حمد الله صبحي تانري أوفر.. من رجالات تركيا الكبار

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 18.06.2019 13:14
حمد الله صبحي تانري أوفر.. كان له دور كبير في كتابة النشيد الوطني التركي. حمد الله صبحي تانري أوفر.. كان له دور كبير في كتابة النشيد الوطني التركي.

شاعر بطبيعته، وعضو في البرلمان لعقود من الزمان، وناشط في المؤسسات الوطنية مثل جمعية "الموقد التركي" (Türk Ocakları)، حمد الله صبحي تانري أوفر باق في الذاكرة الوطنية باعتباره الرجل وراء النشيد الوطني التركي.

هناك اثنان من رجالات التعليم هما: "سعدي بيك"، مدير دار المعلمين في أواخر العهد العثماني، الذي لعب دوراً حاسماً في تأسيس النظم التعليمية الحديثة في العراق وسوريا، و"حسن علي يوجيل"، وزير التعليم في فترة الحرب العالمية الثانية، يعود لهما الفضل لجهودهما في إرساء فهم جديد للتعليم في تركيا.

يُعتبر "سعدي بيك" مؤسس مبادئ التعليم الحديث في تركيا، بينما يُشار إلى "يوجيل" عموماً على أنه البادئ بما يسمى "السياسة الثقافية الإنسانية". مع ذلك، هناك سياسي ثالث لعب دوراً تاريخياً خلال حرب الاستقلال كوزير للتعليم في حكومة أنقرة هو "حمد الله صبحي تانري أوفر". ساعد "تانري أوفر"، على الرغم من أنه عمل لمدة أقل من 22 شهراً في منصب وزير التعليم، على كتابة نشيد "الاستقلال"، النشيد الوطني التركي الذي كتبه محمد عاكف أرسوي، أعظم شاعر في العصر العثماني وأوائل الجمهورية، وقبول الجمعية الوطنية الكبرى به رسميا في 12 مارس 1921.

ولد "حمد الله صبحي تانري أوفر" عام 1885 في قصر فاخر في حي "هورهور" في إسطنبول القديمة، وأبوه كان عبد اللطيف صبحي باشا، وهو بيروقراطي رفيع المستوى عمل وزيراً لأربع حقائب مختلفة. وكان "عبد اللطيف صبحي باشا" أول أخصائي تركي بالنقد الأدبي. أما عمه، الكاتب "سامي باشا زادة سيزاي" فكان من أوائل الروائيين الواقعيين في الأدب التركي. إلى جانب ذلك، تولى جده عبد الرحمن سامي باشا منصب الصدر الأعظم في القرن التاسع عشر. إذ كان هو الوزير المؤسس للتعليم العام، وظل في منصبه من 1857 حتى 1861.

ومن المثير للاهتمام أن السيدة "أُلفت حوا"، والدة حمد الله صبحي، كانت جاريةً شركسية قبل أن تتزوج من عبد اللطيف صبحي. إذ كان شائعاً في القرن 19 أن يتزوج البيروقراطيون العثمانيون رفيعو المستوى من الجواري.

أمر آخر مثير للفضول حول "حمد الله صبحي تانري أوفر" وهو أن لقبه "تانري أوفر" الذي يعنى "مدح الله" باللغة التركية هو ذات المعنى لاسمه الأول "حمد الله"، والذي هو من أصل عربي.

فتى رفيع الثقافة:

كان قصر سامي باشا عند ضواحي تلة "تشامليجة"، يمثل عنوان اللقاءات الأدبية للعديد من الكتاب العثمانيين البارزين. وكان الجد سامي باشا وزيراً ثرياً له ثلاث زوجات و14 طفلاً، لذلك اشترى قصراً يضم 60 غرفة. كان يحب الحياة الرفيعة والثقافة الغنية، وكان يستضيف الشخصيات الفكرية في عصره في ذلك القصر.

