رجال الأعمال السوريين في تركيا: الدرب الوعرة للوصول إلى النظام المالي

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 04.01.2019 00:00
آخر تحديث في 04.01.2019 13:51
متجر لبيع الحلويات السورية في أقسراي متجر لبيع الحلويات السورية في أقسراي

استحدث رجال الأعمال السوريين الذين لجؤوا إلى تركيا منذ عام 2011، بعد اندلاع الحرب في بلادهم والتي لا تزال مستمرة منذ ثمانية أعوام، العديد من المؤسسات المختلفة في وطنهم الجديد، تركيا.

واليوم، نجد أكثر من 7200 شركة أسسها السوريون تعمل في صناعات مختلفة بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر شركات المنسوجات، والتصنيع، والتجارة، والمطاعم، والبناء، والعقارات، والسياحة وغيرها.

لكن تأسيس الشركات وإيصالها إلى الازدهار لم يكن بالعملية السلسة. فالسوريون "مواطنو" بلد شديد الخطورة خاضع لعقوبات دولية، لذا يعد وصولهم إلى النظام المالي الدولي لإجراء معاملات التجارة الخارجية باستخدام العملات الأجنبية ممنوعاً بل ومحارباً بشكل كبير عن طريق وضع الكثير من العراقيل التي جعلته يكاد يكون أشبه بالمستحيل؛ وقد شارك البعض منهم قصصهم بشكل حصري مع صحيفة "ديلي صباح".

"أحمد عجاج" رجل أعمال سوري لجأ إلى تركيا مع من لجأ من أقرانه، قام عبر اتصال هاتفي بشرح المشاكل التي واجهها في مساعيه للوصول إلى النظام المصرفي الدولي قائلا:

"أنشأت شركتي في أبريل وحاولت فتح حساب مصرفي للشركة في البنوك الخاصة الكبيرة. لكن العديد منهم رفضوا تقديم الخدمات المصرفية لشركتي، لذلك ذهبت الى أحد البنوك الاستثمارية الصغيرة لأبدأ تعاملا ماليا محدودا فيها. والحقيقة أنني أرغب في التعامل مع بنوك أكبر لأنني أريد توسيع نشاطي التجاري "

المشاكل التي واجهها "عجاج" ليست فريدة بين رجال الأعمال السوريين أو اللاجئين السوريين في جميع أنحاء العالم. لكن ما يجعل قضية "عجاج" خاصة أنه يعاني من تشابه بين اسمه مع شخص آخر هو" أحمد عجاج"، الذي أدين بالمشاركة في تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993، ويقضي حاليا حكما بالسجن لمدة 240 عاما في أحد سجون الولايات المتحدة. ولا أحد يعلم متى وكيف سينتهي هذا الكابوس بالنسبة له؟

فالبنوك في جميع أنحاء العالم تستخدم قائمة مراقبة عامة تشمل الأفراد والشركات والمؤسسات التي تقرها وزارة الخزانة الأمريكية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ودائرة العمل الخارجية التابعة للاتحاد الأوروبي.

والسبب الرئيسي للعقوبات هو تمويل الإرهاب. ولذلك، فإن تشابهاً في الأسماء مع اسم شخص ما في القائمة السوداء سيكون كابوساً معقداً، وهو سبب أكثر من كافٍ لرفض وصول أشخاص مثل "عجاج" إلى النظام المصرفي الدولي.

السيد "طاهر جم بيريك" الخبير المتمرس في المعاملات البنكية والمستشار المستقل في التعاملات المالية أوضح في حديث حصري لصحيفة "ديلي صباح" قائلاً:

"يجب على البنوك اعتماد أنظمة حماية خاصة لتمكين المقيمين بالإضافة لرعايا الدول المعرضة للخطر أو الدول الخاضعة للعقوبات، من التعاملات المالية، وعليها أن تأخذ في الاعتبار تصريح العمل والوضع السكني -تراخيص الإقامة- للأفراد الذين يفتحون حسابات لديها، ويطلبون معاملات أوقروض عبر الحدود".

