عظمة جلالة الانتباه

جري سالم الجري @jerisaljeri_
نشر في 01.10.2018 00:00
آخر تحديث في 01.10.2018 17:01
عظمة جلالة الانتباه


لا شيء أعظم من الانتباه. العمليات العقلية كثيرة، التذكر، الخيال، الإبداع، الحساب وكل عملية إدراكية تخطر ببالك لا تكون دفة سفينتها غير الانتباه. فكل مخترع ما كان ليخترع لو ما أهمل كل شيء لا يتعلق بموضوع اختراعه، كل لاعب كرة قدم بارع أهمل كل شيء غير الهدف؛ كل شاعر أهمل المعجم ووظف كلمات قلة، والأمثلة لا تنتهي عن عظمة الانتباه. ولكن كيف نستخدم الانتباه؟

ليست مقالتي وعدا للسعادة الأبدية، بل هي مجرد تأمل منطقي. لندخل الآن مطعما فخما، فيه طاولات كثيرة، ولنجلس معا في زاوية المطعم، ونتجسس على زوجين طاولتهما في وسط المطعم؛ الزوج عابس والزوجة تأكل بسرعة لأنها تريد التخلص من هذا الموعد التعيس، فلم ينتبه الزوجان لجمالهما مع بعض وملابسها المبهرة، أو لحقيقة الفاتورة العملاقة التي سيدفعونها بسبب الآيس الكريم المزركش بالتوت والفراولة اللامعة باللون الذهبي من العسل الذي يقطر على الملاعق الفضية، ولا انتبهوا على هدوء المكان. بل تذكروا المواقف المستفزة التي حصلت بينهما وبين الحماة، وخافوا على الأبناء يمرضون، وتوتروا وهم يتساءلون متى سيحل موعد دفع إيجار البيت، فرفعت صوتها فجأة: يا ليت ما تضيع راتبك على اشتراكات قناة الرياضة. نهض بسرعة ليذهب للحمام.

فجأة خرِبت روائح العطور برائحة التدخين، فالحمام أصبح مبخر تبغ. أما هي؛ فلم تعره انتباها وصارت تمثل أنها لاهية بالهاتف، تراسل صاحبتها بالواتس آب لكن أصابعها تتحرك بسرعة، دلالة أن لا أحد يرد عليها.

سننهض ونتركهم، لنخرج إلى الشرفة ونطل على زوجين بالشارع يتخاطفان النظر بملامح بعض، كلاهما فقير، يشتركان في تناول البوظة بدون فاكهة وملاعق عود خشب؛ وما عندهما سكن، إلا بيوت والديهما ولم يرزقهما الله بأبناء بعد، ولكن الزوجة تقول: لما كنت بالابتدائي أتذكر ولد يرفسني... قاطعها الزوج: أكيد هذا انا! ردت بسرعة وهي تجر أذنه: لو انت كان رفستك قبل ما أقول السالفة!. نلتفت على الزوجين السابقين.

الزوجة ذهبت للحمام والزوج واقف عند طاولة الاستقبال والمحاسب يقول له: استرح، أجلس بطاولتك. فيرد عليه: ما عليه، مستعجلين. نلتفت من جديد على أولئك الظريفين، فنرى المكان فارغا، الله أعلم بعالم المنتبهين على الخير.

"إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً". سورة الإنسان.