التوترات الإيرانية الأذربيجانية.. بين مزاعم طهران وردود باكو

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 08.10.2021 15:10
آخر تحديث في 08.10.2021 15:11
جنود أذربيجانيون يرفعون علم بلادهم فوق قره باغ SABAH جنود أذربيجانيون يرفعون علم بلادهم فوق قره باغ (SABAH)

لم تكد تهدأ العلاقات الإيرانية الأذربيجانية وتستقر بعد الحرب الأخيرة التي شهدها إقليم قرة باغ، حتى بدأت طهران من جديد في شن حملات تشويه كبيرة استهدفت باكو وأنقرة، عن طريق أبواقها الإعلامية ونواب بمجلس الشعب الإيراني، متعدية على الاحترام المتبادل مع دول الجوار والتاريخ المشترك، ومتغافلة عن المواثيق الأخلاقية الدبلوماسية والصحفية.

فقد اتهم الإعلام الإيراني أذربيجان باستخدام مرتزقة سوريين أثناء الحرب الأخيرة -وهو ما رفضته باكو جملة وتفصيلا- وكذلك احتمالية حدوث تغيرات حدودية في القوقاز لم تعرف طبيعتها بعد، أما التركيز الأكبر من الإعلام والسياسيين الإيرانيين فكان على العلاقات الأذربيجانية- الإسرائيلية.

اتهامات إيران بوجود طرف ثالث على الحدود مع أذربيجان

بدأ التوتر الأخير عندما صرح وزير الخارجية الإيراني "حسين أمير عبد اللهيان" بأن بلاده لا تريد أن تتحول أذربيجان إلى ساحة يسرح ويمرح فيها الإسرائيليون، مشيرا إلى أن طهران رصدت وجود قوات إسرائيلية على المنطقة الحدودية مع إيران، مضيفا أنهم لا يقبلون أن تتأثر علاقتهم مع جيرانهم، وأنهم قلقون من وجود الكيان الإسرائيلي قرب حدودهم في مناطق مختلفة جنوب القوقاز.

من جانبه أعلن أيضا " أمير موسوي" الدبلوماسي الإيراني السابق، أن هناك معلومات وصلت إلى بلاده تفيد بوجود أكثر من 1000 عنصر إسرائيلي على الأراضي الأذربيجانية.

هذه التصريحات أعقبتها إيران بإجراء مناورات برية في شمال غربي البلاد، على الحدود مع أذربيجان، مبررة ذلك بأنها لتعزيز قوة الردع في مواجهة أي مخاطر محتملة حسب ادعائها.

الرد الأذربيجاني

لم يتأخر الرد الأذربيجاني على هذه المزاعم الإيرانية، فقد علقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية "ليلى عبد اللاييفا"، على تصريحات عبد اللهيان بأن بلادها لا تقبل هذه التصريحات التي لا أساس لها من الصحة، نافية أن تكون هناك أعمال استفزازية لأي قوات على أراضيها.

من جانبه تساءل الرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف" على دليل إيران لتوجيه هذه الاتهامات إلى بلاده، نافيا وجود أي إسرائيلي قرب الحدود الأذربيجانية الإيرانية، جاء ذلك خلال لقائه مع مواطنين بمدينة جبرائيل في إقليم قره باغ، وذلك في الذكرى الأولى لتحريره من أرمينيا.

وأكد علييف في كلمته أن بلاده لا تسمح بإلقاء الافتراءات، وأن أي اتهامات لا دليل عليها ستدفع الشعب الأذربيجاني إلى الرد الفوري، مشددا على أن أذربيجان بلد مستقل ويدرك جيدا مع أي بلد تقييم علاقات وعلى أي مستوى.

خطوات أذربيجانية ضد الخروقات القانونية الإيرانية

بعدما انتصرت باكو في الحرب الأخيرة، تمكنت أذربيجان من السيطرة على كافة الطرق التي تمر من أراضيها باتجاه إقليم قره باغ وإقليم ناختشيفان المحاذي للحدود الإيرانية الأرمينية، ما أثار مخاوف إيرانية بقطع الطريق الذي يربطها بأوروبا عن طريق أرمينيا، وهو ما دفع طهران إلى اتهام باكو بمحاولة تغيير الحدود، دون تقديم دليل على ذلك.

