لماذا يبدو الوضع في سورية مربكاً للجميع باستثناء تركيا؟

نور أوزكان أرباي
أنقرة
نشر في 12.11.2021 13:59
لماذا يبدو الوضع في سورية مربكاً للجميع باستثناء تركيا؟

ذكرت تقارير غير مؤكدة من وسائل الإعلام الروسية الأسبوع الماضي، أن القوات الأمريكية انسحبت من منطقة القامشلي شمال شرق سوريا وانتقلت إلى العراق.

وراحت المعلومات المضللة تتزايد، لا سيما مع الاحتمال الواضح لعملية تركية جديدة ضد عناصر ي ب ك/ بي كا كا الإرهابي شمال سوريا. وذلك لأن التقييمات عاجزة عن تكهن الكيفية التي ستتخذ بها روسيا موقفاً ضد خطوات تركيا المحتملة في المقام الأول.

وبسبب النزاعات والمعارك داخل المنظمة الإرهابية وتكليفه بالتنسيق مع واشنطن، طُرد الأسبوع الماضي "فرحات عابدين شاهين" المسمى بقائد تنظيم ي ب ك الإرهابي، الذي كان مخلب قط في أيدي الولايات المتحدة وروسيا.

وأفادت صحيفة "خبر تورك" الأسبوع الماضي أن قيادة بي كا كا الإرهابية قيّدت سلطة زعيم عصابة ي ب ك سيئ السمعة "شاهين" المعروف أيضاً باسم مظلوم كوباني، والذي يحتل اسمه حالياً مكاناً بارزاً على قائمة المطلوبين في تركيا بتهمة تنظيم هجمات إرهابية داخل البلاد.

وذكر التقرير أن قادة بي كا كا اتخذوا القرار قبل عام، لأنهم قلقون بشأن "شهرة" شاهين وشبكة العلاقات الدولية المزعومة. وأن القرار جاء بمثابة صدمة لتنظيم ي ب ك الدموي، مما اضطر شاهين لعقد اجتماع مع ضباط أمريكيين لمناقشة الأمر.

وفي حديثه إلى الصحافة في وقت لاحق من الأسبوع، كشفت ادعاءات شاهين أيضاً مدى ارتباك جميع الجهات الفاعلة، لا سيما التنظيم الإرهابي نفسه والولايات المتحدة وروسيا ونظام الأسد. إذ يدعي شاهين أن الولايات المتحدة وعدتهم بالحكم الذاتي شمال سوريا، وتدعي روسيا أنها تعارض عملية تركية محتملة. في حين يبدو أنه من التفاؤل أن تكون هناك إجابات واضحة على هذه الادعاءات من واشنطن وموسكو، فإن تركيا تقف بشكل حاسم باعتبارها القوة التي تعرف ما يجب القيام به وسط كل هذا الارتباك.

ولطالما كانت أنقرة واضحة في أن منظمة ي ب ك/بي كا كا الإرهابية تُستخدم كأداة من قبل روسيا والولايات المتحدة، وهي تعلم أن كلا البلدين يمدان شريان الحياة لهذه المنظمة الإرهابية بذريعة محاربة داعش. لدرجة أن زعيم التنظيم الإرهابي يدعي أيضاً أن واشنطن وموسكو قدمتا ضمانات بالدفاع عنهم ضد عملية محتملة من قبل أنقرة.

ويجدر بنا هنا أن نتذكر الشروط والأسس العسكرية والدبلوماسية التي نفذت بها تركيا عملياتها الأربع السابقة.

فقد أبلغت تركيا كلاً من موسكو وواشنطن عن جميع عملياتها ضد هجمات التنظيم الإرهابي التي تعرضت لها من سوريا وعبر الحدود، ضمن ما يعرف بالاشتباكات الضرورية، لكنها لم تنتظر أبداً موافقتهما أو الضوء الأخضر لذلك. وكانت جميع العمليات، وخاصةً درع الفرات عام 2016 وغصن الزيتون عام 2018 ونبع السلام عام 2019، نفذت ضد تهديد الأمن القومي لتركيا. واليوم تحذر تركيا تماماً مثل ذلك الوقت، كلاً من روسيا والولايات المتحدة من "عدم نسيان الضمانات" قبل عملية جديدة محتملة.

ويرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى أن روسيا، لم تف بوعودها بالسيطرة على ي ب ك/بي كا كا في سوريا، حيث نفذ التنظيم الإرهابي في الآونة الأخيرة هجمات مختلفة على مناطق آمنة أنشأها الجيش الوطني السوري بدعم من تركيا.

ومن ناحية أخرى، فإن ي ب ك/ بي كا كا الذي احتل حوالي ثلث الأراضي السورية على مدى السنوات الست الماضية بدعم من الولايات المتحدة، بات يستهدف بشكل متزايد أعزاز ومارع والباب وجرابلس وعفرين وتل أبيض ورأس العين شمال البلاد بأسلحة ثقيلة.