وأضاف: "عندما تتلقى البنوك طلبات من أفرادٍ قادمين من بلدان شديدة الخطورة أو من دول مثل سوريا وإيران، فإنهم عموماً يمتنعون عن السماح لهم بفتح حسابات أو الاستفادة من خدماتهم المصرفية. لذا، فإن بعض السوريين الذين يرغبون في إقامة أعمال تجارية والاندماج في الاقتصاد التركي قد يواجهون مثل هذه المشاكل". وزاد "يسعى المسئولون في البنوك لتجنب إثارة أي من الشكوك، لأنهم لا يريدون أبدًا المخاطرة بفقدان العلاقات المصرفية بينهم وبين شبكة البنوك العالمية، الأمر الذي قد يكون مكلفًا جدًا لأي بنك في جميع أنحاء العالم".

وبالطبع فإن تصريحات "بيرك" بشأن تصرف البنوك تعكس مغزى عبارة نائب وزير العدل الأمريكي السابق "بول ماكنولتي" الذي قال: "إذا كنت تعتقد أن الامتثال مكلف، جرب عدم الامتثال".

طريق وعر إلى أعمال مزدهرة:

إن الهروب من ويلات الحرب واللجوء إلى دول مجاورة على أمل أن تبدأ حياة جديدة، وإنشاء عمل جديد، لا زال في الواقع ينطوي على الكثير من الصعوبات التي تمثل طريقًا صخريا وعراً لا بد من السير عليه خصوصاً للسوريين لأن العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري لم تتوقف عن مطاردتهم في أوطانهم الجديدة التي لجؤوا إليها.

"نصر بلدنا" مصنع كبير لإنتاج العديد من الماركات الغذائية في غازي عنتاب وهو في الوقت ذاته مركز تجاري للمواد الغذائية المختلفة، يديره اثنان من رجال الأعمال السوريين أصبحوا مواطنين أتراك بعد حصولهم على الجنسية التركية.

وقد واجه أصحابه ولا يزالون صعوبات جمة في الوصول إلى النظام المصرفي عن طريق البنوك الخاصة في تركيا.

وقال محاسب الشركة "مراد غور" لصحيفة "ديلي صباح" عبر الهاتف إن شركة "نصر بلدنا" تأسست قبل خمس سنوات برأس مال يبلغ 5.2 مليون ليرة تركية (980 ألف دولار). وأوضح أنه من الصعب على رجال الأعمال السوريين بما فيهم أصحاب الشركة المذكورة الحصول على قروض لأنهم يفشلون في تقديم ضمانات.

غير أنه يحق لشركة تجارة الأغذية تلك، الحصول على قرض عن طريق صندوق ضمان الائتمان، وهو نظام ائتماني مدعوم من وزارة الخزانة التركية لا يطلب ضمانات لأن الهدف من إنشائه دعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة.

كما تحدث "عبد الحميد فتوح" رئيس جمعية رجال الأعمال السوريين في غازي عنتاب، وهو أيضًا المدير العام لشركة "باندا تريكو" التي تتخذ من غازي عنتاب مقراً لها، عن الصعوبات التي واجهت شركته عندما أرادت تلقي أموال من العملاء في الخارج عند تصدير المنتجات.

وقال "فتوح" إنه قبل خمس سنوات، قام مصنع النسيج الخاص به بتصدير البضائع إلى العديد من الدول الأوروبية والعربية وروسيا وأوكرانيا. وبما أن عمليات الدفع للصادرات تتم بالعملة الأجنبية، فإن المعاملات استغرقت وقتًا طويلاً للوصول إلى حساب الشركة.

وبين أن هذه الصفقات المتأخرة تعطل إنتاج الطلبات في الوقت المناسب وتعيق التدفق السلس للعمليات المالية التي تغذي الأعمال الصناعية والتجارية.