وفيما يخص هذا الأمر، أكد الرئيس الأذربيجاني " إلهام علييف" أن بلاده رصدت 60 شاحنة إيرانية دخلت إقليم قره باغ بشكل غير قانوني، وذلك في الفترة ما بين 11 أغسطس/ آب و11 سبتمبر/ أيلول، ما دفع باكو إلى فرض رسوم جمركية بسبب استخدام الممرات البرية للوصول إلى أرمينيا عبر الأراضي الأذربيجانية.

إيرانيون ضد مزاعم بلادهم

كانت أبرز التصريحات التي انتقدت المزاعم الإيرانية وتعديها على الدولتين التركية والأذربيجانية، تصريح سفير إيران السابق لدى باكو "أفشار سليماني" لوكالة الأناضول، إذ انتقد الطريقة التي تناولت بها وسائل الإعلام الإيرانية الأزمة بين البلدين، مؤكدا أن حملات التشويه لا تحقق أي هدف، وأن الانتقادات يجب أن تكون في إطار المنطق والأخلاق الدبلوماسية، لأنه لا فائدة من سوء الأخلاق وحملات التشويه المتعمدة.

وأشار سليماني إلى احتياج بلاده إلى الطرق الأذربيجانية، خاصة بعد المشاكل الكثيرة التي واجهها الإيرانيون في الطرق بأرمينيا، لذلك لا تستطيع بلاده استخدامها للوصول إلى أوربا.

من جانبه أكد الاقتصادي والخبير السياسي "نويد جمشيدي" أن الأصوات المتعالية ضد تركيا في إيران لا تمثل إلا أفراد من الدولة لديهم حسابات أخرى، فهم يرون أن تركيا هي أكبر داعم استراتيجي وعسكري لأذربيجان.

كما عبر جمشيدي عن رفضه لتدخل بلاده بعلاقات باكو مع الدول الأخرى، بما فيها إسرائيل، معربا عن أن أذربيجان دولة مستقلة ولديها الحق في التعاون مع تل أبيب وبيعها البترول واستيراد السلاح منها، واصفا أن هذا شأن داخلي.

الدعم التركي لإيران وقت الأزمات

بدوره انتقد خبير العلاقات الدولية الإيراني "حسن بهشتي بور" حملات التشويه ضد تركيا، مشيرا إلى الدور البارز الذي تلعبه تركيا في وقت أزمات الدولة الإيرانية، خاصة في الوقت الذي كانت بلاده تعاني من العقوبات المفروضة عليها.

ودعا بهشتي بور طهران إلى الابتعاد عن الشعارات والاستفزازات، مطالبا إياها بالحفاظ على العلاقات الطيبة خاصة مع جارة مهمة مثل تركيا.

العلاقات الإيرانية الأذربيجانية

يربط أذربيجان وإيران تاريخ طويل من النزاع بسبب دعم طهران الدائم لأرمينيا، ويعود ذلك إلى أن الأذربيجانيين يمثلون القومية الثانية في إيران بعد الفرس بنسبة 16 في المئة، ولهم مكانة هامة ومؤثرة في الدولة الإيرانية خاصة في الدين والتجارة، ولدى إيران تخوف دائم من أن يكون هذا سبباً في زيادة نفوذ أذربيجان داخل إيران.

الأمر الآخر هو أن النظام الإيراني يخشى سياسية أذربيجان وعلاقتها القوية مع معظم دول العالم، لذلك تخشى إيران من استغلال دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية علاقتها مع أذربيجان لتؤثر على برنامجها النووي.

وظهر موقف إيران تجاه الصراع الأذربيجاني- الأرميني منذ تسعينيات القرن الماضي، إذ لم تعلن طهران صراحة موقفها من دعم أرمينيا، حتى لا يسبب لها حرجا، لكنها كثيرا ما دعمت أرمينيا في الخفاء.

العلاقات الإيرانية الأرمنية

سعت إيران إلى بناء علاقات قوية مع أرمينيا وصلت لحد الصداقة، وذلك لتوفير معبر بديل للنقل إلى روسيا وأوروبا، كما تربطهما علاقة في مجال الطاقة إذ تفتقر أرمينيا للغاز والنفط، المتوفران لدى إيران. وفي الحرب الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان، اتخذت إيران موقف المحايد رغم دعمها أرمينيا عسكريا، وذلك بسبب البوادر منذ بداية الحرب بتقدم الجيش الأذربيجاني على نظيره الأرمني، إلى أن تمكنت أذربيجان من تحرير أراضيها. كذلك تخوفت إيران من إعلان الدعم بسبب الوجود الأذربيجاني على أراضيها وتأثيرهم القوي هناك.