وبحسب وكالة أنباء الأناضول، فإن الإرهابيين يستخدمون في هجماتهم صواريخ وقاذفات صواريخ متعددة الرؤوس، وأسلحة ثقيلة متطورة مثل صواريخ كاتيوشا وغراد، بالإضافة إلى قاذفات صواريخ وقذائف هاون أمريكية وروسية الصنع. وقد استولى التنظيم الدموي على منطقة تل رفعت في حلب الواقعة على بعد 18 كيلومتراً فقط من الحدود التركية، بدعم جوي روسي في فبراير/شباط 2016. كما تسبب التنظيم المشؤوم بنزوح حوالي 250 ألف مدني لجأوا منذ ذلك الحين إلى مناطق قريبة من الحدود التركية في تل رفعت. وبعد تل رفعت بدأ ي ب ك/بي كا كا هجوماً في منطقة منبج في حلب والتي تقع على بعد 30 كيلومتراً من الحدود التركية إضافةً لمنطقة عين العرب وهي تقع على الحدود مباشرةً.

كما أفاد مراسلو وكالة أنباء الأناضول من الميدان أن ميليشيات ي ب ك/بي كا كا الإرهابية تهدد أمن مناطق تل أبيض ورأس العين الواقعة في منطقة عملية نبع السلام على الحدود السورية التركية. كذلك يقوم التنظيم بإطلاق قذائف الهاون والصواريخ الحرارية على بعض القرى في ريف رأس العين. فضلاً عن تنفيذ هجمات بسيارات مفخخة في بلدات مدنية، وتغذية بيئة الصراع من خلال القيام أحياناً بمحاولات التسلل إلى مواقع الجيش الوطني السوري على خط المواجهة.

ومن ناحية أخرى وبغض النظر عن السياسة في سوريا، توصلت موسكو وواشنطن إلى اتفاق شفهي يزعم أن "داعش هو أكبر عدو يجب هزيمته في سوريا". ومن المعروف أن روسيا والنظام نقلوا رسالة إلى ي ب ك/بي كا كا بأنهما لا يريدان دولةً ولا جيشاً موازياً في سوريا، على عكس الموقف الأمريكي الذي لا يهتم كثيراً لا بالأراضي ولا بسلامة البلاد.

وفي تطور آخر جدير بالملاحظة، انضمت بعض الدول العربية وخاصة الإمارات العربية المتحدة، إلى الولايات المتحدة وروسيا في الاتفاق على استمرار نظام الأسد. وقد تجلت هذه الخطوة خلال الأيام القليلة الماضية عندما التقى وزير خارجية الإمارات بالأسد في دمشق. وفي مواجهة هذا الوضع، تبدو القضية الوحيدة التي اتفقت عليها إيران وإسرائيل هي بقاء الأسد في السلطة في ظل هذه الظروف. لكن السؤال الرئيسي في هذه المرحلة هو ما هي حصص هذه الدول في تقاسم السلطة في سوريا.

بالنسبة لروسيا، يتمثل الهدف النهائي في تمكين هيمنتها العسكرية والسياسية في سوريا، حيث استثمرت أكثر من نصف قرن. وسيكون من السذاجة أيضاً افتراض أن مصلحة الولايات المتحدة في البلاد تتمثل فقط في إظهار وجودها من خلال منظمة إرهابية أو محاولة تحقيق النصر بدفن داعش هناك.

علاوة على ذلك، من غير الواقعي أيضاً الاعتقاد بأن انخراط واشنطن وموسكو مع ي ب ك/بي كا كا يخدم في النهاية مصالحهما المباشرة وسيستمر إلى الأبد. وبالتالي، سيكون من المثير للاهتمام معرفة مقدار الاستثمار الذي ستستفيد منه هذه الدول مع العلم أنه لن يكون من الممكن لمنظمة إرهابية مسلحة إنشاء إدارة مستقلة داخل سوريا، خاصة بالنظر إلى أن تركيا لن تسمح بذلك تحت أي ظرف من الظروف.

لذلك ليس الأمر سراً غامضاً أن تخطط تركيا للقضاء نهائياً وبشكل كامل على هذا الممر الإرهابي، وهي لا تسعى للحصول على إذن من محاوريها، كما فعلت تماماً في الماضي.

وفي الآونة الأخيرة، دأب زعماء التنظيم الإرهابي على تكرار الرسائل الموجهة للسياسة الداخلية التركية، وهم يذكرون باستمرار الضمانات التي تلقوها من موسكو وواشنطن عبر وسائل الإعلام. كما تحاول المنظمة الدموية توحيد فصائلها المختلفة والحفاظ عليها متماسكة.

وفي غضون ذلك، صدر حديثاً من واشنطن بيان جدير بالاهتمام هذا الأسبوع. إذ قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي رداً على سؤال من وكالة أنباء الأناضول يوم الأربعاء، إنه لم يطلع على مزاعم "شاهين" بأن الولايات المتحدة أعطتهم ضمانات، وأضاف: "أعلم أنك سئمت من التعبير عن هذا. لكن من المهم أن نقول ذلك على أي حال. إن شراكتنا مع قوات سوريا الديمقراطية في سوريا تقوم على شيء واحد فقط وهو القتال ضد داعش"، باستخدام اختصار بديل لـ ي ب ك.

وختاماً من الواضح أن كل لاعب في الميدان السوري يبدو إما مرتبكاً أو يرسل الكثير من الرسائل المتناقضة بين الكلام والفعل. وبالرغم من ذلك، لا يزال جلياً أن تركيا هي الطرف الأكثر وضوحاً واستقامة، وأن أنقرة قبل أن تتصرف لن تتجاهل هذه الحقائق والتناقضات بين وعود الشركاء المرتبكين وما يفعلونه على أرض الواقع حقاً.