القوه الناعمة لتركيا في العالمين العربي والإسلامي

ديلي صباح ووكالات
اسطنبول
نشر في 19.07.2016 00:00
آخر تحديث في 19.07.2016 12:08
القوه الناعمة لتركيا في العالمين العربي والإسلامي

نشر "أبو يوسف الشمري" الكويتي صوراً على صفحته الخاصة بموقع تويتر، للخروفين الذين نذر ذبحهما في حال فشل الانقلاب في تركيا،

وكذلك فعل مواطن سعودي لم ينشر اسمه، واكتفى بنشر فيديو لذبح جمل وإذاعة كلمات قال فيها: "عشنا لحظات عصيبة أمس في تركيا (...) وهذا بمناسبة فشل الانقلاب، اللهم تقبل".

ورغم طرافة الحدثين، إلا أنهما لم يبتعدا كثيراً عن مشاعر ملايين العرب والمسلمين الذين حبسوا أنفاسهم ترقباً لما ستؤول إليه عملية الانقلاب التي حدثت في تركيا مساء الجمعة الماضي.

فقد كشف الانقلاب الفاشل تعاطف الشعوب العربية والإسلامية الكبير مع تركيا، والبهجة التي أظهرتها عقب فشله عن عمق تأثير القوة الناعمة التركية، في المنطقة العربية والإسلامية.

ويرى خبراء ومراقبون أن المواقف التركية "الأخلاقية" القائمة على "المبادئ والمُثل" ومساندتها للقضايا العربية والإسلامية، دفع شعوب المنطقة بشكل تلقائي إلى التعاطف مع "الشرعية" التركية ورفض محاولة الانقلاب عليها.


ويعرّف الخبراء هذا التأثير الإيجابي بـاسم "القوة الناعمة"، ويقصد بها "القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام (القوة الخشنة كالحرب، أو التهديد بفرض الحصار أو العقوبات) أو دفع الأموال (الاستمالة بالمساعدات أو الرشاوى).

من جانبه، يرى وزير الدولة المصرية لشؤون المجالس النيابية الأسبق، محمد محسوب، أن "موقف الشعوب العربية الرافض للانقلاب الفاشل أثبت حقيقة كونها ظهيراً استراتيجياً لتركيا وشعبها".

وأضاف محسوب، لوكالة الأناضول: "الشعوب العربية تشكل إلى جانب تركيا حالة تكاملية تعبر عن أن كلا منهما يشكل عنصر قوة ناعمة داعمة للآخر".

وأضاف: "تداخل العلاقات بين العرب والأتراك وتشابكها يمثل حالة تراكمية تمتد تاريخياً لأكثر من ستة قرون وبالتالي لا يمكن القفز على هذه الحقيقة وتجاوزها، وهو ما عبرت عنه الشعوب العربية في موقفها الأخير".

ويرى الخبير الإعلامي وأستاذ الصحافة في الجامعة الإسلامية بغزة، البروفيسور جواد الدلو، أن القوة الناعمة لتركيا تغلغلت في المنطقة العربية والإسلامية، كونها استطاعت أن "تغرس المثل العليا في ذاكرة شعوب المنطقة، وأن تربط النظرية بالتطبيق والقول بالفعل".

وأضاف الدلو لوكالة الأناضول: "ساهمت مواقف تركيا في صناعة الوعي لدى الإنسان العربي، وصنعت ذاكرة قوية انتفضت أمام ما جرى وتفاعلت بإيجابية مع القيادة التركية والشعب التركي".

وأكد أن مواقف تركيا السياسية والإنسانية تجاه كثير من قضايا الأمة بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص ساهم في صناعة هذه القوة الناعمة.

وتابع: "موقف تركيا من حصار غزة ومن سوريا ومن اليمن، الأيادي البيضاء والمساعدات الإنسانية التي لا تتوقف؛ كل ذلك هو ما صنع الالتفاف الكبير، لأننا أمام واقع عملي تجسده المواقف الرسمية التركية المتمثل في دعم شعوب المنطقة".

ووصف الدلو مواقف تركيا بـ"الأخلاقية"، التي تغلغلت في الوعي العربي.

وأضاف: "كما أن تركيا صنعت بصمة في كافة المجالات الاقتصادية والثقافية، جعلت صورتها إيجابية للغاية، ودفعت كثيرين للتفاعل بقوة معها ورفض النيل من هذه الصورة".

أما المحامي والنائب الكويتي السابق ناصر الدويلة، فيؤكد أن تركيا تمتلك "مصداقية كبيرة لدى الجمهور العربي بجميع أطيافه".

وأضاف الدويلة، لوكالة الأناضول: "الجمهور العربي ينظر نظرة إعجاب لارتباط القيادة التركية بتطلعات شعبها التركي وسعيها الحثيث لتحقيق هذه التطلعات".

