صوت الدبلوماسية يعلو من جديد في المحادثات بين تركيا واليونان

إسطنبول
نشر في 29.01.2021 11:16

لم تسفر المحادثات الاستكشافية بين أنقرة وأثينا التي جرت في وقت سابق من هذا الأسبوع عن نتائج ملموسة حتى الآن، لكنها شكلت خطوة كبيرة نحو الدبلوماسية مع استئناف تركيا واليونان لغة الحوار والتباحث بعد انقطاع طويل لمعالجة خلافاتهما وحل المشاكل من خلال الدبلوماسية. وكان المسؤولون الأتراك واليونانيون قد التقوا 60 مرة بين عامي 2002 و2016 دون أن يستأنفوا اجتماعاتهم منذ انقضاء آخرها قبل 5 سنوات. لكن اجتماع الاثنين جاء بمثابة علامة على عودة الحوار بين الجارتين اللدودتين.

ومن أهم أسباب عودة تركيا واليونان إلى طاولة المفاوضات تدخل الاتحاد الأوروبي للحد من انتشار التوترات في بحر إيجه وشرق المتوسط. وكذلك نهج تركيا في ليبيا الذي ترك اليونان بلا حول ولا قوة.

فاليونان كانت وما تزال تسعى إلى تكبير حصتها البحرية في البحر المتوسط إلى أقصى حد من خلال الادعاء بأن جزرها تتمتع أيضاً بمناطق اقتصادية خالصة. وكانت سياستها تلك تنطوي على احتواء تركيا التي تمتلك أطول ساحل متوسطي، وحصرها ضمن جزء صغير من البحر. لكن أنقرة ردّت على هذه الخطوة بتوقيع اتفاق مع ليبيا لترسيم الحدود البحرية، وتمكنت بذلك من تقويض مطالب أثينا المتطرفة.

فما كان من اليونان إلا أن قامت، ومعها فرنسا، بدعم الجنرال الانقلابي خليفة حفتر الذي حاول الإطاحة بحكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة، سعياً منهم لإحداث انقلاب في البلاد.

ورداً على هذه الخطوات نشرت تركيا قواتها في ليبيا وقدمت الدعم العسكري للحكومة الشرعية في طرابلس. الأمر الذي أدى في النهاية إلى فشل حفتر وانهزامه ولم يترك لأثينا أي خيار سوى التفاوض مع أنقرة.

وتزامن تدخل الاتحاد الأوروبي في نفس الوقت تقريباً مع انجلاء الحقيقة على المسرح الليبي، فسعت بروكسل إلى تشجيع المحادثات الدبلوماسية بين تركيا واليونان. ولو نجح حفتر في الإطاحة بالحكومة الليبية لما دعت بروكسل ربما إلى الدبلوماسية على الإطلاق لأن هذا المسار من الأحداث كان سيقوي موقف أثينا.

فما الذي حدث في اجتماع إسطنبول هذا الأسبوع؟

التقت وفود رسمية من تركيا واليونان في مكتب الرئاسة في قصر دولما بهجة في إسطنبول. وكان من المتوقع أن يحضر مسؤولون من وزارة الخارجية تلك المحادثات، لكن إبراهيم قالن المتحدث باسم الرئيس التركي انضم إلى وفد بلاده من أجل إبراز الأهمية التي توليها أنقرة للمفاوضات.

وأظهر ذلك جلياً في بيانه قائلاً: "يمكن حل جميع المشاكل بما فيها قضية بحر إيجة، ونحن ملتزمون بالحل تماماً. فالسلام والاستقرار في المنطقة يخدم مصالح الجميع".

وقبيل الاجتماع، أكد الجانب اليوناني أنه يريد التحدث عن ترسيم الحدود البحرية حصراً. وبحسب ما ورد تجنبوا العرض التركي لمناقشة جميع القضايا المتعلقة ببحر إيجه وشرق البحر المتوسط.

ويعتزم الجانب التركي مناقشة قائمة طويلة من النزاعات، بما في ذلك إعادة تسليح اليونان لجزر بحر إيجة في انتهاك لمعاهدة لوزان 1923. وتسعى تركيا أيضاً إلى توضيح الوضع القانوني لبعض جزر بحر إيجة التي لا تخضع لأية معاهدات.

في الوقت نفسه، تريد أثينا زيادة مجالها الجوي ومياهها الإقليمية من 6 إلى 12 ميلاً بحرياً مما يقيد بشدة وبشكل غير معقول وصول تركيا إلى بحر إيجه، وبالتالي تعتبر أنقرة هذه الخطوة سبباً للحرب.

وأخيراً، تريد تركيا أن تحدد بوضوح المكان الذي يمكن أن تعمل فيه فرق البحث والإنقاذ في كل بلد، من أجل التصرف بسرعة أكبر في حالة وقوع حوادث بحرية وهو الأمر الذي ترفضه اليونان.

لكن بحسب ما تناقلته المصادر، تبادل المسؤولون الأتراك واليونان وجهات النظر حول كل هذه القضايا وأضافوا أن الاجتماع كان إيجابياً وبنّاء. ومن الواضح أن مكان الاجتماع ومشاركة المتحدث الرسمي باسم الرئاسة، تركا انطباعاً إيجابياً لدى اليونانيين.

لكن هل ستفضي المحادثات الاستكشافية إلى أية نتائج؟

في الحقيقة، الهدف من الاجتماعات الاستكشافية هو إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة بدلاً من حل المشكلات الملحة. على الأقل هذا ما يتمخض عنها في العالم الواقعي الملموس. لذلك لا يوجد سبب لتوقع أن تسفر هذه المحادثات عن نتائج عظيمة تعالج بنجاح جميع الخلافات بين تركيا واليونان.

في الوقت نفسه، ليس سراً أن أثينا كانت عموماً غير راغبة في الدخول في مفاوضات، وأنها وافقت أخيراً على الاجتماع وهي تخطط لتدجيج جيشها بالأسلحة كما تشير ميزانية الدفاع اليونانية، التي زادت خمسة أضعاف في عام 2021.

فاليونان تخطط لإنفاق 3.02 مليار دولار على الأسلحة هذا العام، الأمر الذي يجعلها ثاني أكبر مشترٍ للمعدات العسكرية في العالم. علاوةً على ذلك قامت بزيادة مدة الخدمة العسكرية الإلزامية من 9 إلى 12 شهراً.

كذلك تخطط أثينا أيضاً لتوظيف 15.000 جندي محترف بحلول عام 2025. وبالإضافة إلى شراء 10 طائرات تدريب، ستنشئ اليونان أكاديمية طيران عسكرية مشتركة مع إسرائيل. كما أعلنت أثينا شراء 18 طائرة مقاتلة فرنسية من طراز رافال فضلاً عن 4 فرقاطات وطائرات هليكوبتر بحرية جديدة.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.