الخلود الرقمي.. البشر في كبسولة الكترونية بعد موتهم البيولوجي

ديلي صباح ووكالات
إسطنبول
نشر في 23.11.2022 10:52
آخر تحديث في 23.11.2022 12:53
أرشيفية غيتي أرشيفية (غيتي)

لطالما جذبت فكرة تحقيق الخلود اهتمام البشر، فيما يأمل بعض الناس في إمكانية "خداع الموت" عن طريق تخزين الوعي رقميا.

فهل بإمكاننا العودة إلى الحياة بعد الموت؟ يجيب فريق من العلماء والمختصين في الذكاء الاصطناعي بأن هذا الأمر ممكن وذلك بتخزين البيانات الشخصية للبشر وإنشاء نسخ رقمية طبق الأصل عنهم.

ولذلك يعمل علماء الكومبيوتر ومهندسو الذكاء الصناعي على تطوير برامج تسمح للناس، من الناحية النظرية، بتفادي الموت، وتفتح الباب أمام الحياة الأبدية ومعها الكثير من التساؤلات الأخلاقية والفلسفية.

يقول باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إنهم بدأوا في تجربة مشروع الخلود المعزز (Augmented Eternity)، على 25 شخصا تقدموا للمشاركة في اختبار التقنية الجديدة.

وتستخدم التقنية البصمات الرقمية للمشاركين لإنشاء نسخة ذكاء اصطناعي عنهم، ويمكن أن تبقى محفوظة حتى بعد وفاتهم، بحسب ما قالته صحيفة "تايمز" البريطانية، الإثنين.

وتضمنت قائمة المتقدمين لتجربة تقنية "الخلود الرقمي" الجديدة، شباباً يتطلعون إلى بناء إرث دائم لهم، وآخرين يعانون الإصابة بمرض عضال ويريدون ترك ذكرى منهم لأحبابهم، أما أحدهم فهو رئيس تنفيذي يأمل أن يستمر في مراقبة مجلس إدارة شركته بعد وفاته.

قال أستاذ علم الحاسوب والباحث بجامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا، حسين رهناما، إنه بدأ مشروع "الخلود المعزز" لعدة أسباب، أبرزها بحث سبل تمديد حياة البشر إلى أطول فترة ممكنة.

إذ يعمل علماء الذكاء الصناعي على تطوير صور رمزية رقمية تنسخ شخصيات المستخدمين ويمكنها أن تستمر في التواصل مع المقربين بعد وفاة أصحابها.

وقد ابتكر رهناما، البرنامج لاستخراج غيغابايتات البيانات التي يولدها الأشخاص يوميا بهدف ابتكار نماذج افتراضية من عقولهم.

بعدها، سيتمكن البرنامج الذي يحمل اسم "الخلود المعزز" من نقل ذكريات من حياة المشتركين ومن الإجابة على أسئلة حول بعض المواضيع، كآرائهم السياسية، بناءً على المعلومات المخزنة في بياناتهم.

ويفكر رهناما أيضا في إدخال البيانات في برنامج يحاكي الحديث البشري بعد وفاة أصحابها، مما سيسمح لهم بالبقاء قريبين من الشؤون اليومية وحتى تكوين الآراء أو المشاركة في الأحداث التي تحصل بعد موتهم.

وقال رهناما إن لديه زبونا واحدا متوقعا، وهو مؤسس شركة معروفة عالمياً، يسعى إلى استخدام التقنية للاستمرار في توجيه زملائه الذين يعملون في تطوير شركته بعد موته، على الرغم من معرفته بأن مشروعه سيثير عدداً من التساؤلات.

ولفت رهناما إلى أنه اتفق مع مؤسس الشركة العالمية -لم يصرح باسمه- على الاكتفاء بترك بعض وسائل النصيحة والمشورة في قرارات معينة لمن بعده، وأضاف أن النسخة الرمزية له لن تخبر الناس بما عليهم فعله، وأقصى ما ستفعله هو الإدلاء بآراء الإيجاب أو الرفض، أو المشورة بوجهة نظر معينة.

