تركيا تخوض حرب استقلال ثانية

نشر في 21.03.2016 00:00
آخر تحديث في 21.03.2016 17:23

لم يرقْ صعودُ تركيا السياسي والاقتصادي والاجتماعي لخصوم تركيا في الداخل ولا في الخارج، كما لم يرقْ لهم توجهها نحو السيادة التامة والاستقلالية في اتخاذ القرارات الوطنية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان منذ عام 2002، وقد سعوا جميعاً إلى نصب الفخاخ والكمائن ووضع العراقيل أمام مشروع تركيا الجديدة.

إذ تعددت المحاولات لقطع مسيرة البلاد التنموية وكانت ذروتها مع أحداث غيزي التي انطلقت في منتصف عام 2013. ربما نشبت أحداث غيزي في بدايتها بدوافع بيئية؛ لكنها سرعان ما تحولت إلى محاولة لإسقاط الحكومة المنتَخبة بتدخل المنظمات المتطرفة وغير القانونية في توجيه الأحداث ومسارها، بدعم داخلي وخارجي صريح. شهدت البلاد شهراً كاملاً من المظاهرات وأحداث العنف والتخريب ضد الممتلكات العامة والخاصة على نطاق واسع. وقد نجحت الحكومة في إخماد نار تلك الفتنة وإحلال الأمن والأمان والاستقرار من جديد؛ لكن البلاد ما زالت تعيش الآثار السلبية لتلك الأحداث على التنمية الاقتصادية.

ما حدث في البلاد ليس بعيداً عما يحدث في المنطقة التي تتعرض إلى موجة الثورة المضادة بعد موجة الربيع العربي، وأراد البعض أن تدفع أنقرة ثمن مواقفها الداعمة لمطالب الشعوب العربية في الحصول على الحرية والكرامة والديمقراطية.

لم يمر وقت حتى اندلع الصراع بين حكومة حزب العدالة والتنمية وبين جماعة فتح الله كولن التي كانت تتمتع بنفوذ كبير داخل أجهزة الدولة، وفي جهازَي الأمن والقضاء بخاصة. وحاولت هذه الجماعة التي تطلق عليها الحكومة اسم "الكيان الموازي" الانقلاب على الحكومة ورئيسها رجب طيب أردوغان من خلال فتح قضايا فساد مزعومة حول عدد من أبناء الوزراء ورجال الأعمال المقربين من الحكومة، وحول بعض المسؤولين. وقامت بإيقاف شاحنات تابعة للمخابرات الوطنية كانت متوجة إلى سوريا تحمل مساعدات لوجستية لدعم المعارضة الوطنية، بزعم أنها كانت متوجهة لداعش. كما قامت بإشاعة أسرار الدولة في إعلام الجماعة. وقد استخدمت الجماعة في هذا الصراع الحاد، كل إمكانياتها الإعلامية لتشويه صورة الحكومة ورئيسها أردوغان بهدف إسقاطه في الانتخابات المقبلة. لكن الشعب التركي لم يصدق اتهامات الجماعة وصدَّق أردوغان؛ ونجح حزب العدالة والتنمية في كلٍّ من الانتخابات المحلية والرئاسية والبرلمانية التي أجريت خلال عامَي 2014 و2015، وتم تقليص نفوذ الجماعة في الدولة بشكل كبير كما تم إخضاع إعلامها بتعيين أوصياء على إداراتها بقرار قضائي. لقد أفشل أردوغان هذه المحاولات للانقلاب على حكومته كما أفشل سابقاً محاولات الانقلابات العسكرية!

طبعاً، لم يغبْ تنظيم حزب العمال الكردستاني وبقية المنظمات الإرهابية عن المشهد. فرغم سير عملية المصالحة الداخلية بنجاح؛ إلا أن قادة التنظيم في جبال قنديل، في شمال العراق، غيروا مواقفهم من عملية السلام وأطلقوا تصريحات مهددة للدولة التركية بسبب رفض أنقرة إقامة كيان يحكمه التنظيم الإرهابي أوفرعه السوري على طول حدودها مع سوريا.

في أحداث العنف في شهر تشرين أول/أكتوبر عام 2014 التي دعا إليها حزب الشعوب الديمقراطي المتهم بأنه الذراع السياسي لحزب العمال الكردستاني، بسبب المعارك الجارية في مدينة عين العرب (كوباني) بين تنظيمي داعش والميليشيات الكردية، قُتل أكثر من خمسين مواطناً تركياً من أصول كردية في تلك الاحداث، لأن اتجاهاتهم الفكرية مختلفة عن اتجاهات حزب عمال الكردستاني وذراعه السوري.

