هل تجلب القطط السوداء الحظ السيء فعلاً وما هي حقيقة اضطهادها

ديلي صباح ووكالات
إسطنبول
نشر في 28.10.2020 11:52
طفل تركي مع قطته السوداء المفضلة الأناضول طفل تركي مع قطته السوداء المفضلة (الأناضول)

"الإسلام لا يرى في القطط السوداء خطراً على الإنسان. بل على العكس من ذلك، تنص تعاليمه على أن القطط زينة المنزل ووجودها فيه علامة على الرحمة. كما أن الماء الذي تشربه القطط أو تلغ فيه، ليس نجساً شرعاً".

بعيداً عن الاعتقاد بالخرافات وتكريساً لتحري الحقائق في يوم القطة السوداء الذي يصادف في 27 أكتوبر، يلقي هذا المقال نظرة فاحصة على قصة الحظ السيئ التي ارتبطت على مدى عصور طويلة بمخلوق أسود لطيف وجميل.

بمعطفها الفروي حالك السواد مثل ليل بهيم وعينيها اللامعتين التي تحدق في الروح بنظرة تتغلغل عميقاً، تعدّ القطط السوداء حيوانات مشبوهةٍ حقاً بسبب ارتباطها بأساطير وأقاويل ليس أولها ولا آخرها حكاية الساحرة "سابرينا" أو الحظ السيئ أو خدمة الشيطان أو أمور غيبية كثيرة نسجتها مخيلة البشر ومصالح الكنائس القديمة التي حكمت أوروبا في عصور الجهل والظلام.

ومهما تكن الخرافات التي ارتبطت بتلك الكائنات الرقيقة إلا أننا لا نستطيع الجزم بأن كل من يصادفها يجب أن يغير مساره على عجل واجتنابها، أو على أقل احتمال أن يشعر بالاستياء أو النظر إليها على مضض. فهي لا زالت تتمتع ببعض التعاطف والمحبة والمعاملة الجيدة عند الكثيرين ممن يدركون أهمية الإحسان للحيوانات ومشاركتها أسباب العيش وجمال الحياة.

لكن القطط بشكل عام تعرضت على مدى عصور طويلة لمعاملة قاسية وغير إنسانية، وعانت الكثير على يد البشر من تركها للموت في الشوارع إلى التشويه والقتل من أجل المتعة، خصوصاً القطط السوداء التي تعدّ للأسف، المجموعة الأكثر ضعفاً بسبب المعتقدات المشوهة والباطلة.

وتشير الإحصاءات إلى أنه بالمقارنة مع بقية القطط، تقل احتمالية تبني القطط السوداء من ملاجئ الحيوانات، ناهيك عن معاناتها من الإساءة أكثر من بقية الأنواع. وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى "عيد الهالوين" الذي ربط بين التشاؤم وهذه المخلوقات، وتسبب في تعرضها إلى أذيات كبيرة جعلت ملاجئ الحيوانات ومنظمات إنقاذ الحيوانات في العديد من الولايات الأمريكية تحظر تبنيها طوال شهر أكتوبر بهدف مكافحة القسوة عليها.

وبدافعٍ من هذه المشاعر، تم تأسيس جمعية حماية القطط الخيرية. وتم منذ عام 2011 الاحتفال بيوم 27 أكتوبر باعتباره "اليوم الوطني للقطط السوداء" لزيادة الوعي بالقسوة المرتكبة ضدها. وتقيم المنظمة العديد من الأحداث سنوياً لتسليط الضوء على المخاطر وسوء المعاملة التي تواجهها هذه القطط.

فهل كانت القطط السوداء مكروهة على الدوام في جميع العصور والحضارات؟

تؤكد الدراسات التاريخية الممنهجة للعصور المصرية القديمة وكذلك فحص الحروف الهيروغليفية، اكتشاف العديد من تماثيل القطط ورسوماتها التي تظهر أنها مخلوقات مقدسة احتلت مكانة عالية عند قدماء المصريين وكانوا يصنعوها من الذهب ويزينوها بنفائس المجوهرات والأحجار الكريمة.

ويقول البروفسور التركي "ألتان أرموتاك" الأستاذ بكلية الطب البيطري في جامعتي "إسطنبول" و"جراح باشا"، إن قصة تقديس القطط بدأت في مصر منذ 4000 عام.

وتعود أهمية تربية القطط والعناية بها في ذلك الزمان إلى كونها تحمي مخازن حبوب المصريين وتحافظ عليها خالية من القوارض، مما ساعدها على كسب حب الناس الذي ألهمهم النظر إليها على أنها آلهة وخاصة السوداء منها.

ويروي "أرموتاك" بعضاً من مقاطع كتاب "هيرودوت" عن العصور القديمة وبالتحديد ما ورد في كتابه "التاريخ" من القرن الخامس، الذي جاء فيه أن الأسر المصرية التي فقدت قططها كانت تحلق حواجبها كدليل على الحزن، وأنهم كانوا يعتقدون أيضاً أن الآلهة "باستت" التي تُعبد على شكل قطة، ستسعى للانتقام من قتلة القطط.

