رحلة مع الأزياء التركية.. من قلب آسيا الوسطى إلى الأناضول

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 03.04.2019 11:00
لوحة زيتية للأميرة الملكية فكتوريا في زي عثماني، رسم ويليام تشارلز روس لوحة زيتية للأميرة الملكية فكتوريا في زي عثماني، رسم ويليام تشارلز روس

الموضة هي مفهوم دائم التغير في القرن الحادي والعشرين، ولكن بالعودة إلى الماضي، كانت الموضة تمثل مظهراً من مظاهر الثقافة وأنماط حياة الناس، كما يتضح من نظرة على تاريخ الأزياء التركية.

ما هي الموضة؟ هل هي مجرد وسيلة للحماية من الطبيعة بالتستر؟ أم أنها ارتداء أحدث الصرعات؟

عندما بدأ البشر بالعيش في الكهوف لأول الأمر، لم يكن أمامهم الكثير من الخيارات، لقد اضطروا إلى صناعة الملابس من جلود وفراء الحيوانات التي كانوا يصطادونها. كان همهم الوحيد هو حماية أنفسهم من المناخ القاسي. ثم جاء عصر من عصور التاريخ، أصبحت فيه الأزياء أكثر من صناعة حياة، وأصبحت عنصراً رئيسيا يعبر عن الروح الحقيقية السائدة. إذا نظرت إلى تاريخ الأتراك، ستجد أمة كانت في يوم من الأيام بدوية أو مكونة من محاربين، لكنهم أسسوا فيما بعد واحدة من أعظم الإمبراطوريات في العالم، وبالتالي ولدت دولة حديثة من رمادها. إن الرحلة التاريخية للأتراك تكشف عن نفسها من خلال الأزياء.

أزياء الأتراك الرحل:

عندما كان الأتراك قبائل بدوية تعيش في آسيا الوسطى، عكس إحساسهم بالأزياء أسلوب حياتهم الذي كان يتطلب التنقل وكذلك الكفاءة في المعارك. تشير النقوش والمنمنمات التي تعود إلى العصر البدوي للأتراك، إلى أنهم استخدموا الجلود والصوف المأخوذ من الحيوانات، مثل الحملان والأبقار والحيوانات البرية بما في ذلك الدببة والثعالب. وكانوا يجمعون بين القمصان والسراويل الفضفاضة التي تسمى "شروال" مع السترة أو ما يسمى بـ"القفطان"، وتحتها حذاء من الجلد وحزام.

كما قام الأتراك بتبادل الحرير مع الصينيين، واستخدموا الحرير الملون لإضافة القليل من الهيبة لمظهرهم. ونظراً لأن الأتراك، من الذكور والإناث، كانوا أسياداً في ركوب الخيل، فإن ارتداء السراويل أمر لا بد منه ليكون الواحد منهم جاهزاً للمعركة في أي وقت.

مراعاة الناحية العملية، أمر لا بد منه:

بعد دخولهم الإسلام، بدأت الموضة التركية تتأثر بالفرس والعرب، ورغم أن أسلوب اللباس قد أخذوه من أمم أخرى، ظلت الحلي والتطريز التركي الفريد على حالها. عند قدومهم إلى الأناضول، واصل الأتراك التفاعل مع أشخاص جدد، وتضاريس الأرض التي تطلبت تكييف الأزياء. ومع ذلك، لم ينس السلاجقة، الذين تأثروا في الغالب بالأسلوب الفارسي، ولا العثمانيون الذين كانوا تحت تأثير العرب، الملابس المريحة والعملية التي كانوا يرتدونها في موطنهم الأصلي في آسيا الوسطى.

الأزياء علامة دالة على الوضع الاجتماعي:

حتى القرن السابع عشر، كانت الأزياء العثمانية لا تحمل أي تمييز. بالنسبة للعثمانيين، كانت الملابس علامة على الوضع الاجتماعي. وبصرف النظر عن نسيج الملابس، كان اللون الذي يرتديه الشخص حاسما أيضا. على سبيل المثال، تم حظر عامة الناس من استخدام النسيج والألوان التي كان يرتديها أعضاء المحكمة العثمانية. أيضا، لم تكن كل الملابس ملائمة لكل مناسبة، كان الزمان والمكان مفتاح مهم، أثناء تنظيم خزانة الملابس.

