الحل البريطاني للفقر.. التعديل الجيني للفقراء!

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 23.02.2020 00:15
آخر تحديث في 23.02.2020 02:01
الحل البريطاني للفقر.. التعديل الجيني للفقراء!

في بريطانيا أعلن مستشار رئيس الوزراء جونسون ويدعى دومنيك كامنغ انه يريد ان يوظف مستشارين في مقر رئاسة الوزراء واشترط ان يكون المتقدم عبقريا بمعنى انه خارج عن المألوف بتصرفاته اي غريب الأطوار، وقال إن من يتقدم عليه ان يعمل ليل نهار وحتى أيام العطل، وعليه ان يتوقع ان يُطرد من العمل عند اول امتحان يفشل فيه!!!


في بريطانيا أعلن مستشار رئيس الوزراء جونسون ويدعى دومنيك كامنغ أنه يريد ان يوظف مستشارين في مقر رئاسة الوزراء واشترط أن يكون المتقدم عبقريا بمعنى أنه خارج عن المألوف بتصرفاته اي غريب الأطوار، وقال إن من يتقدم عليه ان يعمل ليل نهار وحتى أيام العطل، وعليه ان يتوقع ان يُطرد من العمل عند اول امتحان يفشل فيه!!!

السبب وراء هذا الإعلان ان المستشار كامنغ وهو من عائلة برجوازية، ودرس في أرقى الجامعات ( رغم أني لا اؤمن بالجامعات) يريد ان يغير وجه بريطانيا إداريا وسياسيا وقضائيا واجتماعيًا!

تقدم للعمل أندرو سابيسكي وهو شاب غريب الأطوار ويسمي نفسه " السياسي الذي يتنبأ بالمستقبل"، ولديه مدونة إلكترونية ينشر فيها آراءه المهمة (الغبية) ومنها أن الفقراء متخلفون ولذا فإن إخضاعهم لبرنامج يحد نسلهم سيؤدي إلى حل مشكلة الطبقة المتدنية فكريا واجتماعيًا، ويرى أن السود اقل ذكاء من البيض، ويعتقد انه يمكن تعديل جينات الفقراء عن طريق التكنولوجيا للحصول على أولاد مميزين فكريا وجسديا ليبدؤوا حياة أفضل!

رئيس الوزراء لم يعلق على استئجار شخص كهذا، وكذلك مستشاره كامنغ، لكنهما اضطرا تحت ضغط الإعلام، وموجة الاستهجان ان يضغطا على الموظف الغريب الأطوار لكي يقدم استقاله، بعدما أصبح صعبا إبقاؤه في منصبه! وبالفعل قدم اندرو سابيسكي استقالته مرغما!

هذا السرد هدفه تبيان نوازع الشر في الإنسان، واظهار خطورة التفكير بهذا النسق، وبالذات عندما يحمل هذه الأفكار أشخاص يتسلمون مقاليد السلطة وإدارة شؤون العباد. فهذا التفكير (العنصري) الذي يعتقد ان الذكاء وراثي مستمد من جينات موروثة ومن ثم فإن الذكي أهله اذكياء، والفقير أهله فقراء بسبب جيناتهم؛ وكذلك المعوقين هم معوقين بسبب جيناتهم.. ولا بد من ثم من تغيير هذا العاهة الاجتماعية عبر التكنولوجيا لكي يتخلص الفقراء من غبائهم ويصبحوا قادرين على الانطلاق في الحياة.

هذا يعني عمليا أن الحكومة ليست بحاجة إلى برامج اجتماعية ولا تقديم إعانات مالية ولا حتى تدريس الفقراء لأن المشكلة ليست اجتماعية او لها صلة بالبيئة بل تعود إلى الوراثة الجينية!

وهكذا تخفف الحكومة من النفقات على الفقراء وتترك للأغنياء التنعم بكل الخيرات! كما ان هذا النمط من التفكير يؤدي إلى مستوى اعلى من الحلول حيث إن الفقير المنتمي إلى عرق ما يمكن التخلص منه طالما هو عبء على المجتمع؛ وهنا نتذكر هتلر ونظرية التفوق العرقي الذي انتهت بمحرقة أهلكت اليهود، وكذلك شعب " الْنوَرْ من اجل التخلص من جينات فاسدة. ونتذكر أيضا ان العرق الأسود يجب ان يعود إلى الرق لأنه اقل ذكاء! ومن لا يعرف كم تعرض السود للاضطهاد عليه أن يراجع التاريخ ليدرك مدى انحطاط الإنسان الأخلاقي! وكم هو مؤسف أن كل الأديان لم تنسفه بل أبقته لضرورات!!

