صفحة جديدة في العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا

إسطنبول
نشر في 24.05.2022 14:07
آخر تحديث في 24.05.2022 14:46
صفحة جديدة في العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا

بالرغم من تدهور العلاقات السياسية بين مصر وتركيا بعد الانقلاب العسكري على "محمد مرسي" أول رئيس منتخب في البلاد عام 2013، إلا أن العلاقات الاقتصادية ظلت متواصلة بل وتطورت خلال السنوات القليلة الماضية.

فالعلاقات، بعد تسع سنوات من القطيعة، في طريقها إلى التحسن، بعدما أعلن وزير الخزانة والمالية التركي نور الدين نباتي توجهه إلى مصر الشهر المقبل للمشاركة في اجتماع البنك الإسلامي للتنمية، في زيارة هي الأولى من نوعها على المستوى الوزراي منذ عام 2013.

ويرى خبراء الاقتصاد أن اللهجة التي يتبناها الوزير التركي من الممكن أن تمهد الطريق لعلاقات اقتصادية أقوى من ذي قبل، في وقت تحتاج فيه الدول النامية إلى التعاون لحماية نفسها من الأزمات الاقتصادية التي تجتاح العالم.

وفي لقاء مع "ديلي صباح"، أكد أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر أحمد ذكر الله، أن الزيارات الثنائية بين مصر وتركيا لم تتوقف في السنوات الماضية، لافتاً إلى أن وزير الخارجية المصري سامح شكري شارك من قبل في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في تركيا، على غرار الزيارة المرتقبة لوزير المالية التركي.

وشدد ذكر الله أنه لا يجب الاستهانة بهذه الخطوة، فهي مرحلة هامة في تطبيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

من جانبه يرى الاقتصادي المصري مصطفى عبد السلام، أن زيارة وزير المالية التركي إلى مصر مؤشر إيجابي للغاية بالنسبة للتطورات القادمة، أبرزها فتح باب المصالحة السياسية بين البلدين.

وأضاف في حديثه مع "ديلي صباح"، أنه إذا تمت المصالحة، فلن تساهم في تطوير العلاقات الاقتصادية فحسب، بل أيضاً التجارية والسياحية، في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها جميع دول العالم.

وأردف: "دول ناشئة مثل مصر وتركيا تواجه حاليا أزمات مثل الوقود والغاز وزيادة أسعار المواد الغذائية، إلى جانب التضخم المرتفع الذي يجتاح العالم".

وقال عبد السلام: "مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يتبع اتجاهاً نحو زيادة أسعار الفائدة وبالتالي سحب الأموال والاستثمارات غير المباشرة من الأسواق الناشئة مثل مصر وتركيا"، مشيراً إلى مدى أهمية زيارة الوزير التركي إلى القاهرة، التي ستتيح الفرصة لبحث إمكانية التعاون بين الجانبيين، وإيجاد نقاط تقارب جديدة.

وبحسب كل من ذكر الله وعبد السلام، لم تتأثر التجارة الثنائية بالأجواء السياسية، بل إنها في الواقع ارتفعت كما أثبتت الأرقام الرسمية.

وأكد ذكر الله أن تركيا أصبحت المستورد الأول للبضائع المصرية خاصة البتروكيماويات بحسب البيانات التي قدمتها بلاده، وفي الوقت نفسه تجاوزت الصادرات التركية إلى مصر 21 مليار دولار (333.5 مليار ليرة تركية) في الفترة ما بين 2014 إلى 2021.

وعلى الجانب الآخر أوضح ذكر الله أن مصر دولة مستورة لمعظم احتياجاتها سواء السلع الزراعية أو الغذائية أو المصنعة، مشيرًا إلى أن المنتجات التركية أصبحت الآن بدائل جيدة للمنتجات الصينية كونها عالية الجودة ويمكن نقلها بتكلفة فعالة، بعد الزيادة الكبيرة في أسعار الشحن في آسيا في فترة ما بعد الجائحة.

وقال الخبير الاقتصادي: "مصر تدرك هذا الأمر جيداً، بالإضافة إلى حقيقة أخرى وهي أن المنتج التركي يحظى بشعبية كبيرة في مصر".

ووقعت كلاً من القاهرة وأنقرة اتفاقية التجارة الحرة (FTA) في عام 2005 ودخلت حيز التنفيذ في عام 2007 ولا تزال سارية بين البلدين.

وتضاعف إجمالي حجم التجارة بين البلدين ثلاث مرات تقريبًا بين عامي 2007 و2020 ، مما يدل على أن كلا البلدين بذل مجهوداً كبيراً في حماية تبادلاتهما الاقتصادية بعيداً الخلافات السياسية.