تلقى حمد الله صبحي تعليمه لأول مرة في مدارس "ألتون زادة" و"نومونة ترقي". ثم تخرج من مدرسة غلاطة سراي سلطاني -المدرسة الثانوية- عام 1904. ومثل العديد من أقرانه، بدأ حمد الله كتابة الشعر خلال سنوات دراسته الثانوية. نُشرت إحدى قصائده حول نامق كمال، الشاعر الكبير في فترة التنظيمات، في دورية "مجلس الشعب" الصادرة في في باريس، والتي كانت إحدى جرائد الدعاية لجمعية "تركيا الفتاة"، بما في ذلك عمه حمد الله سيزاي. وفي عام 1902 بلغ حمد الله في حب الشعر الملحمي لنامق كمال مبلغاً كبيراً وراح يقلده كثيراً في قصائده الخاصة.

الحياة البيروقراطية:

تماماً مثل والده وجده، بدأ "تانري أوفر" أيضاً في العمل موظفاً في الدولة. فعمل مترجماً في قسم الجمارك والمصادرة، وأيضاً في بلدية إسطنبول لفترة من الوقت قبل أن يختار أن يصبح مدرساً. قام بتدريس المراسلات والحضارة والفرنسية في مدرسة آيا صوفيا روشتيسي الثانوية، وعلّم منهجية التدريس واللغة العثمانية في دار المعلمين، وكذلك الأدب التركي ومنهجية التدريس وعلم الجماليات التركي الإسلامي في دار الفنون -جامعة إسطنبول. وقد بدأ مشروع "تانري أوفر" الشخصي بانتسابه إلى حركة الأدب الوطني. وانخرط في السياسة القومية ضد الإصدارات الغربية والإسلامية، وشارك في أنشطة المؤسسات القومية مثل الجمعية التركية، والجمعية الوطنية التركية، وجمعية الموقد التركية وهي منظمة غير حكومية تأسست كلجنة وطنية تركية، وجمعية المعرفة التركية. عام 1913، زار"تانري أوفر" بطرسبورغ كعضو في اللجنة العثمانية التي عملت على الحفاظ على أدرنة وتراسيا كأرض عثمانية بعد حرب البلقان.

وزير التربية:

اكتسب "تانري أوفر" شعبية من خلال خطبه في الاحتجاجات ضد الغزو اليوناني لإزمير في مايو 1919. دخل البرلمان العثماني ممثلاً عن لولاية ساروحان (باليكسير). ثم عبر سراً إلى الأناضول للانضمام إلى النضال الوطني بعد دخول قوات دول التحالف إسطنبول. وكان عضواً في الجمعية الوطنية الكبرى. بعد ذلك بوقت قصير، تم تعيينه وزيراً للتعليم. وفي عام 1921، لعب دوره التاريخي في مساعدة النشيد الوطني التركي على أن يظهر للوجود ثم يصادق عليه البرلمان. وبعد حرب الاستقلال، حافظ تانري أوفر على منصبه كعضو في البرلمان لبعض الفترات المتتالية. وكان السفير التركي في بوخارست خلال فترة الثلاثينيات من القرن الماضي.

غادر حزب الشعب الجمهوري بعد عام 1950، ودخل البرلمان مرتين عن الحزب الديمقراطي. تقاعد من السياسة بعد أن خسر الانتخابات كمرشح للبرلمان عن حزب الحرية عام 1957. عاش بقية حياته في قصر صبحي باشا في حي "هورهور". وتوفي في 19 يونيو 1966.

حمد الله صبحي تانري أوفر هو مؤسس متحف الإثنوغرافيا (وصف الأعراق البشرية). وهو مسؤول أيضاً عن إحياء جمعية "الموقد التركي" خلال العهد الجمهوري. وقد ترأس هذه الجمعية حتى عام 1932 وجعلها أكبر منظمة غير حكومية تضم 230 فرعاً في جميع أنحاء تركيا. كعضو في حركة "الفجر الآتي" في شبابه، لم يترك "تانري أوفر" الكتابة أبداً.

جُمعت كتاباته وخطبه في مجلدات مختلفة. كما قام بنشر مذكراته حول حرب الاستقلال.

بقلم هاكان أرسلانبنزر