ويؤكد أن تركيا تمتلك "قوة ناعمة"، عبّرت عنها "الحالة الوجدانية التي غمرت نفوس العرب وانعكست على تصرفاتهم وردود أفعالهم الرافضة لمحاولة الانقلاب الفاشلة".

ورأى أن حماس الإنسان العربي لما يحدث في تركيا ومتابعته للشأن التركي وثقافة الشعب التركي جعلته يعرف رموز تركيا وتاريخها بشكل أثار حالة من القلق والإحباط في أوساط التيار العلماني العربي، الذي لم يجد أي نموذج صالح على الساحة إلاّ النموذج التركي بصبغته الراشدة.

من جهته، رأى الخبير العسكري الأردني فايز الدويري، أن هذا التفاعل غير المسبوق من الشعوب العربية والإسلامية مع الحكومة والشعب التركييْن في رفض الانقلاب، يكشف "عمق تأثير القوة الناعمة التي انسابت في العالم العربي والإسلامي".

وقال لوكالة الأناضول: "المخاوف التي ساورت الجماهير العريضة في الوطن العربي ليلة الانقلاب في تركيا، تكشف كذلك عن وعي الشعوب بالانعكاسات الخطيرة المحتملة على أزمات العالم العربي حال سقوط الحكومة التركية الحالية، وهو ما يشير بقوة إلى أن هذه الشعوب باتت تنظر إلى تركيا على أنها مكون حيوي في الأمة، وأن لها دوراً قيادياً بارزاً في المنطقة".



وكانت، الشعوب العربية والإسلامية، قد أبدت تعاطفاً كبيراً مع القيادة الشرعية التركية، ورفضت الانقلاب من خلال مظاهر ومظاهرات عفوية.

مشاهد كثيرة عكست مدى التعلق الوجداني للعرب بتركيا وشعبها وحكومتها ورئيسها، تجلى ذلك من خلال مشاركة سوريين في التوجه إلى المطار والالتحام مع الأتراك الذي وقفوا بصدور عارية أمام دبابات الانقلابيين وأجبروها على التراجع.

كما رفعت أعلام "الثورة السورية" برفقة الأعلام التركية في ساحات اسطنبول التي خرجت لنصرة الشرعية الديمقراطية في مواجهة الانقلابيين.

وقُتل في تقسيم وسط اسطنبول عريس مغربي كان يستعد للعودة إلى بلاده مع عروسه التركية، لكنه نزل ليلة الانقلاب مع الجماهير التركية الرافضة للانقلاب، وأصابته رصاصات الانقلابيين، أردته شهيداً.

وفي مدينة تعز اليمنية التي يحاصرها الحوثيون وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح ويقصفونها بالليل والنهار، ومع ذلك خرج عشرات الشباب والشابات للتعبير عن فرحهم لاندحار الانقلابيين وانتصار إرادة الشعب التركي.

وفي الصومال التحم السياسيون بالعلماء والجماهير في مظاهرات مؤيدة للرئيس أردوغان وللشرعية الدستورية ورفضوا "الخبز المسموم"، عندما أوقفت الحكومة الصومالية مؤسسة تتبع منظمة "غولن" الإرهابية.

كما احتفل الكثير من سكان دول الخليج العربي بفشل الانقلاب، عبر تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي صيدا اللبنانية تجمع المئات من أهالي المدينة أمام المستشفى التركي الذي افتتحه الرئيس رجب طيب أردوغان في 2010، حينما كان رئيساً للوزراء، ورفعوا شعارات مؤيدة له ولحكومته وللشعب التركي.

كما نظم عشرات الشبان في العاصمة الأردنية عمان تظاهرة مؤيدة للحكومة التركية بعد نجاحها في "إفشال المحاولة الانقلابية بفضل إرادة الشعب التركي"، حسب شعارات رددها متظاهرون حملوا يافطات كتبت عليها عبارات تعبّر عن دعمهم للرئيس التركي أردوغان ولتركيا، ضد محاولة الانقلاب.

وفي الجزائر، هللت عدة أحزاب سياسية بانتصار الشعب التركي على محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، على غرار حركة مجتمع السلم، وجبهة العدالة والتنمية. كما رفضت أحزاب غير مؤيدة لتركيا (ذات توجهات يسارية وشيوعية) عن رفض الانقلاب.

وفي سوريا، ابتهل الناس لله تعالى كي يحفظ تركيا من كل سوء وفرحوا لفشل الانقلاب، حتى في المناطق التي لا تزال تحت قبضة نظام الأسد، كان الناس في قلوبهم مع الأتراك ومع ديمقراطيتهم ومع رئيسهم في مقارنة صارخة بين أردوغان الذي استعان على الدبابات بشعبه ورئيس النظام السوري بشار الذي استعان على شعبه بالدبابات.