شريف ماردين.. عالم الاجتماع المتخصص في الإسلام الحديث

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 29.03.2019 17:10
من الأناضول (من الأناضول)

ولد شريف ماردين ونشأ في عائلة محترمة كان لها مساهمات في التعليم والحقوق، وقد وضع بصمة لا تمحى في التاريخ الأكاديمي من خلال مجموعة أعماله الكبيرة التي تبحث في دور الدين والثقافة في الفترة الانتقالية من الإمبراطورية العثمانية إلى الجمهورية.

هناك العديد من الأشياء المشتركة بين التاريخين التركي والغربي، إلى جانب بعض الاختلافات الحرجة بما في ذلك أن الأتراك لم يختبروا أبدًا نظاماً سياسياً مثل الإقطاع. لم يقلق السلاطين من أي بارونات ودوقات وما إلى ذلك. وقد تم قبول الأسرة الأرستقراطية الوحيدة كسلالة حاكمة، عند العثمانيين والسلاجقة. ولكن، حتى أفراد الأسر العثمانيين والسلاجقة لم يكن لديهم أي امتيازات أرستقراطية ضد السلطان الحاكم.

ومع ذلك، يقدم التاريخ التركي عائلات بارزة، معظمها لم يتمكن الاستمرار في مكانته في المدن الكلاسيكية التي نشأت منها. هؤلاء في الواقع هم الأوصياء على المدن والبلدات المحلية لأسباب عسكرية ومالية. علاوة على ذلك، كانت هناك أسر "الشريف". على الرغم من أن كلمة "شريف" تعني "نبيل" أو "عالي النسب" باللغة العربية، فإن استخدامها باللغة التركية يقتصر على المعنى الذي يشير إلى قرابة المرء مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم. كانت الكلمة التركية "أشراف" وهي جمع شريف، تمثل اللقب الرسمي الممنوح لبعض الأسر التي تم قبولها رسمياً على أنها من نسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد دفع لهم العثمانيون الأموال، من خلال مؤسسات، مقابل خدماتهم الاجتماعية. الواقع أن "الأشراف" عملوا على إضفاء الشرعية على النظام العثماني محليا.

تتذكر العديد من عائلات "الأشراف" ماضيها، لكن القليل منها فقط معترف به علناً. ربما، واحدة من أكثر أسر "الأشراف" شهرة هي عائلة ماردين. كان "أبو العلا ماردين" باحثاً قانونياً بارزاً، وهناك "عارف ماردين" المنتج الموسيقي الحائز على جائزة "غرامي"، من العائلة أيضًا. "بتول ماردين" هي أول مستشارة للعلاقات العامة في الأعمال المصرفية التركية. وشريف ماردين كان عالم الاجتماع التركي الأمريكي المعروف بأعماله في تركيا والإسلام.

النشأة المبكرة:

ولد شريف ماردين في إسطنبول عام 1927 لأبوين هما شمس الدين وريّا ماردين. كان أبوه "شمس الدين" سفيراً لتركيا، بينما كانت "ريّا" ابنة أحمد جودت، ناشر جريدة "إقدام".

درس شريف في الولايات المتحدة. وتخرج من المدرسة الثانوية في عام 1944، وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة ستانفورد في العلوم السياسية. أنهى درجة الماجستير في جامعة "جونز هوبكنز" عام 1950، وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة ستانفورد عام 1958. نشرت جامعة "برينستون" أطروحة الدكتوراه الخاصة به عام 1962 وهي بعنوان: "نشأة الفكر العثماني الشاب" واعتبرت مرجعاً معتمداً، ولسوء الحظ لم تترجم إلى اللغة التركية إلا في أواخر التسعينيات.

عالِم أمريكي النشأة:

بعد الانتهاء من الماجستير في الولايات المتحدة، شغل ماردين وظيفة في كلية العلوم السياسية في أنقرة التي تأسست تحت تأثير الأكاديميات الأمريكية. ومع ذلك، بعد فترة قصيرة، عاد إلى الولايات المتحدة وعمل في جامعات مختلفة بما في ذلك جامعة هارفارد وبرينستون.

عام 1961، عاد ماردين إلى أنقرة، وحصل على وظيفة دائمة في كلية العلوم السياسية. عمل هناك حتى عام 1973. وفي الوقت نفسه، أنتج أعماله المبكرة في علم اجتماع الدين. على عكس العديد من أقرانه، يميل شريف ماردين إلى استخدام نهج الفهم أكثر من نهج التفسير والتأويل، لمواضيع بحثه. وهذا الأسلوب وجّه مسار مصيره ليصبح مفكراً فيما بعد. لم تكن البيئة المحيطة بجامعة أنقرة داعمة له في محاولة فهم الجانب التقليدي للمجتمع والإسلام. كانوا متأكدين من أن الإسلام قد توفي، بينما كانت العلمانية هي الحقيقة. ومع ذلك، فقد زالت أسماؤهم ومحيت مع الوقت، بينما بقي اسم شريف ماردين كعلم من أعلام علم الاجتماع والدين والجماعات الدينية.

ليبرالية:

كان شريف ماردين، مثله مثل العديد من أقرانه، متحمساً للسياسة في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات. كتب العديد من المقالات السياسية للمنتدى، الذي كان صوت الليبراليين الأتراك. ودافع ماردين دائماً عن الفردية والليبرالية، وأدان ما أسماه "ضغوط الحي". اعتقد ماردين أن تطور تركيا يعتمد على الفردية والحصانة في الممتلكات الشخصية ضد تدخلات الدولة من أي نوع.

درس ماردين الفترة العثمانية وجمعيات العثمانيين الشباب وتركيا الفتاة (الأتراك الشباب) والحركات الإسلامية، وفق هذين الجانبين، سواءً ساعدت الفرد على إثرائه أو فقره، وما إذا كان هناك ضغط من المجتمع القريب وذو الصلات الوثيقة، التي أطلق عليه ماردين اسم "الحي".

كما اعتبر ماردين مصطفى كمال الذي كان ديكتاتوراً بالنسبة للكثيرين، ليبرالياً، لتفرده وفهمه الاقتصادي. في الواقع، لا يمكن اعتبار الفردية والليبرالية جزءاً من الإيديولوجية الكمالية. اقترح ماردين أن الفردية والحرية الشخصية جاءتا نتيجة للإصلاحات الكمالية، وهذا ما يحتاج إلى التحقق على أرض الواقع.

انتقل شريف ماردين إلى إسطنبول لتأسيس كلية العلوم الاقتصادية والسياسية بجامعة "بوغازتشي"، التي كانت كلية "روبرت" سابقاً، عام 1973. كانت جامعة "بوغازتشي" فرصة له لأنه وضع أفكاره كعميد مؤسس للكلية. كان يعمل في العديد من الجامعات ومراكز البحوث التركية والأمريكية بما في ذلك جامعات أنقرة، وبوغازتشي، وصابنجا وشهير، والجامعة الأمريكية في واشنطن العاصمة.

أنتج ماردين العشرات من المقالات، معظمها باللغة الإنجليزية، نشرت في مجلة العلوم الاجتماعية الأمريكية، وترجمت إلى التركية وتم جمعها في عدة مجلدات في تركيا.

ماردين مؤسس ورئيس جمعية العلوم الاجتماعية التركية. تم تكريمه مرتين، الأولى من جامعة الشرق الأوسط التقنية عام 1993، والثانية من أكاديمية العلوم التركية "توبا" عام 2016. وكان عضوا فخريا في "توبا". توفي "شريف ماردين" في 6 سبتمبر 2017 في إسطنبول.