تركيا وقطر مثال للصداقة الحقيقية

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 10.12.2021 13:05
تركيا وقطر مثال للصداقة الحقيقية

تعكس العلاقة بين شعبي قطر وتركيا جوهر المثل الشائع "الصديق وقت الضيق". فقد كانت زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى قطر هامة للغاية، من حيث تعزيز العلاقات الثنائية الممتازة التي تتمتع بها تركيا وقطر منذ وصول أردوغان إلى السلطة. وتجدر الإشارة إلى أن جهود أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، كانت أيضاً حاسمة في الوصول إلى هذا المستوى من الصداقة العميقة المتولدة بالتأكيد عن التشابه في التفكير وليس في الاهتمامات، الأمر الذي جعل وجهات النظر المتقاربة والسياسات المشتركة، العامل الجامع بين حكومتي أنقرة والدوحة، من غير أن تستغرقا وقتاً طويلاً كي تجدا بعضهما.

وفي الواقع، عانى كلا البلدين من التحالف القوي المشكل حديثاً، وذلك بسبب موقف تركيا وقطر الداعم للشعوب المطالبة بالحرية ضد الأنظمة الاستبدادية، والذي أدى بشكل خاص إلى عداء دول المنطقة الأخرى بعد جزمها أن دعم البلدين للانتفاضات الشعبية من شأنه أن يدمر نظامها السياسي وأنظمة حلفائها أيضاً. ومع ذلك، من الصعب القول بأن السياسات الإقليمية المشتركة بين تركيا وقطر كانت خاطئة من الناحية الأخلاقية أو القانونية.

فهل وقفت الدولتان مع الجانب الفائز؟

من الواضح أن العالم بأسره رحّب بالانتفاضات الداعية إلى التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط والتي سميت الربيع العربي، لكن القليل من البلدان اتخذت مواقف فعلية لدعم الشعوب ضد الطغاة، تفوق الإدلاء ببيانات مؤيدة للديمقراطية. ولحسن الحظ، تمكنت قطر بقوتها الناعمة وتركيا بقوتها الصارمة أن تساهما في التحول الديمقراطي بالرغم من فشلهما في نهاية المطاف، لأن بقية دول العالم ظلت صامتةً أو قامت بدعم الأنظمة الاستبدادية. وبالرغم من أن الأتراك والقطريين ظهروا بمظهر الخاسر، إلا أنهم في الواقع هما الفائزان بسبب وقوفهما إلى جانب الحق والتكلفة التي دفعاها مقابل السلام في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، قدم كلاً من البلدين الدعم للآخر خلال الفترات الحرجة التي مرّا بها. ولا يزال الجميع يتذكرون جيداً كيف أرسلت تركيا مساعدات إنسانية للشعب القطري وعززت لوائها المتمركز في الدوحة لوقف الغزو المحتمل، عندما حاصرت 4 دول قطر عام 2017. في غضون ذلك، اعتبر بعض النقاد سياسة تركيا تلك سياسةً عدوانية، لكنها لم تكن كذلك على الإطلاق. إنما أرادت أنقرة فقط منع نشوب صراع محتمل بين الدول الشقيقة. وأظهر الوقت أن تحرك تركيا السريع للتخفيف من تأثير الحصار كان صحيحاً وضرورياً حيث أعادت قطر ودول الحصار علاقاتها مع بعض، وردمت هوة الشقاق إلى غير رجعة. ولولا تدخل تركيا لكان من المرجح أن يزداد العداء بينهم شراسةً.

ومن ناحية أخرى، مدّت دولة قطر الصغيرة نسبياً والتي تمثل في نظري قوة متوسطة، يد المساعدة لتركيا عندما تعرضت الأخيرة لهجمات اقتصادية عنيفة خارجية وداخلية. وعزز هذا الدعم المتبادل الصداقة ورفع العلاقات بين الدولتين إلى المستوى الحالي، بل وتحولت العلاقات التركية القطرية إلى مصدر إلهام للدول الأخرى حيث استثمرت كلتا الدولتين في الصداقة بدلاً من المصالح التي ازدهرت بشكل طبيعي بفضل العلاقات الجيدة. وتثبت العلاقة النموذجية بين أنقرة والدوحة حقيقة المثل القائل "الصديق وقت الضيق". كما تعكس هذه الصداقة المميزة كيفية الجمع بين القوة الناعمة والقوة الصلبة، والتي يمكن تسميتها أكاديمياً "القوة المشتركة" وهي قوة فعالة جداً في العلاقات الدولية.

والسؤال هنا هو كيف تحولت العاصفة إلى جو مشمس دافئ؟

من المؤكد أن تطور العلاقات التركية القطرية وتجذرها لم يقم على حساب دول أخرى في المنطقة، وحتى إذا عصفت رياح باردة في العلاقات بين الدول العربية أو بينها وبين تركيا، فذلك بسبب بعض الأعمال العدائية التي لا يمكن أن تتوغل بعمق مع وجود الأخوة العرقية والدينية والتاريخية. فعلى سبيل المثال، تشير تصريحات الخارجية التركية التي صدرت في السنوات القليلة الماضية أن تركيا استخدمت كلمة "أخ" لجميع الدول العربية بغض النظر عن تدهور العلاقات. وربما لهذا السبب انتهت العاصفة فجأة وزار القادة بعضهم في الأيام الأخيرة.

وختاماً يبدو للمراقب أن جميع البلدان تعلمت بعض الدروس من التوترات والأحداث الماضية التي نشأت في السنوات العشر الأخيرة، ولن تكرر الأخطاء نفسها ضد بعضها. وبات الجميع يعرف حدوده ولن ينتهك أحد على الأرجح فضاء الآخرين، بالرغم من استمرار المنافسة إذ أن التنافس مطلوب بشرط ألا يؤذي المتنافسون بعضهم البعض. وأعتقد أن القوى الإقليمية ستحاول التنافس أيضاً لكن دون صدام هذه المرة لأنها أدركت مدى فائدة السلام.