ولخص رهناما ما بلغه المشروع بالقول: "لا يعني ذلك أن الذكاء الاصطناعي أوشك على قدرته التمثيل الحقيقي لحدسنا وأفكارنا وسلوكنا الاجتماعي وميولنا، لكن باعتقادي أن باستطاعته تمثيل "لمحة عامة" عن هذه الميول والموروثات العاطفية، ونحن نعمل على تقديمه في صورة تفاعلية وجذابة للغاية".

وأضاف أن فكرة الخلود الرقمي رغم غرابتها، إلا أنها مكلفة جدا ومع ذلك فهناك سعي كبير لتخزين الوعي الخاص بأكبر العلماء للإستفادة منه مستقبلا.

مشروع خارطة الطريق إلى الخلود

يسعى مشروع "خارطة الطريق إلى الخلود" الذي انطلق منذ عام 2004 بقيادة أبرز علماء ما بعد الإنسانية، الروسي أليكسي تورشين، لبحث إمكانيات خلود البشر.

ونشر تورشين رفقة زميله مكسيم تشيرنكوف، ورقة علمية بعنوان "مقاربات تصنيف البعث التكنولوجي"، تتناول أربع خطط لإطالة الوجود البشري، وتركّز الخطط (أ) و (ب) و(د) على إطالة الوجود البيولوجي عبر الحفظ بالتبريد والخلود الكمومي، أما الخطة (ج) فتستهدف الخلود الرقمي.

وبدأ هوس توشين بالخلود عندما بلغ من العمر 11 عاما، إذ توفيت زميلته، وكان للحادثة أثر كبير دفعه للبحث في فكرة الخلود، ليبدأ بأفكار الخيال العلمي.

وسنة 2007 انضم توشين إلى حركة ما بعد الإنسانية الروسية، وأسس أول حزب لها عام 2012، تهدف هذه الحركة إلى إقناع الروس بتبني التكنولوجيا المستقبلية التي تسمح لهم بتجاوز حدود قدراتهم الجسمانية والذهنية.

ومنذ ذاك يكرس توشين جل وقته في العمل على مشروع "خارطة الطريق إلى الخلود"، مسجلا كل جوانب حياته، ومنها أحلامه وأحاديثه وتجاربه اليومية وانحيازاته العاطفية.

ويقول توشين إن هذه المراقبة الشاملة لتفاصيل حياته ضرورية للغاية، مع أن روبوتات الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى إخضاع "العائد إلى الحياة" للظروف ذاتها التي مر بها في حياته، حتى يتسنّى لنا الحصول على نسخ رقمية مطابقة للأصل.

وأوضح تورشين أن كل شيء سيصبح ممكنا بعد إتمام صنع نسختك الرقمية الدقيقة، متضمنة إحياء نسختك البيولوجية، إذ سيبحث الذكاء الاصطناعي في كل مكان عن حمضك النووي، حتى قبرك لن يسلم من التنقيب بغرض عمل نسخة من جسدك المادي الذي ستسكنه النسخة الرقمية.

الوعي الشخصاني والخلود الاجتماعي

يعتقد عالم الروبوتات الياباني هيروشي إيشيغورو بوجود مستويين من الأبدية: الوعي الشخصاني والخلود الاجتماعي.

ويقول إن التقنية قد تنجح في تحقيق الخلود الاجتماعي، عبر السماح للشخص المتوفى بالمساهمة بشكل فعال في المجتمع من داخل القبر، ولكنه يلفت إلى أن التقنية لا تستطيع تكرار الوعي الشخصاني ويشك بأنها ستكون قادرة على ذلك في يوم من الأيام.

واخترع إيشيغورو نسخات روبوتية من بعض أشهر الكتاب اليابانيين، سمحت لهم برواية أعمالهم للطلاب في مدارس مختلفة في جميع أنحاء البلاد.

كما عمل على تطوير نسخة منه على شكل إنسان آلي يرى أنها قادرة على الاستمرار في تعليم علم الروبوتات في جامعة أوساكا بعد وفاته.

وأخيرا قال العالم الياباني: "قد يتيح لنا وجود نسخة آلية منا بالعيش إلى الأبد في المجتمع، ولكن الخلود البشري مستحيل لأن الوعي ليس دائما".