أرسيت أرضية التعاون الثلاثي بين اسرائيل وتركيا وايران، أو ما كان يعرف بـ "حلف الجوار"، عندما حطت طائرة الرئيس الاسرائيلي، لاحقا، ديفيد بن غوريون، على الاراضي التركية، مساء التاسع والعشرين من أغسطس عام 1958. اثيوبيا أيضا كانت مشاركة في الحراك السياسي حينها. إلا ان الصفقة التي تممت سرا في تركيا لم تكن فعالة.
الزمن تغير كثيرا منذ ذلك الوقت وحتى الآن. فاسرائيل لم تتوقف عن البحث عن شركاء لها في الحلف ضد العرب في الشرق الأوسط. إلا أن الثورة الايرانية في عام 1979، أوصلت الدولة الفارسية الى نقطة لا يمكن التقاطع فيها مع مواقف الدولة اليهودية.
كصحفية شابة في عام 1997، ما زلت أتذكر زيارتي الى اسرائيل ضمن مجموعة من الصحفيين الاتراك، بناء على دعوة من الحكومة الاسرائيلية. اسرائيل كانت تحاول أن تعطي عن نفسها صورة ايجابية في المجتمع التركي، من خلال تنظيم العديد من الزيارات للصحفيين والأكاديميين الأتراك. جهود مضنية كانت تبذل لكسب محبة الشعب التركي. وأنتج التعاون والشراكة القوية بين اسرائيل وتركيا اتفاقيات عسكرية مشتركة وشراكات استراتيجية، تضمنت تعاونا مع الاردن وأذربيجان. كما قدمت اسرائيل أدوات عسكرية دفاعية لتركيا، ولكنها لم تمنحها قط صواريخ يصل مداها الى اسرائيل، تحسبا لما يمكن أن يحدث في المستقبل من تغيرات على علاقات الصداقة العميقة مع أنقرة، في حال حدوث تغير في اللاعبين السياسيين الأتراك.
ولا حاجة الى الدخول في محاولات لإثبات وجود علاقة بين اسرائيل ومجموعة سوسورلوك، المتشكلة من مجموعة من الشخصيات داخل تشكيلات الدولة العميقة، والتي انكشفت حقيقتها، في أعقاب حادث سير، أودى بحياة مسؤول في الشرطة وقائد مافيا وسياسي تركي. فيمكن الرجوع الى الخبر المنشور بالانجليزية، في صحيفة تركش ديلي نيوز، بتاريخ 12 من ابريل عام 1997 ، حول المسألة.
التقرير يقول: "ابراهيم شاهين، أحد الشخصيات المهمة في فضيحة سوسورلوك، كان يتفاوض مع شركات الأسلحة الاسرائيلية، في الفترة ما بين 27-30 أوكتوبر 1996، اي قبل الحادثة بأسبوع. التفاوض كان يتم بناء على أوامر من وزير الداخلية التركي محمد أغار، بحسب ما كشفت وثائق أرشيف وزارة الداخلية.
اسرائيل كانت حاضرة بشكل قوي في الحياة السياسية التركية، في الكثير من الاوقات.
وكدولة عانت الكثير من الفظائع في تاريخها، فإن من المنتظر أن تكون اسرائيل قد شكلت آليات وأساليب لحماية المضطدين، ولكن على العكس من ذلك تماما، لم تتوانى اسرائيل عن التصرف بعنف ضد الفلسطينيين وارتكاب جرائم ضد الانسانية في دول الجوار.
شهدت العلاقات التركية الاسرائيلية نقاطا مفصلية في تاريخي 30 يناير 2009، و31 مايو 2010.
ففي 30 يناير 2009، خلال جلسة نقاشية في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، وجه رئيس الوزراء التركي حينها رجب طيب اردوغان ردة فعل قوية تجاه الرئيس الاسرائيلي شيمعون بيريز، في لحظة تاريخية تركت بصمتها على العلاقات بين البلدين.
وفي الـ 31 من مايو 2010، قتل جيش الدفاع الاسرائيلي تسعة مواطنين أتراك، في المياه الدولية، على متن سفينة مافي مرمرة، والتي كانت جزءا من اسطول مساعدات انسانية، يهدف الى كسر الحصار الاسرائيلي عن قطاع غزة.
ومنذ ذلك الحين، يستمر عقد لقاءات ثنائية بين المسؤولين الأتراك والاسرائيليين في سويسرا بناء على الطلب الاسرائيلي.
وقد تم التوصل الى انجازات حقيقية في الحوارات بين البلدين. ويركز المسؤولون الأتراك على أن عهدا جديدا من العلاقات التركية الاسرائيلية سوف يسهل الحياة للمواطنين في قطاع غزة. وستصبح تركيا لاعبا مركزيا في قطاع غزة، لتقدم المواد الاساسية بما يتوافق مع حساسية الشارع التركي. كما لا بد العمل الجاد في سبيل تحضير الرأي العام للبلدين حول هذه الخطوة. المسؤولون الأتراك علقوا على هذه النقطة بالقول بأنه لن يكون من الصعب تجهيز الأرضية اللازمة للخطوات التي ستتخذ بين البلدين قريبا.
وبالرجوع الى تقاريرالولايات المتحدة الحديثة، والتي كشفت عن تتبع الرادارات الروسية لطائرات حربية أمريكية على الحدود مع تركيا الأسبوع الماضي، فإن من المتوقع أن يطرأ تصعيد للتوتر في الجوار التركي.
وبما أن العديد من جبهات الصراع الدولية قد عادت للنشاط، في محيط تركيا، فإن من مصلحة الحكومة التركية، أن تطبع علاقاتها مع اسرائيل.
وفي الوقت الذي تسعى فيه اسرائيل الى خلق تحالف ضد العرب في المنطقة، يمكن القول بأن نجم التحالف الاسرائيلي الكردي كنموذج للتحالف الذي تسعى اسرائيل الى تحقيقه ضد العرب، قد يخبو بريقه في المرحلة القادمة.
ثمة العديد من التطورات المتفاوتة، وكأن منطقة الجوار التركي قد تحولت الى لوحة شطرنج عريضة.
ولا بد من اعطاء الطرق الدبلوماسية فرصتها، من دون استخدام الشعارات الحماسية الخاصة بالسياسات اليومية.