ما وراء استفزازات بغداد ضد تركيا!

اسطنبول
نشر في 10.10.2016 00:00
آخر تحديث في 01.11.2016 23:20

يرى كثير من المحللين أن حكومة بغداد ومليشياتها الطائفية المدعومة من إيران لها أجندتها الخاصة في الموصل، وأن وجود القوات التركية في تلك المنطقة يعرقل مشاريعهم الطائفية بل يمنعها، ولهذا كان لزاماً عليها نسف أي وجود لتلك القوات بأي طريقة ممكنة.

مع اقتراب عملية تحرير مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي، عاد البعض في العراق لإثارة مسألة الوجود التركي في مدينة بعشيقة من جديد، وتصوير الأمر على أنه انتهاك لسيادة العراق؛ وهي مسألة كانت قد أُثيرت قبل نحو سنة من الأشخاص أنفسهم والجهات الطائفية نفسها عندما تم التجديد لهذه القوات وزيادة عددها بغرض حماية بعشيقة من اعتداءات التنظيمات الإرهابية.

وللحديث حول هذا الموضوع يجب إيضاح حقيقة مهمة، ألا وهي أن هناك مجموعتين من القوات التركية في شمال العراق:

أولاهما: تلك المتمركزة بالقرب من الحدود التركية، والموجودة منذ عقود في إطار محاربة تنظيم "بي كا كا" الإرهابي الذي يتمركز في شمال العراق ويقوم بشن الهجمات الإرهابية على الأراضي التركية؛ وتتمركز هذه القوات التركية في تلك المنطقة في إطار التوافقات بين البلدين، وفي إطار حق تركيا في الدفاع عن النفس بعد إعلان بغداد وحكومة إقليم شمال العراق في أربيل عجزهما عن منع هذا التنظيم الإرهابي من البقاء على أراضيهما وشن الهجمات الإرهابية منها ضد تركيا.

وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن الحدود التركية العراقية لم يتم ترسيمها وفقاً لمعاهدة لوزان عام 1923 بسبب مسألة الموصل والخلاف مع المملكة المتحدة التي كانت تحتل العراق آنذاك؛ بل تم ترسيمها في معاهدة أنقرة عام 1926 بين تركيا والدولة المحتلة، وتمنع هذه الاتفاقية الطرفين من احتضان أي أنشطة تضر بأحدهما.

أما المجموعة التركية الثانية، فهي القوات المتمركزة في معسكر بعشيقة بالقرب من مدينة الموصل، منذ أكثر من سنتين. وقد ذهبت إلى هناك بطلب رسمي من والي محافظة نينوى وقتئذ أثيل النجيفي، وبموافقة وترحيب من حكومة بغداد بهدف تدريب أهالي المنطقة على محاربة تنظيم "داعش"؛ كما زار وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي معسكر القوات التركية وأثنى على دورها في محاربة التنظيم الإرهابي.

ويشار هنا إلى أن عدد القوات في بعشيقة لا يتجاوز المئات، وقُوامها مدربون عسكريون وجنود لحراسة المعسكر، وقد نجحت هذه الفرقة حتى الآن في تدريب أكثر من 3 آلاف شخص من عناصر الجيش الوطني وأهالي الموصل من العرب والتركمان والأكراد وحتى المسيحيين، لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي.

وبطبيعة الحال، فإن تجديد البرلمان التركي تفويضه لإرسال قوات إلى سوريا والعراق في إطار محاربة المنظمات الإرهابية ليس بالأمر الجديد، خاصة فيما يتعلق بجزئه الخاص بالعراق، بالنظر إلى الفترة الزمنية التي واصلت فيها تلك القوات عملها لمكافحة التنظيم الإرهابي.

وفيما بدأت بعض الجهات بالترويج لشائعات مفادها انتهاك تلك القوات سيادة العراق، فقد تجاهلت تلك الأصوات أن هذه القوات تباشر عملها في إطار القانون الدولي وحقها في الدفاع عن النفس ومحاربة الإرهاب والمنظمات الإرهابية بالتوافق مع حكومة البلاد.

كما تناست تلك الجهات التي تثير الشائعات المغرضة، أن سحب تلك القوات يستلزم إجراء تنسيق وتوافق بين طرفي الاتفاق، كما أن ما يثار عن انتهاك هذه القوات لسيادة العراق يثير استغراب معظم المراقبين في ظل وجود كل تلك القوات الأخرى من عشرات الدول والكيانات.

وهناك نقطة ربما تعد الأهم في هذه المسألة، مع الاعتراف الكامل بحق العراقيين في الحديث عن سيادة بلادهم وحرصهم عليها، هي أن الأصوات التي تنادي بسحب القوات التركية باسم هذه السيادة هي نفسها التي تبارك الوجودين الأمريكي والإيراني في العراق وتراهما شرعياً بل تدافع عن ذلك وتناصره، في وقت تنتقد فيه القوات التركية التي تدعم وتناصر أهل الموصل.

أما مسألة الطائفية، فلها باع كبير في تأجيج هذه المسألة؛ فمن يلعب على هذه المسألة لتحقيق أهدافه سواء كانت معلنة أو خفية، يسعى جاهداً لتوسيع حدة الخلاف بين البلدين من خلال تصريحات مغلوطة واستفزازية تدفع إلى إثارة المشاعر ضد تركيا ودفع البعض لاتخاذ مواقف عدائية دون أرضية حقيقية.

وبتقريب الصورة أكثر، يرى كثير من المحللين أن حكومة بغداد ومليشياتها الطائفية المدعومة من إيران لها أجندتها الخاصة في الموصل، وأن وجود القوات التركية في تلك المنطقة يعرقل ويمنع مشاريعهم الطائفية، ولهذا كان لزاماً عليهم نسف أي وجود لتلك القوات بأي طريقة ممكنة.

كما أنه وفقاً لهؤلاء المحللين، فإنه من الواضح أن قرار بغداد ليس بيدها بل يخضع لإرادة واشنطن وطهران المتحالفتين في العراق، وإلا فكيف يمكن تفسير محاولات منع القوات العراقية التي دربتها تركيا من المشاركة في عملية تحرير الموصل في الوقت الذي يسمح فيه للكيانات الطائفية بل المنظمات الإرهابية مثل تنظيم "بي كا كا" الإرهابي بالمشاركة في تلك العمليات.

ومع كل هذه التحديات تؤكد تركيا مراراً وتكراراً دعمها لوحدة العراق وسيادته واستقلاله، مشددة على تطلعها إلى عراق ديمقراطي مدني، تحظى فيه جميع كياناته السياسية والعرقية والدينية بحقوقها كاملة، دون وجود أي تطلع أو مطمع لها في الموصل، إلا أنها في نفس الوقت لا تريد للتغييرات الحاصلة في المنطقة أن تهدد أمنها القومي ومصالحها الوطنية.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.