وأشار ذكر الله إلى وجود عدد كبير من شركات النسيج التركية العاملة في منطقة برج العرب بالإسكندرية ومناطق أخرى، مما يوفر فرص عمل كبيرة للمصريين تقدر بأكثر من نصف مليون.

وأضاف عبد السلام، أن هناك أنباء عن خطط شركات تركية لزيادة استثماراتها في مصر إلى 15 مليار دولار، وزيادة حجم التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار سنويا.

وأكد حرص مصر على زيادة الصادرات إلى تركيا، لأن الصادرات هي أكبر مصدر للنقد الأجنبي في البلاد، مشيراً إلى أن الإيرادات السنوية من الصادرات تتجاوز 32 مليار دولار وهو مبلغ مهم للميزانية المصرية.

من ناحية أخرى، قال إن تركيا تريد زيادة صادراتها أيضاً، ومصر هي بوابة للأسواق العربية والأفريقية.

التعاون في شرق المتوسط:

وقال ذكر الله إن كلا من مصر وتركيا تدركان أهمية الثقل الجغرافي الاستراتيجي لبعضهما البعض، وبالتالي هناك جهد كبير للعودة إلى تطبيع العلاقات والباب الاقتصادي كان الخيار الأفضل.

وأشار ذكر الله وعبد السلام إلى أن من أهم مجالات التعاون المحتمل منطقة شرق المتوسط.

وقال ذكر الله: "قضية غاز شرق البحر المتوسط تظل الأهم بالنسبة لمصر وتركيا، وأعتقد أن البلدين يسعيان جاهدين لإيجاد تفاهمات مشتركة".

وأكد أن التقارب بين البلدين يمكن أن يوفر نقطة انطلاق مشتركة للسعي التركي لخفض فاتورة الغاز نتيجة إنتاج الطاقة من شرق البحر المتوسط والسعي المصري لأن تكون مركزاً للطاقة في المنطقة.

من جهته لفت عبد السلام إلى إمكانية التعاون في إنشاء خط أنابيب مشترك بحيث تصدر مصر الغاز إلى أوروبا، مشيراً إلى أنه ستكون هناك أيضاً فرص تعاون كبيرة في مجال التنقيب في شرق البحر المتوسط وترسيم الحدود.

وفي نوفمبر 2019، وقعت تركيا وليبيا اتفاقا لترسيم الحدود البحرية يوفر إطارا قانونيا لمنع أي أمر واقع من دول المنطقة. وبناء على ذلك، تم تفادي محاولات الحكومة اليونانية للاستيلاء على أجزاء شاسعة من الجرف القاري الليبي.

ووفق الاتفاق، فإن تركيا وليبيا دولتان مجاورتان بحريتان، يبدأ ترسيم الحدود من فتحية - مرماريس - كاش على الساحل الجنوبي الغربي لتركيا ويمتد حتى ساحل درنة - طبرق - بورديا في ليبيا.

بالمقابل ورداً على ذلك، وقعت مصر واليونان اتفاقية في أغسطس 2020 تحدد منطقة اقتصادية خالصة (EEZ) في شرق البحر المتوسط بين البلدين.

وسلط عبد السلام الضوء على أهمية اتفاقية الخط الملاحي التي تم توقيعها في أنقرة عام 2012، والتي تهدف إلى تسهيل نقل الصادرات بين البلدين، واستخدام الموانئ المصرية لنقل الصادرات التركية إلى دول مجلس التعاون الخليجي.

وأشار إلى أنها حققت نجاحا كبيرا في البداية، إلا أن الخلافات السياسية بين البلدين أوقفتها.

وأكد الاقتصادي المصري أن تركيا بحاجة إلى استعادة هذا الخط، خاصة بعد استعادة علاقتها مع دول الخليج. في المقابل تحتاج مصر إلى هذه الاتفاقية لزيادة صادراتها بسبب حاجتها للنقد الأجنبي.

بداية الأزمة السياسية:

في أعقاب الاضطرابات السياسية في مصر بعد الإطاحة بمرسي عام 2013، أكدت أنقرة أنه لا يمكن عزل رئيس منتخب ديمقراطياً عن طريق انقلاب عسكري، وبالتالي أعربت عن انتقادها للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي وداعميه، بما في ذلك الغرب وبعض خصوم أنقرة في منطقة الخليج.

من ناحية أخرى، حثت الحكومة المصرية تركيا على عدم التدخل في قضية تعتبرها من شؤونها الداخلية، وأدى الخلاف إلى طريق مسدود في العلاقات الثنائية لسنوات عديدة.

وبعد سنوات من التوترات، تعمل تركيا على إصلاح علاقاتها المتوترة مع القوى الإقليمية، بما في ذلك مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.