سهولة غسيل الدماغ

جري سالم الجري @jerisaljeri_
إسطنبول
نشر في 09.07.2018 00:00
آخر تحديث في 09.07.2018 13:35
سهولة غسيل الدماغ

الإنسان عاطفي قبل أن يكون منطقيا. ولم لا؟ فلا بد من ميل الأطفال لآراء الوالدين، كما يلزم المريض بالانقياد لرأي الطبيب ولو لم يبدو منطقيا له، بل إن بعض القوانين والأنظمة قد لا تكون مبررة بالكامل لكن لو لم تحترمها الشعوب فقد تقع في الفوضى. خلاصة القول إن الفرد مجبور على الانقياد للمجتمع؛ بنسبة معينة، ولا يعني ذلك تخلفه، بل هي لضرورة بقاء عضوية المجتمعية. الخطورة تكمن في من يستغل ذلك من الأشرار. فمن هم هؤلاء الأشرار؟ وكيف ممكن أن نحمي أنفسنا منهم؟ و ماهي خطوات غسيلهم للأدمغة الثلاثة؟ وماهو غسيل الدماغ؟

غسيل الدماغ هو مصطلح صحفي وغير علمي، لكنه يعني شيئا واحدا فحسب، إعادة ترتيب أيديولوجية الإنسان وتغيير ضوابط مشاعره وكأنه قد ولد من جديد. لكن كيف؟ توجد ثلاث خطوات تنطبق على كل الجماعات الإرهابية مهما لوكان دينها.

1. عزل الضحية عن المجتمع.

2. إجباره على إذلال نفسه.

3. إلزامه بالصمت.

هرمونات القلق تندفع للعائش في وحدة، فيسقط جهازه المناعي ويقل عمره البيولوجي، وتسود نظرته للحياة، لكن هذه هي أول تعاليم الجماعات الروحانية التي ترنو لغسيل الدماغ، الذين يتعمدون خلط معنى التواضع النبيل مع معاني الذل والإهانة، فالتواضع هو بحقيقته اتخاذ المرء وضعه، فالطبيب يتواضع حينما يقول انا الطبيب ويتحمل المسؤولية، والملك يتواضع حينما يقول انا الملك، ولكن قواد غسيل الدماغ يجعلونه من التدين ان يدمن الشخص استحقار نفسه و جلد ذاته لئلا يثق بنفسه و يبقى مسلماً خطامه لقائده الخبيث. وأخيرا، ويبدو ان هذا أهم أمر، إلزام الضحية بالصمت التام، ليتحقق الانقطاع عن كل من يريد ان يحاججه أو يناظره أو حتى ينصحه، خوفا على بقاء تلك الفلسفات السامة دائمة في ذهنه. فالأشرار هم من أستغلوا الدين، ليس من بعض المسلمين فحسب، بل التاريخ يضج بأمثلة بنفس هذه الممارسات في البوذا والهندوس والنصارى و اليهود، فحوادث تفجير القطارات العامة في اليابان من دعاة البوذا مؤرخة و جماعة الكوكلاكس كلان النصرانية بأمريكا لا تزال تمارس عنصريتها الدموية، كما ان يهود الأشكناز لا يزالون يقذفون كشافات الشعر بالحجارة في الشارع؛ و ا تزال بعض الجماعات هندوسية تخطف أطفال المسلمين و تبيع أعضائهم. فالأشرار هم من استغلوا فطرة حب الجماعة لقيادة الناس لرغباتهم الشيطانية.

الشر حق، وليس مرضا نفسيا، فكم من قائد سوى النفس و صافي العقل، إلا أنه اختار لنفسه الشر كمنهج للحياة. أما الوقاية من هذا كله هو تصويب المفاهيم العقائدية وتعزيز روابط الأسرة، وكسر نموذج الأسرة النواة الغربي لئلا تكون الأسرة مجرد أب وأم وأطفال بل أبناء عمومه وأخوال. سأختم بتجربة علمية تأكد مدى عشق البشر للانصياع للبعض خوفا من خسران عضويتهم المجتمعية.

د.كامل الفراج نشر كتابه (سيكولوجية التأثير وغسيل الدماغ) الذي أراه من أكثر الكتب في الوطن العربي التي ظُلمت؛ فهو يستحق أن يكون جزء من منهج المباحث الجنائية وأفراد أمن الدولة، ولكن يبدو أن الشرخ لا يزال كبيرا بين الأكاديمية العربية والواقع المؤسسي. ذكر فيه الدكتور أمثل واقعية معاصرة كما ذكر فيه تجربة العالم سولمان إتش حيث تم تجهيز غرفة خاصة للحالات النفسية الغافلة تماما عن وجود التجربة. وتم تثبت لوحة على الحائط، فيها رسمة أربعة قضبان. ثلاثة قضبان على أقصى يمين اللوحة، الأول (أ) طوله متوسط والثاني (ب) طوله صغير جدا يكاد يكون طول الأصبع، والأخير هو القضيب (ج) طول بطول القضيبين مجتمعين. أما على أقصى يسار الصورة يوجد قضيب واحد له يمثل مجموعته بمفرده، وطوله هو طول القضيب (أ) المتوسط. جلس في الغرفة مجموعة من الناس، لا دور لهم سوى ان يقولوا لكل من يدخل للغرفة بأن (أ) يساوي (ج) وهذا يناقض تماما صريح حاستهم البصرية، لكن 75 % انصاعوا لرأي الأغلبية.