هل تستهدف تركيا القوات الأمريكية في منبج؟

إسطنبول
نشر في 05.02.2018 00:00
آخر تحديث في 05.02.2018 20:07

لتقليص حجم المخاطر، قامت تركيا بطرح تصور للولايات المتحدة: "إذا كنتم ترغبون في البقاء في منبج، فقواتكم هناك ستكون محل ترحيب، لكن يجب عليكم تسهيل انسحاب إرهابيي بي كا كا/ ي ب ك إلى شرق نهر الفرات. دعوا الإرهابيين يخلون المنطقة واسمحوا للجيش السوري الحر والسكان المحليين بإدارة منبج". لنأمل أن تقبل الولايات المتحدة بالعرض التركي.

يواجه العالم مشكلة رئيسية مع الولايات المتحدة، لا ليست بسبب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. منذ سقوط جدار برلين والغضب يتراكم في أرجاء العالم، وواشنطن عززت هذا الغضب من خلال غزو أفغانستان والعراق، حاصدة الآلاف من أرواح الأبرياء، ومنخرطة في أعمال غير قانونية، من قبيل الإبقاء على معتقل غوانتنامو مفتوحاً فقط لأنه بالإمكان أن يبقى كذلك، ومرتكبة أعمالاً أحادية لا تحظى بشعبية أحد.

الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كان يبدو ديمقراطياً، لكنه أيضاً فشل في تلبية التوقعات. دعونا نتذكر أنه انتهى به المطاف إلى عدم إغلاق غوانتنامو، كما غض الطرف عن الهجمات بالسلاح الكيماوي في سوريا، وراقب الانقلاب العسكري الدموي في مصر من الهامش. وليزداد الطين بلة، إدارة أوباما كانت المسؤولة عن دعم واشنطن لمنظمة بي كا كا الإرهابية.

عندما يفكر المرء بكل شيء فعلته واشنطن على مر السنين يدرك أن الولايات المتحدة لديها سمعة فظيعة فوق كل شيء. لقد تحول الحلم الأمريكي إلى كابوس فظيع. ولهذا السبب كان غلاف مجلة تايم المعنون "أمريكا وحيدة" معبراً جداً.

بمضي كل يوم تتنامى عزلة الولايات المتحدة، وغني عن القول إن السياسات العدائية لواشنطن قد أثرت على العلاقات التركية – الأمريكية أيضاً. العلاقات الثنائية اليوم هي حقل ألغام على نحو ملموس. يمكن معالجة بعض المشاكل بصورة مؤقتة، لكن الأمر يتطلب بضعة أشهر فيما يتعلق بالقضايا الساخنة المستجدة بين أنقرة وواشنطن، وجميعها قضايا حاسمة.

لنركز الآن على العامين الأخيرين:

قبل 18 شهراً تقريباً، كانت العلاقات التركية – الأمريكية متوترة بشدة. لقد نفذت المنظمة الإرهابية التي يقودها فتح الله غولن، والمعروفة في تركيا أيضاً باسم جماعة غولن الإرهابية، محاولة انقلاب فاشلة في تركيا، وقتلت عددا كبيرا من المدنيين الأبرياء. شعر الأتراك حينها أنهم فشلوا في الحصول على دعم مستحق من الولايات المتحدة في مواجهة الجماعة. وبدلاً من التنسيق مع تركيا لجلب مجرم معروف إلى العدالة، ماطلت أمريكا في تلبية طلب أنقرة تسليمها غولن، واستمرت في إيوائه.

هذا التطور خلق أزمة ثقة بين تركيا والولايات المتحدة، ما زالت قائمة حتى اليوم. لكننا نواجه اليوم مشكلة أكبر بكثير؛ فالولايات المتحدة ترسل الدعم إلى منظمة بي كا كا الإرهابية، التي تعدها تركيا تهديداً لأمنها القومي، نظراً إلى سلسلة الهجمات التي شنتها ضد المدنيين وقوات الأمن.

بالإمكان تقسيم الدعم الأمريكي إلى صنفين، دعم عسكري ومساعدة مالية. قامت القوات الخاصة الأمريكية بتدريب إرهابيي بي كا كا في سوريا، في إطار عمل ما يسمى المستشارين العسكريين. في هذه الأثناء، سلمت الولايات المتحدة 4000 شاحنة محملة بالأسلحة للفرع السوري لمنظمة بي كا كا، وحدات حماية الشعب (ي ب ك).

وعلى الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين أبلغوا نظراءهم الأتراك بأن هذه الأسلحة سيتم استعادتها من المسلحين، فإن خطوة كهذه لم يتم اتخاذها حتى الآن. إن القتال ضد داعش في سوريا قد انتهى على نحو ملموس، إلا أن مسلحي ي ب ك احتفظوا بالأسلحة الأمريكية، ومما يزيد الأمر سوءاً أن هذه الأسلحة يجري استخدامها ضد القوات التركية في هذه اللحظات. قبل أسبوع فقط، استهدف إرهابيو بي كا كا قاعدة أمامية للجيش التركي في هكاري بصواريخ موجهة.

وخلال نهاية الأسبوع، تم استهداف مجموعة من المدنيين بينهم مراسل لوكالة الأناضول بصاروخ مضاد للدبابات (لحسن الحظ نجا زميلنا من الهجوم مع وقوع إصابات). ليس ثمة شك حول الجهة التي حصل مسلحو ي ب ك منها على أسلحة ثقيلة كهذه؛ لقد سلمت هذه الأسلحة لهذه الجماعة من قبل الولايات المتحدة.

وأضيف هنا أمراً آخر؛ كصحفي قضى أوقاتاً طويلة في الشارع مع الناس العاديين، كما سافر إلى تلك الأجزاء من البلاد حيث تشهد الحرب على الإرهاب ذروتها، من الواضح بالنسبة لي أن الشعب التركي يرى القتال ضد الإرهاب كحرب ضد الولايات المتحدة.

في 20 كانون الثاني، أطلقت تركيا عملية غصن الزيتون لتحييد الخطر الذي يتهدد أمنها القومي من قبل مسلحي بي كا كا/ ي ب ك في عفرين. وكانت واشنطن متقلبة بشأن هذه العملية، علماً أن الأتراك كانوا واضحين بشأن نواياهم في فرض السيطرة على منبج، حيث لا تزال تتمركز قوات أمريكية.

ليس سراً أن المسؤولين الأمريكيين يتساءلون حول أرجحية استهداف القوات التركية لمنبج. ينبغي أن يكون واضحاً أن تركيا لن تغير رأيها بشأن فرض السيطرة على المنطقة فقط لأن الولايات المتحدة ليست سعيدة بهذا القرار.

بعد كل ذلك، الحكومة التركية ملتزمة تماماً بإزالة المجموعات الإرهابية من حدودها مع سوريا. بالطبع سؤال المليون دولار هو هل ستواجه القوات التركية الجنود الأمريكيين في منبج. لتقليص حجم المخاطر، قامت تركيا بطرح تصور للولايات المتحدة: "إذا كنتم ترغبون في البقاء في منبج، فقواتكم هناك ستكون محل ترحيب، لكن يجب عليكم تسهيل انسحاب إرهابيي بي كا كا/ ي ب ك إلى شرق نهر الفرات. دعوا الإرهابيين يخلون المنطقة واسمحوا للجيش السوري الحر والسكان المحليين بإدارة منبج". لنأمل أن تقبل الولايات المتحدة بالعرض التركي.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.