على حلفاء تركيا في المنطقة تحديد إستراتيجيتهم اتجاه "ي ب ك" الإرهابي

نشر في 01.02.2019 12:26

تصر تركيا على إيجاد حل دائم لمشكلة تواجد ميليشيا "ي ب ك" الإرهابية في شمال سوريا قبل أن تصل البلاد التي مزقتها الحرب إلى حل سياسي دائم.

وتتصدر هذه القضية قائمة أولويات محادثات المسؤولين الأتراك مع نظرائهم الأمريكيين والروس والإيرانيين، أثناء مناقشة تفاصيل إستراتيجية الحل في سوريا. ومع ذلك، فإن الرسائل الواردة من واشنطن وموسكو والعواصم الأوروبية مبهمة إلى حد كبير، ولا يقدم أي منها إستراتيجيات معقولة للتعامل مع مشكلة "ي ب ك".

وإذا لم يكن هناك إشارات لتوضيح الغموض في المشهد في وقت قريب، فقد تتخذ تركيا مبادرات من جانب واحد للتعامل مع المشكلة، رغم المخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها هكذا مبادرات. لكن هذه المخاطر لا تفوق مخاوف تركيا بشأن وجود وتعزيز "ي ب ك" على طول حدودها.

ومع أن تركيا مستمرة في محاولاتها لإيجاد حل دبلوماسي للمشكلة من خلال مناقشاتها مع المسؤولين الأمريكان والروس، إلا أنها في الوقت ذاته، تعزز انتشارها العسكري على حدودها مع سوريا.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد ذكر اتفاق أضنة الذي تم توقيعه بين مسؤولين أتراك وسوريين عام 1998 والذي يمنع السوريين من فتح أراضيهم و إيواء عناصر "ب كا كا" الإرهابي. لكن الواقع في سوريا يبدو مختلفاً جداً في عام 2019 بعد الحرب الأهلية التي دمرت البلاد وأضعفت النظام.

تبحث ميليشيا "ي ب ك" الإرهابية عن هوية سياسية لنفسها وهي مسلحة بشكل كبير بسبب تعاونها مع الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش. من الممكن أن يعمل اتفاق أضنة كأساس لاتفاق بين تركيا والنظام السوري لمواجهة تهديد "ي ب ك"، لكن قد لا يكون هذا الاتفاق كافياً لتغيير الواقع السياسي على الأرض. فنظام الأسد ليست لديه القدرة ولا الدافع لمواجهة "ي ب ك" أو "ب كا كا". لذلك تسعى تركيا للحصول على ضمانات مطمئنة بشكل أوسع من قبل روسيا والولايات المتحدة حول وجود "ي ب ك"، لكن كلا الدولتين لديهما أجندات منفصلة في المنطقة.

وتعتقد أنقرة أن واشنطن تحاول كسب الوقت بتأجيل تنفيذ صفقة منبج. قد تكون الخلافات بين مختلف الوكالات والمؤسسات السياسية الأمريكية حقيقية، وكذلك الخلافات حول كيفية التعامل مع الانسحاب من سوريا وكيفية التعامل مع "ي ب ك"، لكن في الوقت ذاته تبدو هذه الخلافات والارتباكات مبالغ فيها لإبقاء القضية متأرجحة وغير مستقرة مع تركيا.

التحركات الأخيرة للمسؤولين الأميركيين تبدو مهمة، لا سيما جيمس جيفري، الذي يشغل حاليا منصب المبعوث الخاص لسوريا والمبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد داعش. وهو يحاول تنسيق الجهود الأمريكية للتعامل مع مرحلة ما بعد انسحاب أمريكا من سوريا.

جهود جيفري لمواءمة السياسات المتعلقة بالمنطقة مع المسؤولين الأتراك تبشر بالخير، لكن أنقرة لا تزال قلقة إذ أن هذه الجهود قد تفسد وتتعرقل بسبب التحركات غير المتوقعة لبعض المؤسسات أو بعض المسؤولين الآخرين. كما أن الثقة متهتكة بين المسؤولين الأتراك والأمريكيين، بسبب وعود الولايات المتحدة التي أطلقتها بشأن "ي ب ك" ولم تلتزم بها، وهذه القضية تشكل محور التلكؤ في التعاون بين البلدين.