ويكتب المؤرخ الشهير بالتفصيل أنه في مصر القديمة كان قتل القطط ممنوعاً، وأن بعض الجنود الرومان الذين قتلوا القطط، تم قتلهم على يد الناس. وأنه بسبب خوف القطط الكبير من النار، كان المصريون يضعون اللحم بعيداً عن مواقد النار لمنع القطط من الركض بسرعة والوقوع في النار. ولم يورد المؤلف في كتابه أي ذكر لاستجلاب القطط السوداء للحظ السيئ.

ولكن ماذا عن عصور الظلام في أوروبا ومطاردة الساحرات؟

عندما كانت النساء يتهمن بممارسة "السحر" في أوروبا في العصور الوسطى، تم حشر القطط السوداء في هذه الهستيريا التي أصابت المجتمع كله. وقال "أرموتاك" إن ارتباط القطط السوداء بالشر يرجع إلى حد كبير إلى نقص المعرفة بتشريح النسيج اللامع الموجود في عيون القطط الذي يعكس الضوء ويساعد القطط على الرؤية في الليل والمسمى علمياً بـ "tapetum lucidum".

وأوضح "أرموتاك" أن حقيقة صعوبة اكتشاف كامل جسم القطط السوداء في الظلام وأن عيونها فقط هي التي تتألق في الليل، جعلت الناس يخشونها، كما يحدث لأي شيء مجهول بالنسبة للبشر في البداية.

وفي 13 يونيو 1233 يوم استلام منصبه كأعلى سلطة في الكنيسة الكاثوليكية، حرض البابا "غريغوري التاسع" على القطط وخاصة القطط السوداء، بدعوى أنها مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالشيطان وبالتالي يجب قتلها. وأوضح "أرموتاك" إنه منذ ذلك التاريخ فصاعداً استمر حرق ملايين القطط معظمها سوداء، مع صاحباتها المتهمات بالسحر من قبل الكنيسة الكاثوليكية لمدة 300 عام.

وقال: "كانت القطط السوداء تحشى في أكياس وتعلق على أغصان الأشجار. ثم يشعلون نارا كبيرة أسفلها مباشرة. وكلما زاد نوح وصياحها القطط، زاد اعتقاد الناس أن الشيطان سيخاف ويبقى بعيداً".

وأكد "أرموتاك" أن هذه الممارسة التي كانت تهدف إلى محو كل آثار العالم الوثني المشرك القديم، هي أصل الاعتقاد الخاطئ والمشوه بأن القطط السوداء هي خدام الشيطان الخارق للطبيعة.

لكن لماذا تتمتع القطط السوداء بسمعة سيئة بين الأتراك؟

لأن هذه المعتقدات التي ليس لها أساس في الواقع تنتشر بسهولة لسوء الحظ. لذلك وقع الأتراك في فخ هذا الأمر، مما يفسر حسب رأي "أرموتاك" نفور العديد من الناس أو سلوكهم "الخجول" تجاه القطط السوداء.

ويتجلى ذلك في أحاديثهم اليومية أيضاً، لا سيما الأمثال والأقوال.

فمن الخرافات السخيفة مثلاً الاضطرار إلى تغيير مسار الشخص أو لمسه شيء أسود أو حتى لمسه لشعره إذا صادف قطة سوداء. وكذلك تشيع عبارة "aramıza kara kedi girdi" بين الأتراك، وهي مصطلح تركي يشير إلى الخلاف مع صديق عزيز، وتعني ترجمته الحرفية أن "قطة سوداء دخلت بيننا". ومن المؤكد أن اللغة التي يستخدمها الناس ما هي إلا انعكاس مباشر لثقافتهم التي من خلالها يصفون الماكرين والدخلاء المفسدين.

والشيء العجيب في تأصل هذه المعتقدات الباطلة أنها لا تعبر بشكل من الأشكال عن وجهة النظر المتأصلة في الإسلام تجاه الحيوانات. فالدين الإسلامي الحنيف لا يعتبر هذه الحيوانات خطراً على الإنسان بتاتاً. بل على العكس من ذلك، تنص تعاليم الإسلام على أن القطط هي زينة المنزل وعلامة الرحمة في قلوب المؤمنين، ولا تعتبر الشريعة السمحاء الماء الذي تشربه القطط أو تلغ فيه، نجساً.

وبرأي العلماء فإن هذا التحول في المعتقدات تجاه القطط السوداء، يرجع إلى احتكاك ثقافة الأتراك مع الثقافات الأخرى خاصة الأوروبية. ويقول "أرموتاك" إن مناسبة "الهالوين" وإظهارها المتكرر للقطط السوداء بمظهر مرعب مخيف هي أصل هذه النظرة في عصرنا هذا.

وأكد "أرموتاك" على أن القطط السوداء هي حيوانات ذكية للغاية، وأنها مثل باقي القطط الأخرى، يمكنها مشاركة الناس مشاعرهم والتعبير عن ذلك بالاقتراب والتلامس والبكاء والمواء السعيد الذي يعكس الفرح.