطية لن تبقى هناك مشكلة كردية بل هناك مشكلة إرهاب. في الفترة الجديدة ستواصل الحكومة نهجها الديمقراطي لحل المشاكل ولكن دون السماح لأحد أن يحمل السلاح ضد الدولة، إذ ستواصل محاربة بي كا كا والتنظيمات الإرهابية الأخرى مثل عناصر تنظيم "داعش" في الداخل والتنظيمات اليسارية المتطرفة حتى القضاء عليها جميعا وإخراجها من موقع التهديد لأمن الوطن والمواطنين.

صياغة دستور جديد للبلاد وإقامة النظام الرئاسي:

منذ وصوله إلى الحكم عام 2002 يسعى حزب العدالة والتنمية إلى صياغة دستور جديد للبلاد، يتواءم مع وضعها الحالي ومستقبلها، فإن كان الحزب فشل سابقاً في تحقيق وضع دستور جديد إلا أنه نجح في إجراء تعديلات دستورية واسعة رسخت مبدأ حكم المدنيين ورفعت السقف الديمقراطي للبلاد.

في هذه الانتخابات أيضا أعرب الحزب عن نيته صياغة دستور جديد مدني للبلاد وتعديل النظام الإداري من البرلماني إلى الرئاسي.

ولكن مقاعد الحزب لم تكف لتعديل الدستور بمفرده ولذلك سيبحث الحزب عن توافق لأجل صياغة دستور جديد، والتوافق ضروري لتخفيف الاستقطاب السياسي، وتعزيز الوحدة الوطنية.

الأحزاب السياسية المعارضة تتفق مع العدالة والتنمية على ضرورة صياغة دستور جديد للبلاد، ولكنها تختلف معه في تعديل النظام الإداري من البرلماني إلى الرئاسي، في هذه الحال يكون من المفيد تأجيل هذا الموضوع إلى ما بعد الإصلاحات الاقتصادية والبحث عن توافق أكبر.

السياسة الخارجية:

في المرحلة المقبلة لن يكون هناك تغيير جذريّ في الخطط الرئيسية لسياسات تركيا الخارجية، ولكن من المؤكد أننا سنشهد نشاطا دبلوماسيا أكبر وتطويرا وتجديدا في السياسات الخارجية تعكس قدرة حكومة ودولة تركيا.

الأزمة السورية والتحديات الأمنية التي تشكلها المنظمات الإرهابية على حدود تركيا الجنوبية ستكون أولوية السياسة الخارجية التركية، ففيما يتعلق بالأزمة السورية، سيستمر الموقف التركي تجاه القضية السورية المطالب بحل سياسي للأزمة ورحيل الأسد، ودعم الشعب السوري.

أما فيما يتعلق بمسألة التحديات الأمنية للمنظمات الإرهابية على حدود تركيا الجنوبية مع سورية والعراق فتركيا عازمة على إنهاء هذا الخطر، ومنع قيام كيان كردي تابع لحزب الاتحاد الديمقراطي" البي يه دي" في سورية، فرع العمال الكردستاني الإرهابي في تركيا.

كما أن تركيا ستقوم بعملية عسكرية لاستبعاد خطر "داعش" عن حدودها وإقامة مناطق آمنة في ريف حلب لحماية حياة المدنيين السوريين واستقبال اللاجئين الجدد هناك.

منذ إعلان نتائج انتخابات الأول من نوفمبر دخلت تركيا فترة استقرار سياسي جديد بعد فترة قصيرة من عدم الوضوح السياسي والاقتصادي، ويتضح أنه يجب استثمار هذه الفترة بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية لبناء تركيا الجديدة، تحمل البلاد إلى المئوية الجديدة للجمهورية التركية.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.