كما أن محاولات موسكو لمنع الاتفاق بين تركيا والولايات المتحدة في قضية "ي ب ك"، ترمي لإظهار قوات النظام السوري بمظهر المستعد لملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي.

بالإضافة إلى ذلك، لا تريد روسيا أن تخسر خيار اللعب بورقة "ي ب ك" و"ب كا كا" في حال نشوب خلافات مع أنقرة. وبهذا الشكل، تستفيد ميليشيا "ي ب ك" من جهود موسكو وواشنطن. ورغم أن أنقرة تقترب من تفاهم وتنسيق أفضل مع كل من العاصمتين، مقارنة بالفترات السابقة، لكن الكثير من الحالات الطارئة لا تزال تهدد بإفساد الجهود المشتركة في أي وقت.

إن أية صفقة مع روسيا والولايات المتحدة تقوم بشكل أساسي على كيفية تعاملهما مع هذه المنظمة الإرهابية في المستقبل. وحتى هذه اللحظة لم يقدم أي من ممثلي الدولتين رؤيا واضحة أو خارطة طريق حول هذه القضية. وهذا بالضبط هو مصدر قلق تركيا، فجميع الجهات الفاعلة، بما في ذلك النظام السوري، تحاول إبقاء خياراتها مفتوحة مع "ي ب ك".

إن جميع الأطراف المؤثرة تحاول التمسك بورقة "ي ب ك" لرفعها ضد تركيا عندما تقتضي الحاجة. وبالنسبة للسلطات التركية فإن خيارات تلك الأطراف ومبادئهم المتعلقة ب "ي ب ك" ليست واضحة، وبالتالي ليست واقعية. وقد تكون جهودهم الرامية إلى إبقاء حالة ضبابية للـ "ي ب ك" خطوة تكتيكية، لكن مثل هذه التكتيكات في نظر أنقرة، لا تعزز إلا خيار الإستراتيجية العسكرية ضد هذه الجماعة الإرهابية.

إن وجود "ب كا كا" و" ي ب ك" في المنطقة هو أكبر عقبة أمام تركيا لصياغة إستراتيجية بنّاءة أكثر للأكراد في المنطقة. وكذلك فإن تطبيع علاقات تركيا وعودة اندماجها مع المنطقة واللاعبين الأساسيين فيها، مرهون بإستراتيجية تعاملهم مع القضية الكردية بشكل شامل.

وكما رأينا في هجوم شمال العراق الأخير ضد القاعدة العسكرية التركية في بلدة "شلادز"، حيث قام "ب كا كا" الإرهابي بتعبئة الأكراد المحليين ضد تركيا مظهراً إياها بصورة المعادية للأكراد. إن أي عمل استفزازي أو تعبئة بهذا الشكل تخدم مصالح المنظمة الإرهابية دون أدنى شك، وتُشعر تركيا بالقلق إزاء تكرار مثل هذه الاستفزازات.

ورغم أن تنظيم "ي ب ك/ب كا كا" الإرهابي، هو العقبة الأكثر أهمية ضد تطبيع العلاقات بين تركيا والأكراد في المنطقة بأكملها؛ إلا أن الدول المؤثرة في المشهد السوري تواظب على نصح تركيا بالتركيز أولاً على قضايا أخرى مثل التعامل مع داعش أو جبهة النصرة، وغيرها من المشاكل.

أما التعامل مع قضية "ي ب ك" الإرهابي، فما فتأ يتم تأجيله إلى مرحلة أخرى من المحادثات. لكن الأمر مختلف بالنسبة لتركيا، فهي تصر على أنه في هذه اللحظة بالذات لا يمكن اتخاذ أي خطوة سياسية هامة دون توضيح إستراتيجيات نظرائها حول هذا التنظيم الإرهابي.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.