كيف بدأ مسار الحرب بين روسيا وأوكرانيا في التغير؟

نشر في 08.04.2022 14:11
كيف بدأ مسار الحرب بين روسيا وأوكرانيا في التغير؟

من الواضح أن الكرملين يستطيع تسويق سيطرته على مناطق معينة على أنها "انتصار" في الجبهة الداخلية. لكن السؤال الأهم هو ما إذا كان بإمكان روسيا تخفيف الضغط المفروض عليها حالياً من خلال تقليص عملياتها

أشارت جميع الدول الواقعة في دائرة النفوذ الروسي بوضوح تام إلى أن "القوة العسكرية الهائلة لموسكو" لا يمكن أن تجعلها تنحني باستخدام الأساليب التقليدية

مع انسحاب القوات الروسية من ضواحي العاصمة كييف، بدأ مسار الحرب في أوكرانيا بالتغير. وأججت الصور البشعة القادمة من بوتشا المشاعر المعادية لروسيا في جميع أنحاء العالم، ما جعل الحملة التي تتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بارتكاب جرائم حرب تلتهب وتكتسب زخماً. وفي الوقت نفسه، أصبح من الواضح بالفعل أن بعض السيناريوهات التي أُطلقت عند بداية الغزو الروسي في 24 فبراير/شباط لن تتحول إلى حقيقة واقعة إذ لم نعد نسمع عن احتمالية الغزو الروسي لكييف وإسقاط أوكرانيا أو إسقاط حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي أو حتى احتمال سيطرة موسكو على الأراضي الأوكرانية إلى الشرق من نهر دنيبر وبالتالي تقسيم البلاد إلى قسمين.

وتركز التساؤلات حالياً على مهمة القوات الروسية في المناطق الشرقية والجنوبية لأوكرانيا بعد أن أعادت تمركزها مع إعلان موسكو أن المرحلة الأولى من العملية قد اكتملت. فهل سيكون هناك احتلال محدود لتوحيد شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس، أم أن غزواً أكثر شمولاً سوف يقطع اتصال كييف بالبحر الأسود؟

لقد أدت العقوبات الاقتصادية الشديدة التي فرضها التحالف الغربي والدعم القوي للجيش الأوكراني، إلى جانب الأداء الضعيف للجيش الروسي والمقاومة الشرسة للقوات المسلحة الأوكرانية والسكان المدنيين، إلى تغيير مسار الحرب وخصوصاً ما تداولته وسائل الإعلام في بدايتها عن التفوق الروسي النوعي. واضطر بوتين لاعتبارات عسكرية إلى تقليص الصراع كجزء من استراتيجية جديدة. ولو فشل الرئيس الروسي في إعلان الانسحاب من ضواحي كييف لكان من الممكن أن تكلف مغامرته في أوكرانيا أكثر مما تكبدته روسيا جراء الكارثة التي حلت بها في أفغانستان.

فهل سيلهي قرار بوتين العالم عما يحدث في أوكرانيا؟

"المرحلة الأولى"

تنظر واشنطن إلى قرار الكرملين بالانسحاب من ضواحي كييف بحجة استكمال "المرحلة الأولى" من العملية، على أنه "هزيمة استراتيجية". وبالرغم من التأكيد على أن احتلال بوتين لأوكرانيا كان سوء تقدير استراتيجي خطير، إلا أن ما حدث حتى الآن لا يبرر هذا الوصف. فروسيا لم تتخل عن هدفها المتمثل في تشكيل خط بين دونباس وشبه جزيرة القرم وحتى أوديسا في الأجزاء الشرقية والجنوبية من أوكرانيا. وأدرك وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا أن القتال سيكون أكثر شراسة في تلك المناطق بقوله إن "الحرب الفعلية" على وشك البدء "في الجنوب وفي دونباس". وشهد هذا البيان على ثقة أوكرانيا المتزايدة بقدراتها، ما يشير إلى أن الغرب أعطاها وعوداً بتوفير دعمٍ عسكريٍ إضافي لكييف. ومع ذلك، يبدو من المستبعد أن يلغي بوتين مهمة السيطرة على دونباس وتوحيدها مع شبه جزيرة القرم أو يوقفها. وهذا يؤكد على توفر كافة الأسباب لتوقع قتال عنيف حول دونباس، حتى لو استمرت المفاوضات.

فما هو مستقبل العلاقات بين روسيا والغرب؟

من الواضح أن الكرملين يستطيع تسويق سيطرته على مناطق معينة على أنها "انتصار" في الجبهة الداخلية. لكن السؤال الأهم هو ما إذا كان بإمكان روسيا تخفيف الضغط المفروض عليها حالياً من خلال تقليص عملياتها. وهل تستطيع كسر العزلة التي فرضها الغرب عليها؟ وهل بمقدور موسكو إرغام الأوروبيين على الامتثال لقرارها ببيع الغاز الطبيعي مقابل الروبل؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدداً كبيراً من دول العالم، باستثناء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم يفرض عقوبات عليها، الأمر الذي من شأنه أن يمكّن موسكو أن تستخدم قرارها في تقليص العملية، كميزة لها.

ومع ذلك، صار العالم بعد هذه الحرب يرى القوة العسكرية الروسية من منظور مختلف، إذ بدا أداء الجيش الروسي فيها دون المستوى المطلوب من حيث الفعالية القتالية وحقوق الإنسان. كما أن جميع الدول الواقعة في دائرة النفوذ الروسي أشارت بوضوح مطلق إلى أن "القوة العسكرية الهائلة لموسكو" لا يمكن أن تجعلها تنحني باستخدام الأساليب التقليدية.

ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً هو ما إذا كان قرار تقليص العمليات العسكرية سيساهم في نجاح المفاوضات الدبلوماسية. وهل يستطيع بوتين الانسحاب من أوكرانيا دون الاستيلاء على أي قطعة أرض؟ وهل من المحتمل أن يتخلى زيلينسكي عن دونباس وربما مناطق أخرى بعد شبه جزيرة القرم؟

لعل تطورات جديدة في ساحة المعركة وعلى طاولة المفاوضات تجيب عن تلك الأسئلة.