وفي مقابلة مع "محمد فايز العبادي" وهو مهندس سوري ورجل أعمال في مدينة "أيدين" التركية قال لصحيفة "ديلي صباح": "إنه لم يواجه أي صعوبات في تأسيس تجارته سوى مشاكل تعسفية في التأخير مرتبطة بالهوية السورية".

مثال آخر، هو رجل الأعمال السوري "بسام جانات" الذي أسس شركة تعهدات بناء "سنا للإنشاءات" في العاصمة الاقتصادية إسطنبول، عام 2014 ثم نمت بعد ذلك وتنوعت اختصاصاتها وغدت تشمل قطاع العقارات، والسياحة، والغذائيات.

وخلال زيارة "ديلي صباح" لمكتبه في المنطقة الصناعية بإسطنبول في باشاك شهير، أوضح أنه على الرغم من أن شركته تصدر المنتجات إلى الأسواق الخارجية، لكن لا يمكن له أن يقوم بالعمليات المالية بالعملة الأجنبية. وقال إن مدفوعات السلع المصدرة تأتي عموما من خلال الفروع التركية لعملائه.

لدى جميع هذه النماذج من رجال الأعمال السوريين وغيرهم ممن تحدثت معهم صحيفة "ديلي صباح" خلال مكالمات هاتفية أو زيارات ميدانية قامت بها للعديد منهم في معظم أماكن نشاطاتهم ولمالكي المطاعم والمتاجر في حي أقسراي في إسطنبول، قاسم مشترك واحد هو المعاناة في المعاملات المالية. فكلهم بالإجماع يفضلون -أو أنهم مجبرون على تفضيل- إجراء العمليات المالية مع بنك استثماري متوسط الحجم في تركيا، من أجل الحصول على إجراءات سهلة لأن هذا النوع من المصارف ليس لديه عمليات معقدة في خدمة العملاء.

دور الوكالات التركية والمنظمات غير الحكومية في توجيه رجال الأعمال السوريين:

لقد أدركت الحكومة التركية تمام الإدراك أن اللاجئين السوريين لا يستطيعون الاعتماد على المساعدات الاجتماعية حصرياً، كما أن الاندماج الاجتماعي المنشود لا يمكن أن يتحقق بشكل كامل ما لم يتم تعزيز مشاركة السوريين في الحياة الاقتصادية، وهذا الأمر بالذات كان مصدر قلق رئيسي لسياسة اللاجئين في تركيا، لذلك عمدت الحكومة إلى إقرار لائحة في يناير / كانون الثاني 2016 للسماح للاجئين السوريين بالحصول على تصاريح عمل رسمية.

لقد بدأت رحلة لجوء رجال الأعمال السوريين إلى تركيا في عام 2011، عندما اندلعت حرب أهلية دموية ما لبثت أن تحولت إلى حرب دولية، وإلى الآن لا تزال الساحة السورية حافلة بالأحداث.

وبالرغم من أن عددا قليلا جدا من رجال الأعمال السوريين يتمتع بسهولة في الوصول إلى النظام المالي العالمي، إلا أن الكثير منهم قد حُرم بالفعل من فتح حسابات مصرفية، أو إجراء تحويلات مالية في العملات الأجنبية أو الحصول على القروض.

وحيث أنه لا يمكن لأحد أن يجادل حول وحشية النظام الحاكم في سوريا أو الجماعات الإرهابية التي استولت على بعض مناطق البلاد في ظل وجوده، وقد راح ضحية ذلك الملايين من الناس بين قتيل ونازح ومعتقل، إلا أن الأشخاص الذين يضطرون إلى مغادرة منازلهم ويريدون أن ينجحوا في حياة جديدة في بلد جديد سيغتنمون بالتأكيد الفرصة للبدء من جديد.

ولتمكينهم من ذلك، يجب أن يمنحوا تسهيلات للتعاون مع البنوك والأطراف المحلية والدولية الأخرى ذات الصلة، وهذا يعني الكثير من العمل والمسؤولية للحكومات والمصرفيين، وخبراء الأمن المالي في العالم.