في أول زيارة لها إلى تركيا منذ المحاولة الانقلابية منتصف يوليو تموز الماضي، حصلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على استقبال فاتر من قبل المسؤولين الأتراك. وما لم تتوقف ألمانيا عن إيواء المجرمين ودعم الإرهاب، فسيكون من الصعب عليها لقاؤهم أصلاً في المرة القادمة.
في السنوات الأخيرة، تراجعت العلاقات التركية الألمانية بسبب أفعال برلين المتهورة. فعلاوة على فشلها في وقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا، فإن السلطات الألمانية سمحت أيضاً لتنظيم بي كا كا على أرضها بتجنيد المقاتلين وجني الأموال وتخطيط الهجمات، وذلك على الرغم من كون التنظيم مدرجاً على لائحة الإرهاب لديها. العلاقات المتهالكة بين البلدين تلقت ضربة إضافية، بعد المحاولة الانقلابية في تركيا، حيث فر عدد من الانقلابيين الكبار الذين شاركوا في التخطيط للانقلاب، إلى ألمانيا لطلب اللجوء.
ومع أن الأفعال أوضح وأجلى تأثيراً من الكلام، إلا أن ذلك لم يثنِ ميركل عن المحاولة جاهدة لإرضاء الرأي العام التركي، من خلال الحديث عن التعاون والصداقة التركية الألمانية خلال مؤتمرات صحفية عقدت مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء بن علي يلدريم. وفي القصر الرئاسي في أنقرة، كانت ميركل حريصة على ذكر تنظيم بي كا كا ضمن التنظيمات الإرهابية، والقول إن حكومتها تعمل على ملاحقة التنظيم في الداخل. وبعد ساعات، شكر رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، ميركل على دعمها للأتراك في حربهم على الإرهاب، وهو ما جاء من منطلق المجاملة الدبلوماسية، وليس عرفاناً بمعنى الكلمة.
ولو وضعنا المسرحيات جانباً، يجب علينا القول إن العلاقات التركية الألمانية تسير في منحدر خطر. ولا فرص لتفادي ذلك ما لم نعلن صراحية أن ألمانيا دولة راعية للإرهاب، ونطالبها باتخاذ قرارات جدية إزاء وقف ذلك، أو تحمل نتائج التبعات.
فمقاتلو بي كا كا اليوم يفجرون أنفسهم وسط المدنيين في المدن، ويتسببون بمقتلهم بدم بارد. وفي ظل ذلك، لا يمكن لأي حكومة أن تعتبرهم مقاتلين في سبيل الحريات، أو حركة تمرد وعصيان. فالتنظيم اكتسب المزيد من الجرأة والثقة في السنوات الأخيرة، بفضل الدعم الأمريكي المفتوح له في سوريا والدعم التكتيكي الذي يتلقاه من ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي.
ولكن التعاون مع السلطات الألمانية يعود في أصوله إلى سنوات إلى الوراء. فالجميع يعرف أن تنظيم بي كا كا وغيره من المجموعات الإرهابية منحوا الحق في العمل على الأراضي الألمانية، بشرط عدم القيام بأعمال عنف ضد المواطنين الألمان. ولاسترضاء التنظيم الإرهابي، رفضت ألمانيا مراراً مطالب السلطات التركية بترحيل إرهابيين معروفين.
ولزيادة الطين بلة، يقال إن ميركل طلبت من المسؤولين الأتراك أدلة ملموسة حول علاقة تنظيم غولن بالمحاولة الانقلابية، وهو ما يمكنها في الحقيقة التحقق منه خلال اتصال هاتفي واحد مع الاستخبارات الفيدرالية الألمانية. لكن ليس من المفاجئ أن تظهر ألمانيا حماستها للدفاع عن إرهابيي غولن، فألمانيا واحدة من الوجهات المفضلة للتنظيم كونها رفضت الاستجابة لطلبات ترحيل سابقة في الماضي. وهو ما جعل منها دولة تضم المزيد من أولئك الملطخة أيديهم بالدماء. والأسوأ أن المجرمين المدعومين من قبل ألمانيا يواصلون العيش وسط ثلاثة ملايين من دافعي الضرائب الأتراك في ألمانيا، وهو ما يضعف ثقة المجتمع التركي بحكومة ميركل، فضلاً عن الإضرار بالعلاقات التركية الألمانية.
لا يزال بإمكان ميركل إنقاذ علاقتها مع تركيا، ووقف صعود اليمين المتطرف في أوروبا، من خلال إشراك المسؤولين الأتراك، وإعادة النظر في موقف بلادها من الحرب على الإرهاب. على الأوروبيين أن يتذكروا أن الأتراك يحمونهم من خطر الإرهاب الذي يتهددهم من سوريا، وذلك قبل أن يفوت الأوان.
والزمن عامل حساس. على ميركل ونظرائها الأوروبيين أن يتذكروا أنهم مدينون لتركيا بمواقعهم في السلطة وباتفاقية إعادة القبول، التي منعت تكرار أزمة اللاجئين كما كانت في عام 2015، والتي وصلت إلى ذلك الوضع المتأزم نتيجة التصلب وانعدام الرحمة في الموقف الأوروبي. على القادة الأوروبيين أن يعلموا أن هناك ثمناً يجب أن يدفعوه لاحتوائهم الإرهابيين الذين يهددون أمن تركيا.
ولتوضيح أننا نقصد عالم الأعمال هنا، يجب القول إن على تركيا أن تخفض من درجة تعاونها مع برلين، وتوقف الاتفاقيات العسكرية واتفاقية التجارة المتبادلة، حتى تدرك برلين أن عليها إعادة النظر في موقفها من الإرهاب. وسؤال آخر يجب أن يطرح على المواطنين الأتراك في الاستفتاء القادم: هل تدعمون إلغاء اتفاقية إعادة القبول الموقعة بين تركيا والاتحاد الأوروبي؟