هل تفتح هزيمة أرمينيا نوافذ لفرص سلام جديدة في المنطقة؟

إسطنبول
نشر في 16.11.2020 11:37

انتهى القتال في إقليم قره باغ بعد 44 يوماً من الحرب، حيث أنهى اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا الأسبوع الماضي احتلال أرمينيا للإقليم الأذربيجاني مدة استمرت ثلاثة عقود. وفي الوقت نفسه، تم الاتفاق على نشر قوات حفظ سلام روسية في المنطقة وأن تعمل تركيا كمراقب لعملية وقف إطلاق النار. وتواصل تركيا وروسيا مناقشة كيفية مراقبة وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الأرمينية.

ومن الملاحظ أن الحرب الأخيرة في جنوب القوقاز، التي بدأها رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، أدت إلى تغييرات كبيرة في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة. فهذه الحرب كانت أول نزاع دولي يتم كسبه بالطائرات المسلحة بدون طيار. بعبارة أخرى، أدى استخدام الطائرات المسلحة بدون طيار في حرب تقليدية إلى نقل التكنولوجيا العسكرية إلى المستوى الأعلى عندما تمكنت أذربيجان من تغيير مسار القتال، باستخدام مسيّراتها الحربية تركية الصنع.

ووفقاً للرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، تسببت الطائرات المسلحة بدون طيار في إلحاق أضرار بالجيش الأرميني قدرت بأكثر من مليار دولار. كما قتل الآلاف من عناصر القوات الأرمينية في هجمات تلك الطائرات. وبالتالي يمكننا القول إن الحرب التي استمرت 44 يوماً في إقليم قره باغ، فتحت بالفعل فصلاً جديداً في تاريخ الحروب.

فما هي الصورة التي ظهرت للعالم أجمع بعدما تبدد ضباب هذه الحرب؟

لقد برزت أذربيجان بمظهر المنتصر الواضح، حيث قامت حكومة باكو بتحرير أراضيها المحتلة بعد 30 عاماً. وذلك لأن الحكومة الأذربيجانية عملت على مدى العقود الثلاثة الماضية، على تحديث جيشها بعناية واستكملت تلك العملية برفاهية اقتصادية تغذيها الموارد الطبيعية الغنية للبلاد.

في الوقت نفسه، نقل دعم تركيا لأذربيجان العلاقات الثنائية بين البلدين إلى مستوى أرفع، وكبح بشكل فعال نفوذ روسيا في باكو. وهكذا برزت تركيا وأذربيجان كقوتين دافعتين وراء النظام الجيوسياسي الناشئ في القوقاز. ومع ذلك، لا بد من الاعتراف بأن توازن القوى الجديد هذا لا يتعارض بالضرورة مع نفوذ موسكو الإقليمي.

فحقيقة ممارسة روسيا نفوذاً قوياً على القوقاز لا جدال فيها. بل إن هذا النفوذ لم يضعف في ضوء حرب قره باغ ولم تتدخل موسكو لإنهاء هذه الحرب إلا عندما أصبحت هزيمة أرمينيا مؤكدة. وجاء تدخل روسيا لإجبار البلدين على الاستقرار. وبالرغم من أن روسيا انتظرت حتى تحرر أذربيجان أراضيها المحتلة، لكنها تمكنت من نشر جيشها مؤقتاً في الإقليم من أجل البقاء على صلة بالمنطقة. ويمكن القول إن الخطوة الأخيرة لموسكو كانت محاولة للتدخل في جنوب القوقاز بشكل مباشر، وبالتالي التخلص من وكيلها الأرميني.

أما أرمينيا فقد عانت من هزيمة مذلة خلال 44 يوماً فقط. وتعرضت لشكلين من أشكال الدمار أولهما حين وجهت أذربيجان ضربة شديدة للقوات المسلحة الأرمينية، دفعت الحكومة اليائسة إلى إجبار الأطفال على القتال. ولا يزال من غير الواضح إن كانت أرمينيا ستتمكن من تحمل مثل هذه الخسارات الكبيرة في الأرواح والممتلكات، وهي بلد يواجه في الأصل اضطرابات مالية واجتماعية خطيرة. وثانياً، تم خلال هذه الحرب تقويض القيم الوطنية لأرمينيا بشكل ملحوظ بعدما استمر نظام التعليم وكتب التاريخ في ذلك البلد بتمجيد إقليم قره باغ وإخبار الأجيال الجديدة من الأرمن، أن الأراضي الأذربيجانية المحتلة هي بقعة شبه مقدسة بالنسبة للشعب الأرمني لذلك يأتي فقدان تلك الأرض بعد ثلاثة عقود، بمثابة زلزال سياسي واجتماعي في أرمينيا.

وقد بدأت تظهر في الواقع، بوادر ذلك الزلزال في يريفان، حيث أصيب السكان المحليون بالحيرة من اتفاق وقف إطلاق النار. وتقول تقارير إعلامية إنه تم إحباط محاولة اغتيال رئيس الوزراء الأرميني الأسبوع الماضي. ومن المتوقع أن تستمر الفوضى حتى إن وافق باشينيان -الرجل المسؤول عن حرب قره باغ- على التنحي من منصبه.

فماذا يجب أن تفعل أرمينيا كي تتأقلم مع الوضع الجديد بعد أن نفذت الحكومة في يريفان سياسة إقليمية مزعزعة للاستقرار، واحتلت الأراضي الأذربيجانية ورفضت تخفيض التوترات مع تركيا؟ إن أرمينيا لم تؤجج عدم الاستقرار فحسب، بل فشلت أيضًا في جني الفوائد الاقتصادية. ولكن مع اقتراب انتهاء الاحتلال الأرميني لقره باغ، لا زالت تلوح أمام يريفان فرصة جديدة.

إذ يمكن لأرمينيا ودول الجوار الاستفادة من تطبيع العلاقات الثنائية مع أذربيجان وتركيا. ولتحقيق ذلك، يجب تطبيع أيديولوجية أرمينيا الرسمية كخطوة أولى. ويتعين على يريفان لبدء فصل جديد، التخلص من العنصرية والقومية والتصريحات المشحونة أيديولوجياً من مقرراتها الدراسية وكتب تاريخها.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.