"جومالي قيزيق".. قرية عثمانية عمرها 700 عام

ديلي صباح
نشر في 12.03.2019 16:50
آخر تحديث في 12.03.2019 17:32
جومالي قيزيق.. قرية عثمانية عمرها 700 عام

تعد قرية "جومالي قيزيق".. قرية عثمانية عمرها 700 عام" بمنازلها التقليدية ذات النوافذ البارزة وشوارعها المرصوفة بالحجارة وأشجار القيقب القديمة المعمرة، واحدة من أكثر القرى زيارة في تركيا.

في فوضى الحياة اليومية، يمنحنا السفر شعوراً بالتجديد وبضع لحظات للتوقف والتنفس. نشعر أحيانًا بالحاجة للهروب من جداول أعمالنا المزدحمة وإفراغ ما في رؤوسنا. ومع ذلك، فالسفر ليس مجرد هروب لكنه أيضًا تفاعل مع أشخاص جدد وثقافات جديدة.

ign: justify;">

لعل هذا هو السبب في أن اكتشاف شارع خفي أو بلدة صغيرة في إحدى المدن يجذب انتباهي دائمًا. أحب مراقبة التفاصيل المعمارية ومشاهدة أنماط حياة الناس في أماكن مختلفة. وهكذا، فكرت في زيارة قرية "جومالي قيزيق".. قرية عثمانية عمرها 700 عام في بورصة، العاصمة العثمانية السابقة. ونظرًا لضيق وقتي، فقد شققت طريقي إلى القرية في رحلةٍ ليوم واحد. مع أنني أوصي بشدة بقضاء المزيد من الوقت هنا عندما يكون الطقس جيداً. لا سيما عشاق التصوير، وأنا متأكدة أنك ستلتقط الكثير من اللقطات المثالية من ذلك المهرجان البصري الخلاب الذي تقدمه القرية للناظرين.

أنشأت قرية "جومالي قيزيق".. قرية عثمانية عمرها 700 عام" في القرن الثامن عشر الميلادي خلال الفترة المبكرة للإمبراطورية العثمانية. في تلك الحقبة، كانت كلمة "قيزيق" تستخدم لتعريف القرى، وهناك أربعة قرى أخرى في بورصة، تحمل نفس المصطلح، وهي "فيدي قيزيق"، و"ديري قيزيق"، و"حمام لي قيزيق"، و"ديرمينلي قيزيق".

عندما ركبتُ الحافلة الصغيرة من وسط مدينة بورصة للوصول إلى القرية التي تبعد 11 كم، اعتقدت أن الرحلة ستكون شاقةً، نظراً لأن الحافلة كانت مكتظة. لكن لحسن الحظ، استغرق الأمر 20 دقيقة فقط. وعندما توقفت الحافلة الصغيرة عند مدخل القرية، كان أول ما صادفته هو السكان المحليين الذين يبيعون بعض المنتجات منزلية الصنع، مثل المربيات وصلصة الطماطم والمخللات، وصناديق خشبية منقوشة يدوياً، بالاضافة إلى أساور وأقراط. كانوا جميعا يحاولون اجتذابي إلى أكشاكهم، وبدء بعض المحادثات، بابتسامة كبيرة على وجوههم. ثم غطّت أشجار القيقب القديمة بصري. بوقوفها شاهدةً على التاريخ، أضافت تلك الأشجار جوًا من القصص الخيالية إلى هذا المكان ولا زالت. وبعد المشي قليلاً، رأيت بعض الملصقات على الجدران لإعلام الناس أن القرية قد تم تسجيلها في قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 2014، فهي حقاً تعكس ولادة الإمبراطورية العثمانية في القرن الرابع عشر وأوائل القرن الخامس عشر.

