منهج الإعلام الفرنسي المعادي لشخص الرئيس أردوغان وللسياسة التركية

وكالة الأناضول للأنباء
إسطنبول
نشر في 13.11.2019 13:31
آخر تحديث في 13.11.2019 13:32

لم تغير وسائل الإعلام الفرنسية نهجها في معاداة تركيا ونشر روح العداء ضدها، بذريعة مناهضة الرئيس أردوغان، معتمدة على أخبار كاذبة وفرض رقابة على الآراء المغايرة، بالتوافق مع السياسات الرسمية للدولة الفرنسية.

ثمة نهج يتماشى مع الخطط المعادية لتركيا، التي رسمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو النهج الذي تتبناه وسائل الإعلام الرئيسية في الدول الاستعمارية سابقًا، مثل فرنسا والمملكة المتحدة، إضافة إلى ألمانيا.

واعتمدت وسائل الإعلام في تلك الدول نهجًا يستند إلى نشر أخبار كاذبة وملفقة وانتقادات تفتقر للموضوعية، إضافة إلى فرض رقابة على الآراء والأخبار التي تعمل على إيصال الرأي الآخر.

وتعتمد وسائل الإعلام الرئيسية على ركيزتين أساسيتين في ترويج النهج الذي صاغته واشنطن، بمباركة من باريس ولندن وبرلين، ومساعيها الرامية إلى بث أخبار معادية لتركيا، بذريعة مناهضة أردوغان.

تقوم الركيزة الأولى على التعاطف المبالغ فيه مع تنظيم "ي ب ك/ بي كا كا" الإرهابي، فيما تقوم الثانية على دعم تنظيم "غولن" الإرهابي المسؤول عن تنفيذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، عام 2016.

العثمانية الجديدة وداعش:

وقد عملت وسائل الإعلام الفرنسية لسنوات على تأسيس أرضية تدفع نحو معاداة تركيا. من هذه الوسائل: التلفزيون الفرنسي، التلفزيون الحكومي (France 2)، القناة التلفزيونية الحكومية المشتركة في كندا وسويسرا وبلجيكا (TV5) ووكالة الصحافة الفرنسية.

وعمدت وسائل الإعلام تلك، حتى 7 يونيو/ حزيران 2015 (تاريخ الانتخابات العامة التركية)، على الترويج لمواضيع مثل: "تحول أردوغان نحو الاستبداد"، "ابتعاد تركيا في عهد أردوغان عن النهج العلماني" و"ابتعاد تركيا عن محورها الغربي".

وعمدت إلى بث أخبار تبدو في ظاهرها أنها تحمل اتهامات لأردوغان وحكومة حزب "العدالة والتنمية"، بينما هي في جوهرها تتهم تركيا بـ"النزعة إلى الإسلام والقومية التركية"، و"محاولة الترويج للعثمانية الجديدة".

كما سعت إلى إظهار تنظيم "بي كا كا" الإرهابي وذراعه السورية "ي ب ك"، على أنهما يمثلان الأكراد.

كما عملت في البداية على اتهام تركيا بدعم تنظيم "داعش" الإرهابي، للحصول على شرعية عبر تلك المزاعم، مروجة لفكرة مفادها أن أردوغان "إسلامي سُني وعثماني جديد يهدف إلى السيطرة على الشرق الأوسط من خلال مساعدة داعش".

وأظهرت دعمًا غير محدود لميليشيات "ي ب ك" الإرهابية، زاعمةً أنها "رأس حربة في الحرب على داعش"، ضمن التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة.

وسعت وسائل الإعلام الفرنسية إلى إظهار هذا التنظيم الإرهابي على أنه منظمة حليفة لفرنسا، وبثت مقابلات للرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا أولاند (2012: 2017)، والرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون، في هذا الاتجاه.

تصريحات أولاند وماكرون الداعمة لتنظيم "ي ب ك/ بي كا كا" الإرهابي والتقليل من أهمية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، عبر وصفه بالتحالف "الميت"، لا تتناقض مع رؤية الرأي العام الفرنسي، الذي تم تجهيزه من طرف وسائل الإعلام.

لسنوات، عمدت وسائل الإعلام الفرنسية إلى بث أخبار كاذبة وأفلام وثائقية تروج لتنظيم "ي ب ك" وجناحه النسائي "ي ب ج".

وفي هذا الإطار، عمد أصحاب القرار في الدول الغربية على تغيير اسم "ي ب ك"، والترويج لاسمه الجديد "قسد" (قوات سوريا الديمقراطية)؛ لصرف الأنظار عن العلاقة العضوية بين "بي كا كا" و" ي ب ك".

ولم تكتف وسائل الإعلام بإخفاء الحقيقة عن الرأي العام، ومحاولة الترويج لتنظيم مسلح إرهابي مسؤول عن كم هائل من الانتهاكات في سوريا، بل عملت أيضًا على إظهار العمليات التركية ضد ذلك التنظيم على أنها "معركة تركية ضد الأكراد الساعين للمطالبة بـ"حقوقهم السيادية".

