ليلى والذئب.. قصة طبيعة بشرية؟؟

سميحة خليفة
اسطنبول
نشر في 22.12.2016 00:00
آخر تحديث في 12.07.2017 17:25

ما زال الإنسان يطارد أخاه الإنسان من مكان إلى مكان.. ما زال يرغب في أن يجعل منه فريسة لسبب أولآخر.. ما زالت وستظل الحسابات القديمة العالقة عالقة، حتى إن وجد الحطاب الذئب الماكر الذي ابتلع ليلى، وأخرجها منه. لأن القضية ليست في ابتلاع ليلى فقط إنما في الجوع الدائم الذي يشعر به الذئب.

أثناء تصفحي لبعض المواقع الإلكترونية، قرأت أنه في شهر تموز من عام 1932 ومن مدينة بوتسدام الألمانية، اختار العالم الفيزيائي ألبرت أنشتاين نظيره الفيلسوف سيغموند فرويد لمناقشة موضوع المرض المزمن "الحرب". وقد مال أينشتاين في اختياره لفرويد لأنه الشخص الشجاع، المتفتح للمواجهة والموضوعي في تحليلاته. والتاريخ المذكور كان شاهدا على إرسال الفيزيائي رسالة للثاني يطرح فيها موضوع الصراع القائم بين الأطراف، علنا نلخص ما جاء بين سطوره فيما يلي:

ـ أولا، ما هي الدوافع الأساسية بل الحقيقية لاندلاع الحروب ومن ثم غرق الأمم، خلال سنوات لا تحصى، في صراعات حول السلطة، وحول الحدود الجغرافية وـ دون جدال ـ حول المذاهب المتبعة.

ـ ثانيا، كيف يمكن للأنسان، كونه الأساس في قيام المجتمعات أواضمحلالها، أن يضع نهاية لهذه الأزمات والصراعات التي تنتهي دائما ـ دون خيار ثان- بالدمار.

وفي شهر أيلول من نفس العام، وقبل أن يتجه فرويد في رحلة من عاصمة النمسا إلى لندن، دوّن بعض الملاحظات كرد على رسالة أينشتاين. هل كان رده كافيا؟ هل توقف العالم عن اللجوء إلى العنف بعد تحليله النفسي لشخصية الإنسان وميوله الفطرية إلى الشر وحبه لارتكاب الجريمة؟

لا النظرية النسبية التي أتى بها أينشتاين، ولا الديناميكية النفسية التي تحدث عنها فرويد قد نجحتا في الحد من نسبة الحروب المتضاعفة حتى اليوم. والدليل على ذلك أننا على مشارف 2017 ما زلنا نعيش بمشاعر مضغوطة، مغلوطة، ثابتة حينا ومنهزمة أحيانا كثيرة، وذلك من كثرة الحروب وشدتها حولنا.. من كثرة الجريمة التي ضلت طريقها عن نقطة النهاية.. ومن كثرة الألم الذي صار نوعا من الموضة؛ فقد نكون من عصر آخر إن لم نتألم.

صرنا ضائعين؛ لا نعرف أي أرض نبكي وأي شعب نغيث.. ترانا نثور من أماكننا بسبب خبر انفجار قوي يأتينا من اليمن، نبكي صور الأطفال التي تأتينا من سوريا، نندب حظ الشعب السوداني المنقسم، نود لو نبعد الطيور الجارحة المتقاتلة على جثث قوّس الجوع ظهورها في الصومال. نتمنى لو نمد أيادينا عبر الشاشات لإبعاد الذباب عن وجوه إفريقية بريئة شاخ إحساسها رغم كونها بعمر الطفولة. نرغب لو نحتضن كل أبناء بورما، أن نجعل منهم أبناء لنا، فنخرج بهم من الثورة المستمرة في داخلهم إلى أي مكان آخر، إلى أي متسع يقدم لهم حياة جديدة وفسحة أمل جديدة.

وعندما تعود إلى ذاكرتي إحدى المقولات المشهورة للشاعر التشيلي بابلو نيرودا التي يقول فيها: "يموت ببطء من لا يسافر، من لا يقرأ، من لا يسمع الموسيقى، من لا يعرف كيف يجد شيئا بفضل عينيه".

يعود إلى خاطري مرة أخرى أولئك الذين تهز الحروب الأتربة تحت أقدامهم، أفكر في الذين كانوا ينامون على حلم جميل لغد سعيد، غد أفضل يصنعونه بأيديهم ويصبغونه بألوان يختارونها من طفولة جميلة خزنتها الذاكرة. إلا أنهم فجأة يستيقظون على شيء آخر، على دمار شامل وأطلال حديثة العهد في كل مكان، في المدن البعيدة والقرى المجاورة وحتى في الحدائق الخلفية لمنازلهم. يستيقظون على تراب يغطي ثيابهم ويلون أهدابهم ويغير طعم الحياة في أفواههم. يستيقظون دون حلم، وببساطة أكثر يستيقظون ليجدوا أنفسهم في صراع دائم مع الطرف الآخر لا لشيء إلا للبقاء على قيد الحياة.

هنا، وددت لوكان بإمكان الشاعر التشيلي إعادة كتابة مقولته؛ إذا ما هو السفر بالنسبة إلى شخص سُفّر غصبا من أرضه إلى مكان غريب، قليلا ما يجد فيه ما يحفظ ماء وجهه. ما هو الكتاب بالنسبة إلى شخص سلبت منه كل العبارات فبات يرى كل الحروف مجرد كذبة. وما هي الموسيقى بالنسبة إلى شخص حطم صوت البارود والقنابل أرق ما كان يملك من مشاعر. كيف لشخص، لعائلة أو لقوم أن يجدوا شيئا بفضل أعينهم وهي المسلوبة منهم بخنحر ظالم ناحر.

هؤلاء يا سيدي الشاعر لا يموتون ببطء بل ببطء شديد؛ فبعد سقوط أجسادهم أرضا تبقى أرواحهم البريئة في كل مكان لا تكف عن السؤال؛ لأي سبب وبأي حق قتلتنا؟ تبقى صورهم يا سيدي سنوات وسنوات تظهر كل مرة أمامنا لتجعلنا نخجل من إنسانيتنا ولتجعلنا نتذكر حقيقة الإنسان الطاغية، بل لتجعلنا نتذكر الوحش في صورة إنسان.

ومن حبر الشاعر بابلونيرودا ـ مرة أخرى ـ أختم حزني الدائم ونزيفي المستمر على كل طفل ذاق الأذية، وعلى كل رجل وامرأة سلب منهما حق العيش وحق الإبتسامة، يقول: "من كل جريمة تولد رصاصات ستسقر يوما في قلوبكم". لعلها تستقر في قلوب أصحابها.. الذين خططوا لإطلاقها أول يوم.. لأول مرة.