مهر خاتون شاعرة عثمانية رائدة من القرن الخامس عشر

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 09.07.2019 15:29
الصفحة الأولى من ديوان الشاعرة مهر خاتون الصفحة الأولى من ديوان الشاعرة مهر خاتون

وُلدت مهر خاتون في القرن الخامس عشر في عهد الإمبراطورية العثمانية، في ولاية أماسيا، وكانت شاعرة موهوبة، اشتهرت بجمالها ورومانسيتها، لكنها أمضت حياتها عزباء في مجتمع محافظ.

لم يكن من الشائع تواجد النساء في اجتماعات البلاط العثماني، رغم أن السلطانات حكمن أو ساعدن في حكم الدولة خلال القرن السابع عشر. إذ تقضي التقاليد الخاصة بالبلاط العثماني أن يلتقي مسؤولو الدولة والهيئات من الرجال فقط، في حضرة السلطان. وكان المألوف في ذلك العصر، أن مكان المرأة في المنزل، وأن تخرج النساء فقط في المناسبات الخاصة، مثل مناسبات التسوق والزيارات العائلية وحفلات الزفاف.

مع ذلك، مزجت للحياة العامة العثمانية بين التقاليد الإسلامية ونمط الحياة التركي التقليدي، فلم تكن المرأة سلبية تماماً. في الواقع، كانت النساء يترددن على الأماكن العامة، بشكل أو بآخر، ويشاركن في الشؤون الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. أما بالنسبة للمهن الأدبية، فقد ورد ذكر أكثر من 50 شاعرة عثمانية، أي 5 في المائة من شعراء العصر العثماني كنَّ من النساء! بالرغم من ندرة التعليم آنذاك، وجود شاعرة تركية إبان الحكم العثماني يعني أنها لم تكن أمية وهو امتياز في ذلك العصر حتى بالنسبة للرجال. بدءاً من زينب خاتون ومهر خاتون في القرن الخامس عشر، كان البلاط العثماني يستضيف شاعرات من النساء من حين لآخر.

شاعرة المديح:

وُلدت مهر خاتون في أماسيا، التي كانت وقتئذ مقر السلطنة العثمانية، وصادف مولدها في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، وقت صعود وازدياد القوة العثمانية. التاريخ الدقيق لميلادها غير معروف، رغم وجود تكهنات بأنها ولدت في وقت ما بين عامي 1456 و1460. ووفقاً لروايتها الشخصية، هي ابنة "حسن أماسياوي"، قاضي أماسيا. الذي كان شاعراً أيضاً. وجدها هو "السيد إلياس شجاع الدين"، من شيوخ الطريقة الصوفية، توفي عام 1410.

"أولياء جلبي"، الكاتب والرحالة العثماني الشهير، ذكر في مؤلفاته أن اسم مهر الحقيقي كان "مهرماه" وأنها استخدمت اسم "مهر" كاسم مستعار في قصائدها. بينما ورد ذكرها في المؤلفات العثمانية الأخرى على أنها كانت شاعرةً معروفةً فقط. لكن اسمها ورد بالإجماع، بأنها شخصية حضرت بالفعل الاجتماعات الأدبية التي أقيمت في البلاط السلطاني في أماسيا. خلال حياة مهر، قضى بايزيد الثاني، ابن محمد الفاتح الثاني، وأحمد بن بايزيد الثاني الذي لم يتوج قط، بعض الوقت في أماسيا كحاكمين.

أشار كتّاب السيرة العثمانية إلى وجود علاقة غرامية بين مهر خاتون وإسكندر، ابن سنان باشا، الأمر الذي يفسر تواتر اسمه بشكل كبير في قصائدها. ويشير "عاشق جلبي"، وهو قاضي من القرن السادس عشر اشتهر في مجموعته التي تتناول السير الذاتية لأعلام الأدب، إلى أنها كانت على علاقة أخرى بـ "عبد الرحمن أفندي"، وهو أيضاً شاعر عُرف باسم "حاتمي".