واصلت السير في الشوارع المرصوفة بالحصى، مفتونة بالمنازل التقليدية ذات النوافذ البارزة أو نوافذ الخليج (وهي نوافذ مركبة تتألف من نافذة وسطى ثابتة من نافذتين جانبيتين بشكل مائل للتهوية). بنيت منازل القرية من الآجر والحجر والخشب، وهي بالفعل تعكس الطراز المعماري العثماني، وقد تم طلاؤها بألوان مختلفة. بعض المنازل تم تحويلها إلى مقاهي ومطاعم، وراح أصحابها يرحبون بي بحفاوة. رغم أنني كنت جائعةً، إلا أنني أردت التجول في هذا المكان الساحر واكتشاف القرية قبل أي شيء.

في طريقي إلى قلب القرية، قمت أولاً بزيارة متحف بيت "كوبيلي" التابع لجمعية بورصة يونسكو. وقد سمي المتحف على اسم زهور الفوشيه، المعروفة باسم زهرة "كوبة" باللغة التركية، وتدعى بزهرة "قرط السيدة" نظراً لشكلها الشبيه بالقرط. البيت متحف يعرض القطع التي تم إحضارها من بورصة وقراها. كان من الجيد رؤية هذه الأشياء ذات القيمة الثقافية هنا. وبعد المتحف، صادفت شارعًا يدعى "جن آرالي" ويعني اسمه "معبر الجن"، بدا الشارع ضيقًا لدرجة أن شخصًا واحدًا فقط يستطيع السير عبر طرقاته الجانبية. وسمعت أن الشارع تم بناؤه خلال الحروب العثمانية حتى يتمكن الناس من الهرب من هجمات العدو.

رغم أنني لم أمشِ كثيرًا، إلا أن الهواء النقي في القرية جعلني أشعر بالجوع. أخيرًا، لم أستطع تجاهل ثورة معدتي، فدخلت أحد المقاهي التي كانت منزلاً تقليدياً. وبمجرد دخولي، شعرت وكأنني عدت إلى العصر العثماني. لقد خلق التصميم الداخلي والطاولات والمجموعات الركنية ذات الأنماط التقليدية، جواً أصيلاً في المكان.

الإفطار التركي وأنواع مختلفة من "كوزلمه" وهو خبز رقيق تقليدي محشو بالبطاطا أو اللحم أو الباذنجان أو السبانخ، وما إلى ذلك، هي الأطعمة الشهيرة في القرية. طلبت اثنتين منها، ويجب أن أعترف أنني التهمتهما تماما. يتم بيع المنتجات محلية الصنع هنا، بما في ذلك حساء "الترهانة" والفواكه المجففة، و"البيكماز" الذي هو نوع من دبس الفاكهة.

بعد الانتهاء من الإفطار، استمتعت بفنجان من القهوة التركية وأجريت محادثة لطيفة مع صاحبة المقهى. أخبرتني أن هناك ما يقرب من 270 منزلًا تاريخيًا في القرية، ولكن 180 منها فقط مناسب للسكن. وذكرت أيضا أن "مهرجان التوت" يقام هنا كل يونيو.

بعد الإفطار، عدت إلى الطريق مجددًا لزيارة مناطق أخرى في القرية لا تقل جمالا عن سابقتها: مسجد "جومالي قيزيق"، ونافورة "زكية خاتون". هذه المباني في القرية، التي تنبعث منها رائحة التاريخ، هي من عصر الإمبراطورية العثمانية. لا يوجد تاريخ واضح لبناء مسجد القرية، كما أن بانيه ليس معروفاً، ولكن يقال إنه موجود في القرية منذ أكثر من 300 عام. أما نافورة "زكية خاتون" فقد بُنيت من الرخام الأبيض عام 1917 كعمل خيري.

إذا كنت مفتونًا بجمال القرى القديمة مثلي، وترغب في زيارة هذه القرية وقضاء ليلة هنا، فهناك بعض القصور الرائعة التي يمكنك الإقامة فيها. وفي زيارتك إلى هذا المكان الجميل، وقبل عودتك إلى بلدك، لا تنس شراء المنتجات الغذائية العضوية المصنوعة منزليًا من القرويين.

بقلم: إرم يشار