وتعد تغطية "لوموند"، الصحفية الأكثر مبيعًا، مثالًا مهمًا، إذ عمدت الصحيفة، التي تستفيد من الدعم الحكومي، إلى الترويج لإرهابيي "بي كا كا" باعتبارهم "مقاتلين أكراد أبطال"، متناسية مسؤولية التنظيم عن تقويض دعائم "عملية الحل"، عبر استئناف العمليات المسلحة الإرهابية ضد المدنيين في تركيا، وتحويل مدن جنوب شرقي البلاد إلى ساحات حرب.

وأظهرت مقالات مغرضة لصحفيين يكتبون في "لوموند" بأسماء مستعارة (أبرزهم ألين كافالا) حجم الترويج الكبير الذي تنفذه وسائل الإعلام الفرنسية لصالح مسلحي "بي كا كا" الإرهابي.

وزعمت الصحيفة أن الجيش التركي هجر أكثر من 300 ألف لاجئ كردي، ونشرت أخبارًا مضللة و كاذبة بشأن عملية "نبع السلام" (العسكرية التركية ضد الإرهابيين في شمال غربي سوريا).

دفاع عن انقلابيين:

تماشيًا مع نظيرتها الأمريكية، عملت وسائل الإعلام الفرنسية على بث روح العداء ضد تركيا باستهداف شخص الرئيس أردوغان وحزب "العدالة والتنمية"، واتهامهما "بممارسة الاستبداد والديكتاتورية".

ودعت إلى إحداث تغيير في تركيا يتماشى مع المصالح المشتركة للغرب.

وتعاملت مع الانتخابات التركية بمكياليين مختلفين، فحين تقدمت المعارضة في الانتخابات (انتخابات 7 يونيو/ حزيران 2015) اعتبرت ذلك "انتصارًا للديمقراطية"، أما حين تقدم "العدالة والتنمية" (انتخابات 1 نوفمبر/ تشرين ثانٍ 2015) اعتبرت ذلك "دكتاتورية بعباءة ديمقراطية".

ولم توفر وسائل الإعلام الفرنسية أية فرصة لكيل الاتهامات ضد الرئيس أردوغان، منها بأنه "مسلم سُني" يميل إلى "القومية التركية" و"ذو نزعة إسلامية" وغالباً ما يذكرون أمام اسمه "الرئيس الإسلامي" وهو وصف بدون معنى سوى تأجيج الرأي العام الفرنسي، فضلًا عن اتهامات مشابهة ضد "العدالة والتنمية".

كما ازدادت أن معارضة أردوغان في وسائل الإعلام الفرنسية، لا سيما بعد الفشل الذريع للمحاولة الانقلابية (15 يوليو/ تموز 2016).

فيما حظي المدافعون عن تنظيم "غولن" الإرهابي المسؤول عن المحاولة الفاشلة بالنصيب الأكبر في التعليق على الأحداث في وسائل الإعلام الرئيسية، فضلًا عن إفراد حيز كبير لانتقاد الإجراءات التي اتخذتها الدولة التركية بعد المحاولة الانقلابية، ومنها إعلان حالة الطوارئ ومحاكمة المسؤولين، رغم أن فرنسا نفسها كانت تشهد في الفترة نفسها حالة طوارئ بسبب هجمات في باريس.

رقابة على الرأي الآخر:

في غمرة التغطية الإعلامية الفرنسية التي تهاجم الرئيس أردوغان وحزب "العدالة والتنمية"، يلفت انتباه المتابع عدم وجود تعليقات لشخصيات تمثل آراءً معارضة، حتى بات قارئ "لوموند" مثلًا يشعر أنه أمام صحيفة ناطقة باسم تنظيم "بي كا كا" الإرهابي.

بينما لا يجد القارىء أي خبر عن أي من التطورات الإيجابية في تركيا، مثل اعتقال قيادات في "داعش" ومقربين من أبوبكر البغدادي، زعيم التنظيم الذي قُتل مؤخرًا، ولا المساعدات التركية للاجئين.

وعمدت "لوموند" على فرض رقابة على الآراء التي تتعارض مع محتوى الأخبار المنشورة في زاوية التعليقات، وفتحت تلك الزواية للمشتركين فقط.

ولا تسمح الصحيفة مثلًا بنشر أخبار أو مقالات تلفت عناية القراء إلى أن مدينة تل أبيض (السورية) ذات الأغلبية العربية، وأن عملية "نبع السلام" التركية لم تحول آلاف الأكراد إلى لاجئين؛ لأن نطاقها كان في مناطق ذات غالبية عربية، وأن "ي ب ك" هو تنظيم إرهابي لا يمثل الأكراد.

استنادًا إلى كل ذلك، يمكننا القول إن وسائل الإعلام الفرنسية تعمل على نشر روح العداء لتركيا وفق محددات السياسات الرسمية للدولة الفرنسية، معتمدة على نشر أخبار كاذبة وأفكار مسبقة وفرض رقابة على الأفكار والآراء المغايرة، وفق "نهج مكيافيلي" لا يتوافق مع المبادئ العالمية، وخاصة أخلاقيات الصحافة والحرية.