لم تأت الانتخابات التي جرت في السابع من حزيران/يونيو عام 2015 بالاستقرار المنشود للبلاد؛ إذ فقد حزب العدالة والتنمية الحاكم أغلبيته المطلقة في البرلمان وباتت البلاد تدار من قبل حكومة مؤقتة. وقد أرادت المنظمات الإرهابية التي تعادي تركيا الاستفادة من تلك الأجواءالمتوترة وغير المستقرة فوجهت سهامها نحو تركيا.

فقام تنظيم داعش بهجومات انتحارية في مدن تركيا مثل سروج وأنقرة واسطنبول؛ أدت إلى مقتل عشرات المواطنين، تبعتها هجمات لحزب العمال الكردستاني الإرهابي ولتنظيم الجبهة الثورية اليسارية، بتنسيق فيما بينهما، مما أدى إلى استشهاد العشرات من رجال الأمن والمواطنين. وقد قتل في آخر هجوم لحزب العمال الكردستاني في وسط أنقرة أكثر من 35 مواطناً مدنياً. أما آخر هجوم انتحاري لتنظيم داعش الإرهابي في وسط اسطنبول، فقد قتل فيه أربعة سياح أجانب وأصيب العشرات.

جميع هذه المنظمات الإرهابية، أي العمال الكردستاني وفرعه السوري الاتحاد الديمقراطي وتنظيم داعش والجبهة الثورية المتطرفة، رغم الاختلافات فيما بينها إلا أنهاتتفق في استهدافها لتركيا أمناً وشعباً وحكومةً. فها هو تنظيم البي كا كا الذي يخسر جميع معاركه أمام الجيش التركي، يلجأ إلى أسلوب التفجير الانتحاري القذر ويستهدف المواطنين الأبرياء.

طبعاً تركيا ليست بالدولة الكرتونية التي تستسلم للإرهاب أو تركع أمامه. فقد أطلقت الحكومة التركية حملة أمنية موسعة ضد جميع تلك المنظمات الإرهابية، لإعادة الأمن والأمان والاستقرار من جديد وتطهير البلاد منها ومن أوساخها.

وقد قتل أكثر من ألفيّ إرهابي في العمليات الأمنية ضد حزب العمال الكردستاني في داخل تركيا وفي شمال العراق. كما تم تطهير البلدات في جنوب شرق البلاد التي حاول التنظيم السيطرة عليها من خلال نصب الحواجز وحفر الخنادق وزرع المتفجرات. ربما يكون سير تلك العمليات بطيئاً بعض الشيء، وما ذلك إلا لحرص الحكومة وقوات الأمن الشديد على سلامة المواطنين. ومع ذلك، فالعمليات تسير وتتواصل بنجاح كبير، ومن المنتظر أن تنتهي خلال شهور قليلة.

اللافت في هذه العمليات الأمنية أنه ورغم جميع محاولات التنظيم الإرهابي وأذرعه السياسية إثارة المواطنين ضد الدولة والحكومة ودفعهم إلى المواجهة مع قوات الأمن؛ إلا أن الشعب الكردي لم يلتفت لتلك الدعوات التحريضية ووقف إلى جانب قوات الأمن ضد العناصر الإرهابية. كذلك تشهد شعبية حزب الشعوب الديمقراطي المرتبط بتنظيم البي كا كا الإرهابي، انخفاضاً شديداً بحسب استطلاعات الرأي التي أجريت في الفترة الأخيرة .

وتواصل تركيا مواجهة تنظيم داعش الإرهابي في الداخل وفي الخارج سواء بسواء، إذ تم القبض على الآلاف من أنصار التنظيم في الداخل، وتقصف مواقعه في شمال سوريا.

وما هذه المنظمات الإرهابية إلا بيادق في يد جهات خارجية تستخدمها ورقةً للضغط على تركيا؛ جهات لا تريد الخير لتركيا ولا ترغب في تقدمها. لكن تركيا اليوم أقوى من تركيا الأمس بكثير، ولديها الحزم والقدرة والقوة ما يجعلها تنتصر في معركة استقلالها الجديدة، وعلى "سبع دول" كما انتصرت في حرب استقلالها الأولى. أعداء تركيا سيركعون أمامها عما قريب!

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.