وُصفت مهر خاتون بالسيدة الجميلة، وكثير من كتّاب سيرتها امتدحوا حشمتها. ومع ذلك، هناك بعض الآثار التي تتناول شائعات حبها، والتي ليس عليها أي دليل ملموس. من ناحية أخرى، لم تتزوج مهر خاتون ولم تنجب أبداً، وهو أمر غير اعتيادي بالنسبة لمجتمع عثماني محلي، مثل مجتمع أماسيا. في الواقع، كان هناك بعض الأقاويل والشائعات فيما يتعلق بحياتها الخاصة. وقد حاول "عاشق جلبي" وقف الشائعات التي دارت حولها بقوله: "رغم أن مهر خاتون سيدة جميلة للغاية، إلا أنها لم تتزوج أحداً ولم تنجب طفلاً. لقد وُلدت عذراء، وماتت عذراء".

شاعرة من أسرة نبيلة:

كانت مهر متعلمة تعليماً جيداً، وذلك يعود إلى مكانة عائلتها البارزة في ولاية أماسيا. كانت تتقن شيئاً من اللغة العربية والفارسية، كما قرأت أيضاً العديد من الأعمال الأدبية الرائجة في عصرها. ومع ذلك، فإن قصائدها كُتبت باللغة التركية البسيطة، ويمكن لأي محبٍ للشعر أن يفهمها.

على الرغم من أن والدها كان قاضياً، وجدها شيخاً، إلا أن قصائد مهر ليست متشددة، وتعكس في الغالب المودة بشكل صريحٍ، تجاه حبيبها الذكر. لم يكن منهجها ذاك جهلاً منها، لأنها حصلت على تعليم ديني كافٍ من والدها، الذي كان يمثل السلطة الدينية في الولاية. لكن نمط شعر مهر، المحب للحياة، كان محض اختيارها.

يذكر "أولياء جلبي" أن مهر خاتون كتبت بعض الأعمال الأدبية الموجزة عن الشريعة والأخلاق، لكنها لم تُحفظ إلى وقتنا الحالي. لكن المحققين المعاصرين يعتقدون أن "أولياء جلبي" كان مبالغاً بهذا القول أو لعله أطلق هذا الرأي كمزحة منذ البداية. ولعله افترض أنه كان ينبغي على مهر أن تكتب عن المسائل الدينية بناءاً على معرفتها التي اكتسبتها من والدها، أو أنه كان يحاول إنقاذ مهر من الشائعات المعيبة التي نسجت ضدها. الشيء الوحيد الذي يمكننا قوله هو أن عمل مهر الأدبي الوحيد الذي نجا حتى اليوم هو ديوانها الذي ليس فيه سوى الشعر.

شاعرة غنائية:

اتصفت قصائد مهر خاتون بالطاقة والفكاهة والحب والذكاء. على عكس أقرانها من الشعراء الذكور، فإنها نادراً ما عكست معرفتها الواسعة على صفحة أعمالها. شخصيتها دنيوية ومحبة ودافئة، بينما اختار الشعراء الآخرون تصوير أنفسهم على أنهم شخصيات فكرية تعرف كل شيء. تأثرت قصائد مهر أيضاً بـ"نجاتي بيغ"، أفضل شاعر غنائي في القرن الخامس عشر. حيث أحب "نجاتي" إظهار موهبته من خلال العبارات وليس الأفكار. قصائده كانت مليئةً بالحركة، وهو يعكس الحياة اليومية ويستخدم العديد من العبارات الشائعة.

واصلت مهر بث البهجة والطاقة كما تعلمت من أستاذها "نجاتي" بطريقة أكثر حيوية. وينتقد بعض كتّاب سيرتها ما أسموه "تعبيرات حميمة" مما ورد في قصائدها، لأنها تدل على بعض المشاعر الجسدية. رغم أن تلك التعبيرات لم تكن مثيرةً بالمعنى الحديث، إلا أن مهر خاتون لم تخجل من إظهار أنوثتها.

توفيت مهر خاتون في العقد الأول من القرن السادس عشر. وبعد قرون، أطلق الاتحاد الدولي لعلم الفلك تسمية حفرة على كوكب الزهرة على اسم مهر. واستخدموا لقب "خاتون"، في إشارة إلى الشاعرة العثمانية الكلاسيكية.

كما قامت شركة مجوهرات أوروبية بتسمية قطعة خاصة فريدة باسم الشاعرة مهر خاتون، ونقشت أحد أبيات الشاعرة خلف القطعة وتقول فيه: "منحتك قلبي من النظرة الأولى".