هذا النمط من التفكير تتعدى خطورته الفقراء ليطول الأجانب الذين عاشوا في دول أخرى واكتسبوا جنسياتها لأن هؤلاء سيصبحون أيضًا ضحايا لهذا التفكير لأنهم غير قادرين على الاندماج وتقمص ثقافة الشعب الجيني المتفوق.. وهؤلاء سوف يشكلون بنظر الشعب المتفوق خطرا على المجتمع الحاضن والواجب يستدعي تغييرهم او قتلهم، وما رأيناه في نيوزيلندا من اعتداء على مصلين، وفي ألمانيا من اعتداء على رواد مقاه دليل على عبثية هذا المنطق العنصري!

قد يسأل سائل: لماذا يفكر هؤلاء بهذا النمط؟

السبب ان الإنسان عندما يفقد المناعة الأخلاقية يصبح وحشا لا يوقفه شيء، ومن صفات الوحش انه يريد التفرد والاستئثار، ويحب العدوان...

وفي عالمنا تتراجع الأخلاق ويتقدم التفكير المادي، وتتحول الحضارة إلى غالب ومغلوب على صعيد الأفراد وعلى مستوى الدول! وكما يسلب الفرد أخيه الآخر حقوقه تسلب الدول بعضها تحت شعارات شتى فتُهان الدول الفقيرة وتنهب، ويعيش أهلها على الفتات بينما ترفل الدول الغنية القوية بنعيم مسلوب من شعوب أخرى!

في بريطانيا يريد مستشار رئيس الوزراء أن يستخدم التكنولوجيا لتغير وجه البلاد، ويعتقد اندرو سابيسكي الغريب الأطوار ان التكنولوجيا قادرة على تغيير الإنسان بتعديل بسيط في جيناته؛ وكما عدل العلماء جينات الحيوان والنبات لاستخراج حيوان ارقى ونبات أفضل، يمكن تعديل البشر المتخلفين!

هكذا يصبح الإنسان مادة مختبرية خاضعة للتعديل والتحوير، ويُصنَّع مثل المنتجات الأخرى، فيخرج على طراز صانعه في المختبر وليس على صورة الله الذي اراده مكرما ومعززا!

مذ خلق الله الأرض والإنسان هو اصل الحياة، والمخلوق الوحيد الذي يمنحها المعنى والهدف؛ وهذا الإنسان مر بمراحل كثيرة علا فيها خلقا وتردى خلقا، إنما ما نشهده اليوم اخطر مما سبق لأنه يتأسس على هندسة اجتماعية، وتكنولوجية جينية، تُغير خلقة الله، وتسحق قيمة الإنسان الأخلاقية، بحجة ايجاد إنسان أفضل، تماما كما فعل الطبيب الذي قرر ان يعيد احياء الإنسان بعد موته، فأحيا فرانكشتاين الوحش البشري المشوه جسديا واخلاقيا!

بالطبع لن نصل إلى هذا المستوى، ولكن ما يخوفنا ان هذا التفكير يعيدنا إلى عصر مضى استرق فيه الغني أخاه الفقير، ويحملنا إلى مستقبل في غاية الخطورة ترى فيه النخبة الحاكمة ان مهمتها ليس فتح المدارس، وتغذية الأطفال، وتوسيع مداركهم، وحقنهم بالخلق الحميد، بل مهمتها ايجاد تكنولوجيا لتعديلهم او قتلهم، او دمجهم، او ترحيلهم، تحت شعار البحث عن الإنسان الأفضل!

عندما نرى في قمة السلطة أشخاصا نافذين، وفي دول راقية، يحملون هذا الفكر، لا يسعنا الا ان نضع أيدينا على قلوبنا ونقول: اللهم سترك!!!

د. أحمد عجاج