ومع ذلك، كان اللون الأسود هو اللون الوحيد الذي لم يرغب العثمانيون أن يظهروا به بين الناس في ملابسهم. وقال "أوغير جيزيلين" الذي شغل منصب المبعوث النمساوي لدى العثمانيين في القرن السادس عشر، أن العثمانيين كرهوا اللون الأسود لأنه يذكّرهم بالحزن والكوارث، وفضلوا اللون الأخضر الداكن بدلاً عنه.

كانت ملابس النساء العثمانيات الملونة والمسترخية، تغري النساء الأوروبيات اللواتي حُبسن في الكورسيهات والفساتين الضيقة، مما يجعل السير فيها مستحيلاً. كانت السيدة "ماري وورتلي مونتاغو"، الأرستقراطية الإنجليزية والكاتبة والشاعرة التي أمضت سنوات عديدة في الإمبراطورية العثمانية، مفتونةً بالأزياء العثمانية. في رسائلها التي ألقت الضوء على الحياة العثمانية في القرن الثامن عشر، وصفت ملابس السلطانة "حفيظة" وكانت محظية لدى السلطان العثماني آنذاك: "... لباسها كان غنيًا بشكل مدهش، لدرجة أنني لا أستطيع أن أصفه لك. لقد ارتدت سترة تُسمى دونالما، وهي تختلف عن القفطان، بأكمامها الطويلة ومثنّاة في الأسفل. كانت من القماش الأرجواني، منسدلة على جسدها ولها سماكة من القماش من كل جانب، وصولاً إلى قدميها، وكذلك حول الأكمام، مع لآلئ من أنفس ما يكون بنفس حجم أزرارها".

وأصبح التقاط الصور بالملابس العثمانية أمراً مرغوباً، ليس فقط للنساء الأوروبيات اللائي يسافرن في الأراضي العثمانية، ولكن أيضاً للأشخاص الذين يعيشون في جميع أنحاء أوروبا.

بحلول القرن الثامن عشر، كانت الإمبراطورية العثمانية تتحول إلى دولة أكثر حداثة، من الرأس إلى أخمص القدمين، بما في ذلك الأزياء. وبالرغم من أن ملابس النساء لم تتأثر بشكل مباشر بهذا التحديث، إلا أن السلاطين العثمانيين والضباط توقفوا عن ارتداء القفطان والشروال، واستبدلوها بالسراويل والسترات، ومعظمها كان على الطراز العسكري.

العصر الجمهوري:

تغيرت ملابس الرجال بشكل كبير خلال عهد السلطان محمود الثاني في القرن التاسع عشر. ترك العثمانيون طرابيشهم والشروال، وارتدوا البنطلون على الطراز الأوروبي. بالنسبة للنساء، تغير كل شيء مع تأسيس جمهورية تركيا عام 1923. أصبحت المرأة التركية جزءاً لا ينفصل من الحياة الاجتماعية العامة، وبدأت في ارتداء ملابس ذات طابع عملي وأوروبي أكثر، مما سمح لهن بالتنقل. لكن التغيير لم يكن مفاجئاً.

مع التأثير الأوروبي، بدأت النساء بارتداء ملابس خارجية معبرة، بألوان كانت مقيدة في الماضي. كما بدأن في ارتداء نوع جديد من الملابس في الشارع "الشرشف"، بدلا من الرداء التقليدي "العباءة". الحجاب الذي كان شفافاً تم استبداله بالكامل بمظلة تستخدم لإخفاء الوجه، لأن النساء كنّ جزءاً كبيراً من القوى العاملة بعد الحرب. ومع ذلك، بمرور الوقت، خاصة في المدن الكبرى مثل إسطنبول وإزمير، عكست النساء روح العصر من خلال شعرهن القصير وفساتينهن ذات الزعانف، والمعاطف ذات الياقات المصنوعة من الفراء، وحقائب اليد الفاخرة والأزياء الفاتنة.

بحلول ستينيات القرن الماضي، بدأ استبدال تفصيل الملابس عند الخياطين الذي ساد في الماضي، بصناعة الملابس الجاهزة.

سابقاً، كان لكل بلد أسلوبه الخاص في ملابس الرجال والنساء، لكن ما نرتديه اليوم هو نفس ما يرتديه الأشخاص الذين يعيشون في كوريا أو البرازيل. لقد حولت العولمة صناعة الأزياء بأكملها، إلى نمط "نسخ لصق". لا نعرف إذا كان هذا أمراً جيداً أم لا. الوقت وحده هو من سيخبرنا بالجواب.