خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما وراءه.. ومخاطر الحرب الكلامية

ديلي صباح
اسطنبول
نشر في 23.06.2016 00:00
آخر تحديث في 23.06.2016 14:03
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما وراءه.. ومخاطر الحرب الكلامية

انتقد المحامي البريطاني بالمحاكم العليا ومحاكم حقوق الإنسان، السير جيوفري نايس، الساسة البريطانيين بسبب لغتهم العدائية التي يستخدمونها في حواراتهم وتنظيرهم حول موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، مشيراً إلى أن لتلك اللغة أثار خطيرة على المجتمع.

وأوضح نايس أن مقتل النائبة جو كوكس كان بمثابة صدمة، إلا أنه لم يكن مفاجئاً بالمعنى الكامل معتبرا أن ذلك جاء كنتيجة لحمى الخطاب السياسي المحتدم في البلاد وعدم رعاية بعض السياسيين للغة التي يستخدمونها.

وقال: "كان مقتل النائبة عن حزب العمال البريطاني، جو كوكس، بمثابة صدمة لكن الأمر لم يكن مفاجئاً بالمعنى الكامل. فالآلاف من مواطنينا وربما الملايين يدركون أن السياسيين لدينا يخاطرون بطبيعتنا المسالمة دائماً من خلال اللغة التي يستخدمونها. ومن يشعرون بالخطر لا يتحدثون أو يتحدثوا قليلاً، خشية نشر الذعر أو خوفا من إطلاق تكهنات يمكن أن تتحقق من تلقاء نفسها في المستقبل."

وتابع نايس أن المواطنين يشاهدون ويسمعون الساسة بإحباط على أمل أن يظهر سياسي يُسلم بأن كلام منافسيه له مغزى، ويدعو الجماهير لتقييم الأمور بدقة.

ولفت نايس إلى أن اللغة التي يستخدمها السياسيون مع خصومهم لا تفيد المجتمع ولا تقدم له شيء، بل بالعكس تضره أكثر:

"إن اللغة التي يستخدمها العديد من السياسيين في مناظراتهم الدعائية مع خصومهم لم تكن يوماً في مصلحتنا، والحقيقة أنها لا تقدم لنا كجمهور ناخبين المعلومات اللازمة ولا تثقفنا. ولا يريد كل من وزير العدل مايكل غوف، وعمدة لندن السابق بوريس جونسون، ورئيس الوزراء ديفيد كاميرون، ووزير المالية جورج أوزبورن، الناخب أن يقيم التوقعات الاقتصادية والاحتياطات الأمنية بشكل جيد حتى يمكنه اتخاذ القرار. إطلاقاً هم يريدون منا أن نقتنع بمجادلات وتنظيرات مراكز الأبحاث التابعة لهم حول الحقائق التي يؤكدونها هم، لأنهم يدركون أن الناخبين لا يملكون الخبرة اللازمة التي تمكنهم من الحكم السليم. فهل بمقدور العديد منا توضيح أسباب موقفنا ورأينا حول الانخفاض في الناتج القومي الذي سيتبع (أو ربما لا يتبع) خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ ربما يمكن للقليلين القيام بذلك، إلا أن الغالبية لا يمكنها. فنحن نختار بين المتناظرين والمتحاورين، لا على أصل محتوى المناظرات لأننا بصراحة لا نستطيع القيام بذلك. لقد كان واضحاً من البداية أن اللغة أهم من المحتوى في مثل هذا الصراع. وهو ما سيتضح جلياً إن انكشفت درجة خطورة وعدم صوابية توقعات الطرف المنتصر، حينها ستتم محاسبة صاحب هذه الرؤية بدلاً من محتوى كلامه ووجهة نظره".

وعن خطورة الجدل القائم في بريطانيا، بعيداً عن نتائجه أضاف: "يجب أن تكون لدينا بعض المعرفة والخبرة حول الصراع العنفي، لندرك أن تقسيم فكر ومعتقدات المجتمع إلى طرفين متضادين ومتنافرين لا يصلهما جسر هو مخاطرة بحد ذاته. وليس ثمة معنى للقول بأن من يرد بالعنف على رؤية جسر محتمل، مختلٌ نفسياً؛ وهو ما أشبه بما تقوله الولايات المتحدة لتبرير بعض الجرائم المسلحة بين الحين والآخر".

واعتبر نايس أن السبب الحقيقي خلف هذه الجرائم هو شيوع ثقافة مجتمعية تحرض على الصراع والعنف، إذ قال: "إن المجتمع المحمل بالذخيرة هو الذي يسمح للمختلين نفسياً بارتكاب جرائم قتل كبيرة ومذابح، وعلى هذا المجتمع يقع اللوم".

"وماذا عن مسألة الهجرة؟ إنها، بلا شك، القضية الأهم في منطقة الجوار. وفي النهاية فهي تخضع إلى نفس المبدأ أو الخلق الديني، القائل أنه من مصلحتك أن تعامل جارك بما تحب أن يعاملك. ونحن كجيران، يجب أن نعامل بعضنا البعض بمنطق الجيرة الحسنة. ربما من المبكر جداً لنا أن نقبل بفكرة وجوب معاملة إفريقيا بنفس الطريقة التي نعامل بها جيراننا الأوروبيين. ولكن تخيلوا القارة الأوروبية وكأنها مجموعة من المنازل شبه المترابطة، تفتح أبوابها للمستأجرين والنزلاء من دون تفريق وعلى نفس أسس القبول، إلا منزل واحد. منزل مطلي باللون الأحمر والأبيض والأزرق، منزل مختلف وترف عليه راية "لا للمهاجرين". هذا المنزل منزلنا؛ المملكة المتحدة".

وأضاف: "نعلم جيداً أن خلق قضية خاصة لبيتنا الرائع سوف يجلب لنا الكثير من الخجل. ومن يدري ماذا يحدث أيضا في المستقبل. في قضية الهجرة لا بد من العمل يداً بيد مع الأوروبيين، في إطار أوروبا، لنعمل على أن نكون جيراناً جيدين في عالم خطير ومضطرب".